في تحوّل لافت يعكس تداعيات الأزمة الاقتصادية العميقة التي يشهدها اليمن، كشف الخبير الاقتصادي البارز
فيق صالح
عن ظهور ظاهرة غير مسبوقة في سوق الصرافة، تمثلت في توجه منشآت وشركات صرافة إلى دفع الحوالات المالية بعملتها الأصلية – غالبًا الدولار الأمريكي – دون تحويلها إلى الريال اليمني، وذلك لأول مرة في تاريخ السوق المحلية.
وأوضح صالح أن هذا التحوّل الجوهري يعود إلى
اختلال حاد في التوازن النقدي
بين العملة المحلية والعملات الأجنبية، حيث يشهد السوق تكدسًا كبيرًا للفائض من العملة الصعبة، في مقابل شحٍ متزايد في المعروض من الريال اليمني. وبحسب تحليله، فإن تراكم السيولة بالعملات الأجنبية ناتج عن تدفقات الحوالات من الخارج، خاصة من الجالية اليمنية في دول الخليج، في وقت تراجعت فيه قدرة البنوك والصرافات على ضخ العملة المحلية جراء نقص السيولة وتوقف العديد من آليات إصدار النقود.
وأشار صالح إلى أن هذا التحوّل ليس مجرد ممارسة تقنية، بل يعكس
أزمة هيكلية في النظام المالي
، حيث باتت شركات الصرافة تُضطر إلى تلبية طلبات العملاء بالدولار أو العملات الأجنبية الأخرى، نظرًا لانعدام الريال اليمني في خزائنها، ما يعكس تراجع الثقة في العملة الوطنية.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن هذه الظاهرة قد تُسهم في
زيادة التوتر في سوق الصرف المحلي
، وتُفاقم من الضغوط على المواطنين، خصوصًا أولئك الذين يعتمدون على الحوالات كمصدر رئيسي للدخل، وغالبًا ما يحتاجون إلى الريال اليمني لشراء السلع والخدمات اليومية. كما قد تؤدي إلى تعميق الفجوة بين من يملكون إمكانية الوصول إلى العملات الأجنبية، ومن يعتمدون على الريال، ما يزيد من حدة التفاوت الاجتماعي والاقتصادي.
وأكد صالح أن هذه التطورات تستدعي
تدخلًا عاجلًا وفعّالًا من قبل الجهات المصرفية والمالية المختصة
، سواء في الحكومة الشرعية أو البنك المركزي اليمني، من أجل معالجة الفجوة المتزايدة بين المعروض النقدي المحلي والسيولة بالعملات الأجنبية. ودعا إلى اتخاذ إجراءات استثنائية تشمل إعادة تفعيل آليات ضخ العملة المحلية، وضبط سياسة الصرف، وتعزيز الشفافية في إدارة الاحتياطيات النقدية، إلى جانب تطوير آليات دعم الاقتصاد الوطني وتحفيز النشاط الاقتصادي الحقيقي.
وأشار إلى أن استمرار هذه الحالة دون تدخل قد يؤدي إلى
تآكل مزيد من قيمة الريال اليمني
، وزيادة التضخم، وفقدان مزيد من السيطرة على السوق الموازية للنقد، ما يهدد باستقرار النظام المالي ككل.
ويُنظر إلى هذه الظاهرة على أنها مؤشر جديد على
تفاقم الأزمة الاقتصادية في اليمن
، التي تتفاقم بسبب تداعيات الحرب المستمرة، وانقسام المؤسسات المالية، وضعف البنية التحتية الاقتصادية، ما يستدعي حلولًا شاملة ومستدامة، لا تقتصر على الإجراءات المالية، بل تمتد إلى إعادة بناء المؤسسات وتوحيدها، وضمان استقلالية البنك المركزي، وتعزيز الشفافية والحوكمة في إدارة الشؤون الاقتصادية.
ويحذر خبراء اقتصاديون من أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يدفع بالاقتصاد اليمني إلى مرحلة أكثر خطورة من التدهور، حيث تصبح العملة المحلية في حكم "الزائفة" في كثير من المعاملات، وتزداد هيمنة العملات الأجنبية، ما يهدد باستقلال الاقتصاد الوطني وسيادته النقدية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news