شطر من بيت .. شعر بات حكمة
قبل 19 دقيقة
إحدى وظائف الشعر تصدير حكم وأمثال يتداولها الناس جيلاً بعد جيل لتصبح من الموروث الشعبي، وتفيد في التذكير بصوابية الفعل أو النهي عنه. ولكن هناك أشطار من أبيات شعرية ربما رسخت في الوجدان والخيال الجمعي، باتت حكماً منفصلة، وللكثرة تداولها بين الناس ظنوا أنها مقولات متداولة، متجاهلين أنها في الأصل عجز من بيت شعري قاله شاعر يومًا ما في قصيدة لا يتذكرها أحد غير المتخصصين في اللغة العربية وآدابها
.
خذ مثلاً على ذلك:
(كاد المريب أن يقول خذوني)
حتى إنني مرة سألت صديقًا لي يشتغل في التفتيش الجمركي: كيف تمكنت من ضبط هذه الشحنة من المواد الممنوعة ونلت عليها مكافأة؟
فأجابني بسرعة: "كاد المريب أن يقول خذوني".
ومثل ذلك ينجح كثير من ضباط التحقيق الجنائي في كشف جرائم فردية متنوعة.
فالبيت يفسر أن الذي يعمل عملاً سيئاً أو ممنوعاً، ولكثرة شكه في نفسه وخوفه، يكاد أن يفضح نفسه!
ولكن الأصل أن هذا الشطر من بيت شعري مأخوذ من قصيدة جميلة لابن سهل الأندلسي يقول فيها:
ولقد كتمت الحب بين جوانحي،
حتى تكلم في دموع شؤوني،
هيهات لا تخفى أمارات الهوى،
كاد المريب أن يقول خذوني!!
ومثل هذا جاء قول (لِلضَّروراتِ أَحكامٌ)، ويتداولها كل من أجبرته ظروف قاهرة أحيانًا على قبول أو اتخاذ قرار غير مرغوب فيه. والبيت في الأصل ينسب إلى القائد صلاح الدين الأيوبي عندما اضطر لترك القاهرة التي طاب له فيها المقام وغادر إلى الشام مضطرًا:
(وما كانت سِلْمى بديلةً بليلى،
ولكن للضرورات أحكام)*
وفي القصيدة يرد اسمان لأمرأتين: سلمى وليلى، حيث يشير إلى أن الشخص لم يرغب في تفضيل سلمى على ليلى، ولكن للضرورات أحكام!
ولن يغيب عنا مالئ الدنيا وشاغل الناس، أبي الطيب المتنبي، شاعر الحكمة، في قوله المأثور:
(تجري الرياح بما لا تشتهي السفن)
وهو يعبر عن فكرة أن الفرد أحيانًا يخطط لأمر ما، ولكن تأتي ظروف تخالف توقعاته.
ومثل ذلك:
(لقد أسمعت لو ناديت حيًا، ولكن لا حياة لمن تنادي)
لـ عمرو بن ربيعة الزبيدي، واشتهر شطر البيت "لا حياة لمن تنادي"، ويقصد بها أن النصيحة التي تقدمها لن تجد من يسمعها أو يعمل بها.
وهناك غير ذلك الكثير مما تزخر به دواوين الشعر العربي، مثل:
(مصائب قوم عند قوم فوائد!)
كم كان الشعر ديوان العرب ومرآتهم العاكسة، وموثقًا لبلاغتهم وحكمتهم ومشاعرهم وفخرهم وحتى غزلهم العفيف.
*كاتب وأكاديمي من العراق
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news