اليمن حاضر في كل حسابات الخطر؛ غائب عن الشاشات.
ما يحدث هناك لا يبقى هناك.
ممرات التجارة تتأثر، ميزان القوى الإقليمية يعيد ترتيب نفسه، والفراغ السياسي يملؤه من يملك السلاح والرسالة الأشد صخبا.
لهذا كله، ليس فهم اليمن ترفا محليا، بل ضرورة أمنية واقتصادية وإنسانية تمتد من عدن، ولا تتوقف عند المتوسط.
في هذا الحوار، من برنامج “The Diplomat” يتحدث الزميل جو خولي مع النائب السابق للمندوب الدائم لليمن لدى الأمم المتحدة، السفير مروان علي نعمان، وهو أيضا الباحث في المركز الأميركي للدراسات اليمنية في واشنطن.
يضع السفير نعمان النقاط على حروف الأزمة المينية، من الحوثيين إلى الغياب العربي، ومن التسويات المؤجلة إلى لعبة الصمت الدولي.
هذا نص الحوار:
سعادة السفير، لنبدأ الحديث عن اليمن، البلد. اليمن يعاني من حروب لم يبدأها، واتفاقات سلام لم يُدعَ إليها. وخلف العناوين أو في غيابها، القصة مستمرة. ما الذي يجهله العالم حتى الآن عن تفاصيل اليمن السياسية والقبلية والمشهدية؟
ـ لا بد من توضيح من هم الحوثيون ومن أي منطلق ينطلقون. الحوثيون جماعة أيديولوجية تؤمن أن لها حقًا دينيًا في حكم العالم الإسلامي، لا اليمن وحده. يضعون مكة والمدينة والقدس ضمن أفق خطابهم، ويعتبرون بقاءهم في حالة صراع وسيلة لتحقيق هدف أكبر. من هذا المنطلق نفهم سلوكهم في الداخل اليمني وفي الإقليم.
– المحور الأول في حديثنا هو التقارب الإيراني السعودي. سمعنا كثيرًا أن المصالحة بين إيران والسعودية ستنهي الحرب في اليمن، لكن مع استمرار الهجمات والغارات، هل كان هذا التقارب أكثر من مجرد صورة دبلوماسية؟
– في 2021 ساد التفاؤل بأن التقارب سيقود إلى تهدئة في اليمن. لكن خلال محادثات بغداد وحتى توقيع التفاهمات في بكين، ضُبطت أربع إلى خمس شحنات أسلحة إيرانية متجهة إلى الحوثيين. هذا يؤشر إلى استمرار تدفق الصواريخ والطائرات المسيّرة رغم أجواء المصالحة. الرسالة واضحة: المسار الدبلوماسي لم يوقف مسار التسليح.
– البعض يقول إن إيران أضعف اليوم، وأن حزب الله تراجع، لكن الحوثيين لم يختفوا بل زادت جرأتهم. هل هم اليوم أقل جرأة أم أقل اعتمادًا على إيران؟
– مع خسارة إيران لبعض أذرعها، يرى الحوثيون أنفسهم القوة الأكثر تماسكًا بين وكلاء طهران. يقدمون أنفسهم كقوة تتحدى الولايات المتحدة وإسرائيل وتدعم غزة. ما بعد 7 أكتوبر 2023 منحهم فرصة لتصعيد محسوب يعوّض الضغوط الداخلية في مناطق سيطرتهم، من توقف الرواتب إلى اتساع الجبايات. الاعتماد مستمر، لكن هامش المبادرة عندهم اتسع.
– بناء على تجربتك في المشهد الإقليمي، إلى أي مدى يخدم التقارب الحالي مصالح اليمن، أم أنه يخدم مصالح النفط والصورة الإقليمية أكثر؟
– أي تقارب بين دول المنطقة مفيد للجميع، واليمن ضمن ذلك. لكن نظرة الحوثيين تتجاوز اليمن. الهجمات على الملاحة الدولية تقول إن حساباتهم مرتبطة بميزان ردع أوسع لا بملف الرواتب أو الخدمات.
– لنتحدث عن حرب اليمن التي لا تُرى. غيابها عن الشاشات، هل يعني أنها انتهت؟ ما الذي يجب أن يراه العالم اليوم؟
– الحرب صارت طويلة بما يكفي لتتحول إلى خلفية. تنافست معها أزمات أفغانستان وأوكرانيا والسودان وغزة على اهتمام العالم. النتيجة تدهور إنساني أعمق مع نقص التمويل وتراجع المساعدات. عندما يغيب الضوء، تتسع المأساة بصمت.
– من المستفيد من رسم المشهد اليمني بلون واحد هو اللون الحوثي؟
– الخاسر هو الشعب اليمني. المستفيد المباشر الحوثيون الذين عززوا سلطتهم، وعلى المستوى الإقليمي إيران، التي كثّفت دعمها لهم بعد تراجع أذرع أخرى. تبسيط الصورة يمنح الطرف الأكثر تنظيمًا أفضلية لا يستحقها المجتمع.
– لماذا نسمع عن عودة أسماء مثل أحمد علي عبد الله صالح وطارق صالح؟ وهل يخدم ذلك اليمن أم يفاقم الخلافات؟
– أي اصطفاف يمني واسع ضد مشروع الحوثي يخدم المصلحة الوطنية. طارق صالح عضو في مجلس القيادة الرئاسي وقواته ضبطت الشحنة الأخيرة من الأسلحة. أحمد علي قيادي في المؤتمر الشعبي العام ويقيم في الإمارات. حضور هذه الأسماء يعكس بحث المعسكر المناهض للحوثيين عن شخصية قادرة على تعبئة القواعد القديمة مع أدوات جديدة.
– تنتشر عناوين عن “عودة” علي عبد الله صالح أو أحمد علي. هل هذا يثير الخوف من النظام السابق؟
– لا تبدو هناك إمكانية لعودة النظام السابق بصورته القديمة. الحوثيون مع ذلك يضغطون في صنعاء على قيادات المؤتمر لإضعاف أي بديل سياسي يمكن أن ينافسهم داخل المجال الذي يسيطرون عليه.
– هل هناك تخوف من أن يشبه المشهد اليمني ما جرى في السودان أو مصر؟
– المسار مختلف. قوى سياسية تحالفت سابقًا مع الحوثيين عادت لتتجمع ضد مشروعهم. الانقسام هنا ليس بين جيشين بقدر ما هو بين مشروع دولة ومشروع سلاح يتجاوز الدولة.
– هل الصمت الدولي يعني قبولًا بانقسام اليمن كأمر واقع؟
– لا يوجد انقسام رسمي، لكن سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة بما فيها صنعاء دفعت كثيرين للتعامل معهم كحقيقة سياسية. هذا أتاح لهم حركة أوسع خارجيًا، وأضعف قدرة الحكومة الشرعية على مخاطبة العالم بلسان واحد.
– يبدو أن الموقف الأميركي تغيّر أيضا. كيف ترى ذلك؟
– إدارة ترامب صنّفت الحوثيين منظمة إرهابية. إدارة بايدن ألغت التصنيف أملاً في دفعهم إلى السلام. النتيجة لم تواكب الرهان، لأن القراءة لطبيعة الجماعة كانت قاصرة. من دون أدوات ضغط متسقة، تميل الكلفة إلى المدنيين لا إلى صانع القرار في صنعاء.
– هل يمكن القول إن اليمن أصبح عبئًا أمنيًا على الخليج؟
– الحوثي عبء أمني وسياسي على اليمن ودول الخليج معًا. الصواريخ والمسيّرات لا تعترف بالحدود، والاقتصاد يتأثر قبل السياسة.
– هل الموقف الخليجي الحالي إدارة صراع أم الانسحاب بصمت؟
– هو محاولة وساطة لإنهاء الصراع، لأن استمرار النار يهدد الداخل الخليجي كما يهدد اليمن. نرى إدارة مخاطرة أكثر من انسحاب، لكن نجاحها يحتاج إلى وحدة يمنية وغطاء دولي جاد.
– الوضع الاقتصادي المتدهور، هل هو جزء من النقاشات السياسية اليوم؟
– بالتأكيد. منذ 2022 وبعد استهداف الحوثيين لمحطات النفط، خسرت الحكومة الشرعية مليارات الدولارات. انعكس ذلك على الرواتب والخدمات، وخلق بيئة خصبة للابتزاز السياسي والاقتصادي.
– وأنت في الولايات المتحدة، ما الذي تطلبه من الإدارة الأميركية المقبلة بشأن اليمن؟
إعادة تركيز جاد على الملف اليمني. دعم الحكومة الشرعية وتقوية المؤسسات المحلية، مقرونًا بمساعدات إنسانية لا تُستخدم غطاءً سياسيًا. تجاهل اليمن يوسّع فراغًا تمتلئ به المغامرات، ويهدد أمنًا إقليميًا يتصل مباشرة بسلاسل الإمداد وأسعار الطاقة.
فهم اليمن يبدأ بالاعتراف بأنه ساحة مشروعين لا مجرد نزاع محلي. عندما يُسمع صوت الدولة والقانون بوضوح، تنكمش مساحة الرصاصة. وحتى يحدث ذلك، سيبقى البحر أكثر صراحة من نشرات الأخبار.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news