بشرى العامري:
لا يختلف اثنان حول الأزمة المالية التي تعيشها بلادنا اليوم، والتي تعود أسبابها المباشرة إلى تبعات الحرب وتمرد ميليشيات الحوثي. كما أن تراجع الإيرادات العامة أمر مفهوم ومعروف. لكن ما يستحق الوقوف عنده بجدية هو وضع وزارة الخارجية، والأزمة المالية الخانقة التي تعصف بدبلوماسيينا وسفاراتنا حول العالم.
نعم، هناك جهود إدارية وسياسية لإعادة الحياة إلى ديوان الوزارة في عدن، وانتظام العمل يسير بشكل أفضل،ونجح وزير الخارجية شائع الزنداني بترسيخ عودة كل طاقم الوزارة إلى عدن.
غير أن الحقيقة القاسية تبقى ماثلة في أن معظم سفارات بلادنا باتت اليوم في حالة معاناة كاملة.
فبين أكثر من (53) بعثة دبلوماسية، لا تتجاوز البعثات القادرة على الصمود أمام الضائقة اليومية أصابع اليد الواحدة.
فمنذ مايو 2024 وحتى أغسطس 2025، أي (15) شهراً، لم يتسلم الدبلوماسيون رواتبهم حتى اللحظة، ومستحقات التأمين الصحي والبدلات ومخصصات تعليم أبناء الدبلوماسيين متوقفة ايضا منذ ثماني سنوات،.
ورواتب الموظفين المحليين ( هم من جنسيات الدول التي فيها السفارات والبعثات وعادة موظفين في مواقع إدارية كسكرتارية اوسائقين وفراشين وغيرها) متوقفة منذ نوفمبر 2024، ولنا أن نتخيل كيف يمكن تسيير العمل والموظفين المحليين دون مرتبات وحقوق، وتفاقمت مشاكل المطالبات التي وصل بعضها إلى القضاء.
وكذلك الميزانيات التشغيلية الأساسية (كهرباء – ماء – اتصالات) مقطوعة منذ بداية 2025.
ولنا أن نتخيل حال الدبلوماسي وأسرته في الخارج، كيف يواجهون ضغوط الإيجار والمعيشة والتعليم والعلاج بلا موارد ولا تأمين.
مخاطر الإضعاف المتعمد أو العفوي
من المؤسف أن هناك من يطرح، بوعي أو بغير وعي، تساؤلات عدمية حول “فائدة السفارات”، أو يذهب حد المطالبة بإغلاقها!
هذا الطرح طرح عدمي ناتج عن قصور الوعي بخطورة الموقف ولا يخدم سوى مشروع تفتيت اليمن، وهو طرح يتوافق مع أجندة الميليشيات التي تسعى إلى إسقاط الدولة ومؤسساتها.
فالواجهة الأكثر تماسكاً لبقاء الجمهورية اليمنية في الخارج هي السلك الدبلوماسي، وبفقدانه سنخسر آخر قلاع حضورنا القانوني والسياسي في العالم.
الدبلوماسية.. آخر خطوط الدفاع
في تجارب الشعوب التي مرت بحروب وانقسامات،
كما أن الحفاظ على السلك الدبلوماسي مسألة وجودية للدولة، حيث يمكن تقليص الوزارات إلى عشر فقط، ويمكن دمج مؤسسات وهيئات عامة عديدة.
لكن لا يمكن لليمن أن يُغلق أبوابه في الخارج. حتى بعثة صغيرة أو قنصلية يمثلها موظف واحد، تعني بقاء اسم اليمن وحضوره، وخدمة مواطنيه في أصقاع الأرض.
ما المطلوب؟
الخارجية تعاني بصمت كل هذا الوقت، إدراكاً من كوادرها أن رفع الصوت خارج الأطر الرسمية قد يُساء توظيفه ضد الوطن كله، لا ضد المؤسسة وحدها. لكن الصمت وقد بلغ حده صار تهديداً وجودياً للمؤسسة نفسها.
ببساطة لا بد من تحرك عاجل وسريع، وإدراج ملف الدبلوماسيين وأوضاع السفارات في مقدمة أولويات القيادة والحكومة.
لتدارس التحديات ووضع حلول عملية قابلة للتنفيذ، وإعادة النظر في أوضاع البعثات الدبلوماسية حول العالم.
فالكثير من هذه البعثات اتخم سابقا بعدد كبير من الموظفين،يجري تقليصه الآن ،وبالملحقيات غير الضرورية ، ما أثقل كاهل المؤسسة دون أن يضيف قيمة حقيقية لعملها.
وتصحيح هذا الوضع بات ضرورة وطنية، عبر استمرار تقليص عدد الممثلين والكوادر الزائدة، والإبقاء فقط على الحد المطلوب لقيام البعثة بمهامها الأساسية بكفاءة.
وإنهاء الملحقيات.
وفي المقابل، فإن الانتظام في صرف مرتبات ومستحقات الدبلوماسيين والموظفين المحليين، وتوفير الموازنات التشغيلية الأساسية، يمثل شرطاً أساسياً لتمكين هذه البعثات من مواصلة عملها وتمثيل اليمن بشكل لائق أمام العالم، بدلاً من أن تتحول إلى هياكل مشلولة فاقدة للقدرة على أداء رسالتها.
وأخيرا إن إنقاذ وزارة الخارجية ليس ترفاً ولا مطلباً فئوياً، بل هو ضرورة وطنية لحماية آخر ما تبقى من حضور الدولة اليمنية في الخارج.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news