أعد التقرير لـ”يمن ديلي نيوز” إسحاق الحميري:
في خضم التصعيد المتواصل في المنطقة، برزت تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي التي بارك فيها دور الحوثيين في البحر الأحمر، واعتبر تحركاتهم ضد السفن المرتبطة بإسرائيل خطوة “صحيحة”، مؤكداً في الوقت ذاته أن لدى طهران القدرة على إغلاق طرق الإمداد عن تل أبيب.
هذه التصريحات أثارت جملة تساؤلات حول دلالاتها العسكرية في التوقيت الحالي، وهل تعكس توجهًا إيرانيًا نحو تصعيد مباشر مع إسرائيل؟ أم أنها تأتي في إطار استراتيجية “الحرب بالوكالة” عبر حلفاء إيران في المنطقة، وفي مقدمتهم الحوثيين؟
يقول المحلل العسكري العميد الركن ،ياسر صالح المحنقي، في حديث خاص مع “يمن ديلي نيوز” إن إشادة المرشد الإيراني علي خامنئي بالحوثيين تعكس عمق العلاقة الإستراتيجية والأيديولوجية التي تربط الجماعة بالأجندة التوسعية لإيران في المنطقة.
وأوضح أن إيران، بعد تراجع نفوذها وخسارتها لجزء من أذرعها في سوريا ولبنان والعراق، تحاول إعادة إحياء دورها الإقليمي، مشيرًا إلى أن زيارة علي لاريجاني إلى لبنان تأتي في إطار هذه المحاولات التي وصفها بـ”النفخ في الميت”.
وأضاف أن خامنئي تحدث مؤخرًا عن حزب الله ودور إيران في سوريا والعراق، لكن الحوثيين باتوا “الذراع الأكثر جاهزية، ورأس الحربة في مشروع النظام الإيراني”.
تعود من جديد
وتابع المحنقي أن إيران كانت تراهن خلال حرب الاثني عشر يومًا على إمكانية إغلاق مضيق باب المندب ومضيق هرمز، لكنها تراجعت عن هذا القرار في اليوم الأخير من الحرب خشية تصعيد الصراع وإطالة أمد الحرب.
وأردف: اليوم تعود طهران إلى سيناريو إغلاق الممرات البحرية لكن هذه المرة “بعيدًا عن جغرافيتها المباشرة”، مركّزة على باب المندب لاعتبارات متعددة.
وأشار إلى أن هدف إيران من ذلك هو إظهار قدرتها على التأثير في معادلات الأمن والسلم الإقليمي والدولي، وبالتالي تعزيز موقعها على طاولة المفاوضات سواء مع أوروبا أو مع الولايات المتحدة.
وقال: كل هذا يدور في هذا السياق والجماعة الحوثية دائماً مستعدة لتنفيذ هذه التحركات خدمةً للأجندة الإيرانية إضافة إلى أن باب المندب ربما هو الأكثر إيلاماً للمجتمع الدولي ككل، ما يجعل إيران حريصة على إبقاء هذا الكرت بيدها تلوح به وقت ما تشاء في إطار تحديد علاقاتها بالمجتمع الدولي عبر هذا المنفذ تحديداً وعبر وجود الجماعة الحوثية وتمددها في القرن تحديداً.
لا سعى فعلياً
وشدد العميد “المحنقي” في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز” على أن إيران لا تسعى فعليًا إلى وقف الإمدادات عن إسرائيل، بل تستخدم الجماعة الحوثية كورقة ضغط على المجتمع الدولي من خلال التهديد بالملاحة في مضيق باب المندب، دون المساس المباشر بالكيان الإسرائيلي.
وقال: لإسرائيل طرق إمداد متعددة، وشريانها التجاري الأساسي يمر عبر البحر الأبيض المتوسط وعلاقاتها التجارية مع أوروبا والغرب، ما يجعل تأثير باب المندب على اقتصادها محدودًا.
وأضاف بأن أي تصعيد إيراني مباشر يستهدف إسرائيل قد يدفع إلى اندلاع جولة صراع جديدة، وهو ما تحاول طهران تجنبه.
وتابع: إيران لا تمانع في أن يقوم الحوثيون بهذا الدور، باعتبار أن أي رد فعل أو ضربات انتقامية إسرائيلية ستطال الأراضي اليمنية، ولن تُحمِّل طهران تبعات مباشرة، مما يجعلها في موقع المستفيد الأول من هذا التصعيد غير المباشر.
قادمة لامحالة
وواصل المحنقي لـ”يمن ديلي نيوز”: تدرك القيادات الإيرانية جيدًا بأن موجة الصراع قادمة لا محالة، وبالتالي تتحرك على مستوى أذرعها وعلى رأسها الجماعة الحوثية لبعدها الجغرافي، ولذا نجد إيران مستمرة في إمداد الجماعة الحوثية بالقدرات العسكرية الحديثة، آخرها ما شاهدناه في العملية الأخيرة من صواريخ فاتح.
واستدرك: القيادة الإيرانية خرجت بإرادة وقناعة مطلقة بعد حرب الاثني عشر يومًا بأن كل الإمكانيات يجب أن تتوفر لدى الجماعة الحوثية للقيام بدورها في إطار الصراع الإيراني مع المجتمع الدولي أو حتى مع الكيان الإسرائيلي.
وقال: هذا يقودنا إلى أن الجغرافيا اليمنية أيضًا قد تكون ساحة صراع رئيسية للنظام الإيراني مع المجتمع الدولي، وبالتالي تحقق إيران بذلك إبعاد الصراع عن جغرافيتها أو على الأقل تخفيف حدة الصراع والمواجهة داخل الأراضي الإيرانية.
وواصل: حتى الآن لا حلول تفاوضية أكيدة تنهي موضوع الملف النووي وتحد من البرنامج الصاروخي ودور إيران في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة عبر أذرعها ووكلائها.
في إطار خيارين
وأردف العميد “المحنقي”: لذا فإن إيران تلعب في إطار خياري حرب مباشرة وحرب غير مباشرة، لكن هي ترغب في الفرضية الأخير، وهي الحرب الغير المباشرة عبر كلائها، وتأمل بأن تقوم الجماعة الحوثية بجر الحرب إلى الجغرافيا اليمنية واستنفاذ الوقت وإنهاك ايضا قدرات أمريكا وإسرائيل.
وأوضح أن إيران تحاول في هذه المرحلة إعادة ترتيب وضعها الداخلي وبرنامجها النووي، إلى جانب جهودها في تطوير قدراتها العسكرية. وهي تراهن على كسب الوقت خلال السنوات الثلاث المقبلة من أجل إعادة بناء تحالفات جديدة، مستفيدة من التغيرات في المشهد السياسي العالمي، بما قد يقيها من ضربة مباشرة قد تنهي مشروعها النووي وطموحاتها الإقليمية.
وفي هذا الإطار – يقول المحنقي – تفضل إيران الاعتماد على الحروب غير المباشرة باعتبارها أسلوبها الأساسي، وهو ما استثمرت فيه طوال 45 عامًا عبر أذرعها في المنطقة مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن. واليوم تسعى أيضًا إلى توسيع هذا النمط من النفوذ عبر دعم فواعل مسلحة غير دولية في منطقة القرن الأفريقي.
إدراك متأخر
من جانبه يقول الملحق العسكري السابق في سفارة اليمن بواشنطن ،هشام المقدشي، إن إيران هددت مرارًا بإغلاق الممرات البحرية، وعلى رأسها مضيق هرمز، ومارست استفزازات ضد السفن المدنية.
وأضاف لـ”يمن ديلي نيوز”: لكن خطاب خامنئي الأخير يكشف إدراكاً متأخراً بأن ميليشياتها الأقل كلفة، مثل الحوثيين، قدمت لمشروعها الإقليمي خدمات أكبر من حزب الله أو الحشد الشعبي.
وقال: حققت عمليات الحوثيين في البحر الأحمر مكاسب سياسية ومالية غير متوقعة، وساهمت في إبعاد مسرح المواجهة عن الأراضي الإيرانية، وهو ما يخدم سياسة الردع التي تنتهجها طهران.
واستبعد “المقدشي” قدرة الحوثيين وإيران على تعطيل خطوط الإمداد الإسرائيلية بشكل كامل.
وقال: قدرة الحوثيين وإيران على تعطيل خطوط الامداد تبدو ضعيفة؛ فهناك قيود سياسية وأمنية واقتصادية على المستويين الإقليمي والعالمي تمنع حدوث ذلك، فالعالم بات مترابطًا، وأي توتر في البحر الأحمر يمكن أن يؤثر على حياة مواطنين في دول بعيدة مثل سنغافورة أو الدنمارك.
واستدرك: لذلك، تظل عمليات الحوثيين مصدر إزعاج لإسرائيل، لكنها لا ترقى إلى مستوى التهديد الوجودي.
وأردف: على العكس، فإن التصعيد الإيراني والرسائل الصادرة من طهران يدفعان إسرائيل نحو تعزيز حضورها في جنوب الجزيرة العربية، وفي الوقت نفسه، تسعى إيران لالتقاط أنفاسها بعد حرب الأيام الاثني عشر.
وواصل: أما إسرائيل والولايات المتحدة فتشعران أنهما حققتا هدفًا استراتيجيًا بتعطيل أو تأجيل البرنامج النووي الإيراني لعدة سنوات، وإذا ما عاود النظام الإيراني تطوير قدراته فسنشهد في المستقبل تدخلًا أمريكيًا مباشرًا جديدًا لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية.
أدوات غير مباشرة
بناء على ماسبق تكشف تصريحات المرشد الإيراني ،علي خامنئي، الأخيرة بوضوح اعتماد طهران على أدوات غير مباشرة لتحقيق أهدافها الإقليمية، مع إبقاء الصراع بعيدًا عن أراضيها المباشرة.
كما يُنظر إلى الحوثيين كذراع رئيسية في استراتيجية إيران، لكن يظل تأثيرهم المباشر على خطوط الإمداد الإسرائيلية محدودًا، ما يعكس نهج إيران القائم على الضغط السياسي والعسكري بالوكالة، مع مراعاة تجنّب مواجهة مفتوحة قد تؤدي إلى تصعيد شامل في المنطقة.
مرتبط
الوسوم
المرشد الإيراني
دعم الحوثيين إيران
علي خامنئي
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news