امرأة تبحث في القمامة… وصورة تفضح جوع اليمنيين
قبل 12 دقيقة
في مدينة ذمار، التُقطت صورة لامرأة مسنّة تنحني على أكوام القمامة بحثاً عن بقايا طعام. صورة واحدة، لكنها كفيلة بأن تختصر كل تفاصيل المأساة اليمنية الممتدة منذ سنوات. لم تكن مجرد مشهد عابر، بل صرخة صامتة تفضح حال وطن أنهكه الجوع والحرب، وتضع العالم أجمع أمام سؤال يوجع الضمير: كيف يُترك البشر ليقتاتوا من النفايات بينما تُنفق الملايين على الزينة والعروض العسكرية؟
المشهد صادم بكل ما تحمله الكلمة من معنى. تلك المرأة التي حفر الزمن على ملامحها قسوة الحاجة، لم تجد أمامها سوى القمامة لتبحث فيها عن ما يسد رمقها. إنها صورة تروي بصمت أكثر مما قد تقوله آلاف البيانات والتقارير. صورة تلخص المأساة في بُعدها الإنساني العميق، بعيداً عن الأرقام الجافة التي تتحدث عن 19 مليون يمني يعانون انعدام الأمن الغذائي، و8.5 مليون يواجهون جوعاً شديداً وفق تقديرات الأمم المتحدة.
المفارقة المؤلمة أن هذه الصورة خرجت من مناطق تسيطر عليها مليشيا الحوثي، التي تستعد في الوقت ذاته لإنفاق ملايين الدولارات على ما تسميه "مليونية المولد"، عبر تزيين الشوارع وإقامة الاحتفالات الحاشدة والعروض العسكرية. مشهدان متناقضان يختصران حقيقة المعادلة العبثية: جوع يفتك بالفقراء، وبذخ يُهدر على المظاهر الدعائية. أي منطق يمكن أن يبرر هذا التناقض الفاضح؟
الغضب الشعبي الذي أثارته الصورة لم يكن مجرد انفعال لحظي، بل انعكاس لجرح نازف في الضمير اليمني. فقد اعتبر كثيرون أن ما يجري "جريمة أخلاقية" قبل أن يكون موقفاً سياسياً، جريمة ترتكب بحق شعب يفتش في القمامة عن كسرة خبز بينما قادته يزينون الشوارع بالأضواء. هذه المفارقة وحدها كافية لتكشف عمق الهوة بين الشعب الباحث عن لقمة العيش والسلطة الغارقة في استعراضاتها.
لقد تحولت صورة المسنة إلى رمز لمعاناة الملايين من اليمنيين الذين يعيشون تحت خط الفقر. هي ليست مجرد امرأة تبحث عن الطعام، بل وجه يختزل قصة وطن جائع تُرك لمصيره القاسي. صورة كهذه يجب ألا تمر مرور الكرام، بل ينبغي أن تطرق أبواب الضمير الإنساني، عربياً ودولياً، لتقول بصوت مبحوح: أنقذوا اليمنيين من الجوع قبل أن يبتلعهم الموت البطيء.
إن مسؤولية الحوثيين في هذه المأساة لا يمكن إنكارها، فهم يواصلون تبديد الموارد القليلة على الاحتفالات والمظاهر، فيما تُرك المواطن البسيط لمواجهة الجوع وحيداً. لكن المسؤولية لا تقف عند حدود الحوثيين وحدهم، بل تمتد إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية التي تقف شاهدة على معاناة اليمن دون أن تقدم ما يكفي لإنقاذ الأرواح.
اليمن اليوم لا يحتاج إلى أضواء معلقة في الشوارع ولا إلى مسيرات عسكرية صاخبة، بل إلى لقمة تسد جوع الأطفال، ودواء ينقذ المرضى، ومأوى يحفظ كرامة الفقراء. المرأة التي بحثت في القمامة عن بقايا طعام لم تكن تبحث لنفسها فقط، بل أيقظت بوجهها المتعب ضمير الملايين. لقد وضعت الحوثيين والعالم أمام اختبار أخلاقي قاسٍ: إما أن تتحرك الضمائر لإنقاذ الناس، أو يظل الجوع شاهداً على صمت الجميع.
إنها ليست صورة منسية في ركام الأخبار، بل شهادة دامغة على الجريمة اليومية التي يعيشها اليمنيون. صورة ستبقى تُسائلنا جميعاً: ماذا فعلنا لننقذ امرأة مسنّة من البحث في القمامة عن لقمة عيش؟
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news