بشرى العامري
لأول مرة أشعر بهذه الصدمة من النقاش حول الصراع الطائفي في اليمن.
وعقب منشور سابق ومقال سريع كتبتهما حول اختطاف ميليشيات الحوثي لتمثيل الجانب الزيدي في البلاد ضمن هذا الصراع البغيض، هالني ظهور تعصب مذهبي ومناطقي من أشخاص كنت أظنهم صفوة تجاوزت هذا التخندق المذهبي والمناطقي.
وظهر معظمهم حوثيّا في أعماقه أكثر مما كان عليه محمد عبدالملك المتوكل وعبدالكريم الخيواني أو أحمد شرف الدين وحتى حسن زيد. وكل هؤلاء من وجوه الإعلام المعروفة التي وقفت مع الحوثي بكل قوة، ونظّرت للمدّ الحوثي بإخلاص، حتى قُتلوا بأيدٍ حوثية، ولم يجرؤ أحد من أهاليهم أن يتهم قاتلهم الواضح القابع في صعدة، ضمن صراع مراكز القوى الزيدية الهاشمية وصراع هاشمية صعدة مع هاشمية صنعاء كما يقال.
والصمت تم تحت مسمى الحفاظ على وحدة الصف الزيدي ضد العدو الكبير، أي بقية اليمن باختصار.
وهذا ما تكرر الآن من صمت الحاضنة الأساسية للحوثيين ومخزنهم البشري الواسع من مناطق الشمال، طبعًا مع متحوثين حتما من مناطق مختلفة. لكن القوة الأساسية التي يرتكز عليها الحوثي ما تزال هي القبائل الشمالية.
وغضب الزملاء من هذا التوصيف عجيب. بل رأيت من يقول لي:
إن من يقاتل مع الحوثي ليسوا قبائل حاشد وبكيل في الأساس.
فهل هي كائنات فضائية؟
دعوني اوضح نقطة هامة أولا أني ولدت وتربيت في اسرة لم تفرق أبدأ بين الزيدية او الشافعية، ولم اعرف أبدا هذه المسميات إلا مع هذه الحرب والص راع السياسي الذي عصف بالبلاد.
والكتابة عن هذا الأمر ليست لخلق فتنة، فالصراع قائم ولا يحتاج لصناعة فتنة، ولكن للتشخيص الصريح حتى نتخلص من كارثة اليمن.
وباختصار لن نتخلص من الحوثي إذا لم تنتهِ حاضنته الشعبية في مناطق سيطرته من مدّه بوقود الحرب من شباب القبائل وتعصبهم لرؤيته المذهبية.
ولن ننجح بعودة السلام ما لم تنتهِ نظرة أن مركز الحكم والسيطرة يجب أن يبقى ببعده المناطقي فيما يسمى إعلاميا “الهضبة الزيدية”، ومهما كان من على رأسها، سواء عفاش أو الحوثي، المهم “منا وفينا”.
وحسب قول عبدالله بن حسين الأحمر يوم دعمه لعفاش:
“جني منّا نعرفه ولا إنسي ما نعرفه”، في رفضه لبقية ممثلي اليمن.
ونقطة أخيرة أنا لا أحب إطلاقاً اللغة الطائفية باسم ما يسمى “أهل تعز” أو الانفصالية باسم ما يسمى “أهل الجنوب”، لكني أتفهم أن تلك ردود انفعالية لوضع ظل لسنوات محكوما بسيطرة منطقة محددة في البلاد على مراكز القرار الأمني والعسكري والسياسي.
وحتى نخرج من هذه الدائرة الممزقة للوطن، نحتاج لصراحة شديدة ومشرطا يخرج كل الوسخ من هذا الجرح العفن.
أما الحوثي فقد جعل فقط صورة السيطرة المتسترة واضحة بل ووقحة، وهي مضرة لكل اليمن، حتى لمن يعتقد أنها ستخدم مناطق المنتمين له مذهبيا والمؤمنين به كإمام للزيدية.
فسوف يدركون لاحقا، وقريبا، أن ثورتهم عليه تأخرت، وأن ما كان ممكنا في السيطرة المركزية على اليمن سابقا لم يعد ممكنا اليوم.
فاليمن لا بد أن يُحكم بالتوزيع العادل للثروة والسلطة، واحترام التنوع، فذلك وحده هو الضمان الحقيقي لبقاء الوطن موحدا، ولخروجنا من دوامة الصراع والاحتراب إلى فضاء السلام والعدالة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news