الحوثيون والمنظمات الإنسانية .. حين يتحول العمل الإغاثي إلى ساحة قمع
قبل 18 دقيقة
لم تعد انتهاكات الحوثيين ضد المنظمات الإنسانية مجرّد حوادث معزولة يمكن التغاضي عنها، بل أصبحت سياسة ممنهجة تهدف إلى تقويض العمل الإنساني في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. فمن اقتحام المكاتب، إلى حصار مقارّ المنظمات، واعتقال العاملين فيها، بات العمل الإغاثي في اليمن مهمة محفوفة بالمخاطر، يدفع ثمنها الموظفون الإنسانيون والمدنيون المحتاجون على حد سواء
.
خلال الأشهر الماضية، تصاعدت التقارير الصادرة عن منظمات دولية بشأن عراقيل متزايدة يفرضها الحوثيون، تبدأ من عرقلة حركة الشحنات الإغاثية، ولا تنتهي عند التدخل المباشر في اختيار قوائم المستفيدين، وتوجيه المساعدات لصالح الموالين لهم. لكن الأخطر من ذلك هو لجوء الجماعة إلى الاقتحامات المسلحة لمقار منظمات محلية ودولية، وفرض الحصار عليها، وصولًا إلى اختطاف موظفين بتهم ملفقة. هذه الممارسات لا تعكس فقط عداءً متصاعدًا تجاه المجتمع الدولي، بل تكشف أيضًا عن استخدام الحوثيين للمساعدات كورقة ضغط سياسية وعسكرية.
سياسيًا، تسعى المليشيا إلى تحويل العمل الإنساني إلى أداة تخضع لنفوذها، من خلال التحكم بمسارات المساعدات وتوزيعها بما يخدم مشروعها. أما على الصعيد الإنساني، فهذه الانتهاكات تقوّض ثقة المجتمع المحلي بالمنظمات الدولية، وتحرم ملايين اليمنيين من الدعم في وقت هم فيه بأمسّ الحاجة إليه. وهنا تتضح المأساة الحقيقية: الجماعة لا تحاصر فقط المنظمات، بل تحاصر مستقبل شعب بأكمله.
ولا يمكن فصل هذه الانتهاكات عن النهج الحوثي في التعامل مع الداخل والخارج؛ فكما يقمعون الصحافة، ويكممون الأفواه، ويحاصرون الحريات، يمدّون قبضتهم الآن إلى الميدان الإنساني، في مشهد يختصر فلسفة حكمهم: السيطرة أولًا، ولو على حساب الجوعى والمرضى والمنكوبين.
لقد شجّع صمت المجتمع الدولي الحوثيين على التمادي في انتهاكاتهم. وإذا لم تتحرك الأمم المتحدة والدول المانحة بجدية وحزم، فإن العمل الإنساني في اليمن سيظل رهينة لمزاج المليشيا، وستبقى ملايين الأسر اليمنية عالقة بين مطرقة الجوع وسندان الابتزاز السياسي.
باختصار، ما يمارسه الحوثيون ضد المنظمات الإنسانية ليس مجرد تجاوزات ميدانية، بل هو جُرم مزدوج: جريمة بحق المؤسسات التي تسعى لإنقاذ اليمن، وجريمة بحق المدنيين الذين يدفعون حياتهم ثمنًا لهذه السياسات العبثية. والسؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى سيظل العالم يراقب بصمت، بينما تتحوّل المساعدات الإنسانية إلى سلاح حرب بأيدي الحوثيين؟!.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news