في مشهد يعكس هشاشة التراث اليمني في ظل الإهمال والظروف الطبيعية، تسببت الأمطار الغزيرة التي شهدتها مديرية صعفان بمحافظة صنعاء خلال الأيام الماضية في انهيار جزء كبير من حصن الشرقية التاريخي، أحد أهم معالم قرية المنصبة – أدروب وأكثرها رمزية في العمارة اليمنية القديمة.
يُعرف حصن الشرقية بأنه البوابة الرئيسية لحصون بني قاسم الخمسة، التي تشمل: حصن الشرقية، حصن الغربية، حصن العليا، حصن الواسطية، والحصن الصغير. وتمثل هذه الحصون نموذجًا متكاملًا لفن العمارة الدفاعية والمعيشية في اليمن، إذ بُنيت بطوابق عالية متقاربة تحاكي طبيعة الجبال وتتماهى مع تضاريسها، ولا يمكن النفاذ إليها إلا عبر بوابة "باب العقد" التي لحقت بها أضرار بالغة نتيجة الانهيار الأخير.
اللافت أن هذه الحصون لم تكن مجرد قلاع عسكرية، بل مراكز حضرية مصغّرة، احتوت على مسجد، وبرك مياه لتجميع الأمطار، ومدافن ومخازن للحبوب، ومستودعات للبن، ومقاشر خاصة به، إلى جانب دواوين ومجالس واسعة (المفارج والسوابط)، وغرف معيشية متعددة الاستخدامات (الرُصوص)، وحضائر للدواب في الطوابق السفلية. وهو ما يعكس فلسفة العمارة اليمنية التي جمعت بين الجمال والوظيفة، وبين الدفاع والمعيشة اليومية.
يرى باحثون أن انهيار حصن الشرقية يُعد ضربة موجعة لذاكرة المكان، إذ إن هذه الحصون تمثل جزءًا أصيلًا من تاريخ اليمن السياسي والاجتماعي، كونها ارتبطت بأسرة بني قاسم التي لعبت دورًا بارزًا في فترات تاريخية مختلفة. ويؤكد المختصون أن غياب مشاريع الترميم والصيانة أسهم في تعجيل الكارثة، في وقت تشهد فيه البلاد فقدانًا تدريجيًا لعدد من أهم معالمها التاريخية.
ويحذر خبراء التراث من أن استمرار الإهمال سيقود إلى اندثار هذه الشواهد الحضارية، داعين الجهات المعنية والمنظمات الدولية إلى التدخل العاجل لإنقاذ ما تبقى من حصون بني قاسم وغيرها من المعالم التاريخية، باعتبارها إرثًا إنسانيًا يتجاوز قيمته المحلية ليشكل جزءًا من الهوية الثقافية العالمية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news