في ظرف يومين فقط تحول الفيس إلى مسرحية اقتصاديّة هزليّة كل واحد من "الخبراء" ظهر يتحدث بثقة مفرطة عن تحسن أسعار الصرف وكأنه يملك الحقيقة المطلقة الأمر الذي أدى إلى اندفاع الناس خلف منشوراتهم لبيع مدخراتها من العملات خشية استمرار هبوط الصرف ليكتشفوا لاحقاً بأنهم تعرضوا لأكبر عملية نصب قام بها المضاربون بمساعدة خبراء الوهم.
▪︎فتحي بن لزرق أغرق الفيس بمنشورات متتابعة مرّة يحث على التخلّص من العملات الأجنبيّة بسرعة ومرّة يشرح "أسباب النزول" وكأنه خبير مطّلع وكانت النتيجة أن الناس اندفعت لبيع مدخراتها من العملات الأجنبيّة واصطفت طوابير أمام شركات الصرافة ثم بعد البيان عاد يتغنّى به كأنه انتصار تاريخي ويبرّر أن كلامه كان موجّهاً للصرافين فقط وكأن منشوراته لا تصل إلى مئات الآلاف من المتابعين الذين التقطوها وهرولوا خلفها.
▪︎ماجد الداعري أكّد بعد نزول الصرف أن "المرحلة الثانية من التعافي الاقتصادي" قد بدأت وكرّر ذلك في أكثر من منشور فبشّر بالثبات عند ٣٥٠ ثم ٣٠٠ وصوّر الأمر كمسار مدروس وبداية عصر جديد للعملة لكن ما إن كسر سعر الصرف هذا الحاجز في صباح اليوم التالي ووصل إلى ٢٥٠ حتى قلب خطابه رأساً على عقب فوصف الهبوط بأنه "مضاربة عكسيّة" و"نزول غير منطقي" وبعد بيان البنك الذي نسف تحليلاته الخنفشارية بدل أن يعتذر لمن صدّقوه تمنّى لهم الخسارة باعتبارها "ردعاً" وختمها ببرود "لا بواكٍ عليهم عندي".
▪︎أحمد ماهر بعد هبوط الصرف إلى ٣٥٠ خرج علينا بمنشور تحدث فيه بلغة تأكيدية جازمة بأن النزول ناتج عن "خطة مدروسة" اشترطها رئيس الوزراء ستعيد صرف السعودي إلى ٥٧ ريال كمان كان قبل ٢٠١٥ مطبّلًا له واصفاً إياه بالمنقذ، لكن بعد بيان البنك الذي ثبّت السعر عند ٤٢٥ شراء و٤٢٨ بيع وأكّد أن النزول وهمي انقلب بسرعة ووجّه التطبيل هذه المرّة للمحافظ ناقلاً البيان بحرفيته ثم راح يوبّخ الناس قائلاً "إنهم ليسوا تجار عملة حتى يشتروا ويبيعوا بهذا الشكل" مع أن منشوره الأوّل هو من دفعهم لبيع مدخراتهم من العملات الأجنبيّة في شركات الصرافة.
▪︎بسام البرق قبل بيان البنك بساعتين بشّر أن سعر صرف السعودي يتجه إلى ١٤٠ ريالاً بموافقة البنك المركزي بهدف توحيد الصرف بين عدن وصنعاء، مؤكداً أن ما يحدث ليس مجرد إجراءات اقتصادية وإنما قرارات سياسيّة مدعومة خليجيّاً ودوليّاً، حاصراً الأمر في احتمالين لا ثالث لهما: إمّا اتفاق يوحّد البنوك ويعيد تصدير النفط، أو حرب اقتصاديّة شرسة تستهدف صنعاء، مستبعداً تماماً أن يكون النزول مجرد لعبة مضاربين. لكن بعد البيان انقلب فجأة، فاتهم الصرّافين والبنك المركزي بالتواطؤ وطالب بمحاسبة كليهما، في تناقض صارخ مع يقينه السابق.
▪︎ وبين كل هذا الضجيج كنت أؤكّد منذ الوهلة الأولى أن النزول وهمي، وعلّقت على منشوراتهم جميعاً محذراً من ذلك، لكن جلبة الفطاحلة دفعت الناس للهرولة وخسارة مدخراتهم.
▪︎ الخلاصة: أربعة محلّلين أربع روايات متناقضة… وفي النهاية الناس خسروا مدخراتهم وهم لم يخسروا سوى قليل من مصداقيتهم المعدومة… إن وُجدت أصلاً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news