فوضى المحاكم وإجراءات التقاضي في اليمن

     
المنتصف نت             عدد المشاهدات : 55 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
فوضى المحاكم وإجراءات التقاضي في اليمن

فوضى المحاكم وإجراءات التقاضي في اليمن

قبل 9 دقيقة

في اليمن الحزين، لم تعد فوضى المحاكم وغياب العدالة حالة طارئة أو نتاج لحظة سياسية عابرة، بل هي نتيجة تراكم تاريخي ممتد منذ قرون. فقد ارتبط القضاء اليمني منذ عهد الإمامة بنظام قائم على الولاء العائلي والمذهبي أكثر من ارتباطه بمبادئ العدالة والقانون، ما جعل مؤسسات القضاء رهينة لسلطة النخبة الحاكمة، وفي مقدمتها الهاشمية السياسية التي أحكمت قبضتها على مفاصل القضاء ووزارة العدل، ورسخت شبكة مصالح وولاءات حالت دون أي إصلاح جوهري (عبدالباري طاهر، القضاء اليمني بين الإمامة والجمهورية، 2017؛ اليمن الجمهوري – البردوني

).

النظام الإمامي لم ينظر إلى القضاء كجهاز مستقل، بل كأداة لضمان بقاء النظام الاجتماعي والسياسي القائم على "الحق الإلهي" للحكم، ما أفقد القضاء منذ نشأته مبدأ الحياد المؤسسي. هذا الإرث انعكس لاحقًا على البنية الذهنية للقضاة والإداريين، الذين تعاملوا مع القانون باعتباره أداة طيّعة لخدمة السلطة لا المجتمع، وهو ما استفادت منه لاحقًا الهاشمية السياسية في إعادة إنتاج نفوذها.

بعد قيام النظام الجمهوري عام 1962، سنحت فرصة تاريخية لتأسيس قضاء مستقل، إلا أن الصراعات السياسية والحروب الداخلية، خصوصًا بعد اتفاق المصالحة الوطنية عام 1970، سمحت بعودة رموز من النظام الإمامي والهاشمية السياسية إلى مواقع القرار القضائي. بعض الشهادات التاريخية، ومنها ما نشره مركز الدراسات اليمنية، تشير إلى أن القاضي عبدالرحمن الإرياني – رئيس مجلس القيادة حينها – كان مقتنعًا بعودة القضاة، بمن فيهم من حاربوا الجمهورية، بدعوى أنهم الأقدر على إدارة القضاء. هذه العودة أعادت إنتاج البنية التقليدية للسلطة القضائية تحت مسميات جديدة، وسمحت بتغلغل الفكر الإمامي في مؤسسات الدولة.

هذا التغلغل لم يكن شكليًا، بل ممنهجًا؛ إذ جرى الحفاظ على شبكات النفوذ التقليدية من خلال التعيينات الانتقائية، والإبقاء على بعض التشريعات الغامضة التي تسمح بتفسيرات مذهبية ضيقة. وقد استفادت جماعة الحوثيين من هذا الإرث لاحقًا لتوسيع نفوذها داخل وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى (تقرير مجموعة الأزمات الدولية، 2021).

ومع اجتياح الحوثيين لصنعاء في سبتمبر 2014، دخل القضاء اليمني مرحلة أكثر خطورة؛ إذ عمدت الجماعة إلى إحلال عناصر موالية لها في المناصب القضائية العليا، وإقصاء القضاة المستقلين أو إجبارهم على الولاء. لم يقتصر الأمر على تغيير الأشخاص، بل شمل أيضًا إعادة صياغة اللوائح والإجراءات الداخلية للمحاكم بما يضمن إخضاع أي عملية تقاضٍ أو إصدار حكم لرقابة مباشرة من القيادات الميدانية والسياسية للجماعة. وقد وثّق فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة (تقرير مجلس الأمن، 2023) انتهاكات ممنهجة شملت محاكمات صورية، ومصادرة ممتلكات المعارضين، وإصدار أحكام إعدام في غياب ضمانات المحاكمة العادلة.

الأخطر أن هذه السيطرة ليست معزولة عن المشروع الإيراني الإقليمي؛ فالقضاء في اليمن أصبح أداة استراتيجية ضمن منظومة النفوذ الإيراني، على غرار ما فعله حزب الله في لبنان. وفي الحالة اليمنية، جرى استيراد بعض التجارب الإيرانية بشكل مباشر، مثل المحاكم الثورية التي تمنح "شرعية" شكلية لمصادرة الأموال أو إصدار أحكام الإعدام بحق الخصوم، بما يحوّل القضاء من مؤسسة وطنية إلى ذراع سياسية لحركة أيديولوجية عابرة للحدود (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 2022).

هذا التراكم التاريخي والسياسي أدى إلى فقدان ثقة المواطنين في المحاكم، وانتشار الرشوة والمحسوبية، وتعطيل القضايا لسنوات، حتى صارت العدالة سلعة تُشترى وليست حقًا مكفولًا للجميع. ونتيجة لذلك، لجأ كثيرون إلى "العدالة البديلة" عبر التحكيم القبلي أو المسلح، وهو وضع يشبه ما شهدته مناطق النزاع في لبنان والسودان (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019).

كما أن جمع الحوثيين للسلطات الثلاث – التشريعية والقضائية والتنفيذية – في يد عبدالملك الحوثي يتعارض تمامًا مع مبدأ الفصل بين السلطات، ويجعل القضاء أداة طيّعة للسلطة الانقلابية.

غياب القضاء المستقل لا يضر فقط بحقوق الأفراد، بل يفتح الباب أمام الفوضى السياسية، ويضعف الدولة، ويجعلها رهينة لقوى غير منتخبة. النتيجة الاقتصادية كارثية: بيئة طاردة للاستثمار، انهيار الأمن، وهروب رأس المال الوطني والأجنبي خوفًا من الابتزاز والمحاكمات المسيسة. وهذه الظاهرة ليست حكرًا على اليمن، بل تكررت في سوريا وليبيا (تقرير هيومن رايتس ووتش، 2020).

الخاتمة والتوصيات

كسر هذه الحلقة المفرغة يتطلب إعادة بناء السلطة القضائية من جذورها، عبر:

1. إصلاح تشريعي عاجل لإلغاء القوانين الغامضة أو ذات الطابع المذهبي.

2. إنشاء هيئة رقابية مستقلة لمتابعة أداء القضاة والمحاكم.

3. تأمين الحماية للقضاة المستقلين بدعم دولي وإقليمي.

4. إعادة هيكلة وزارة العدل وربط التعيينات بمعايير مهنية شفافة.

5. تعزيز دور المجتمع المدني في مراقبة الأداء القضائي وإصدار تقارير دورية.

6. ربط أي دعم دولي للحكومة الشرعية بتحقيق تقدم ملموس في استقلال القضاء.

7. حشد دعم المانحين والمنظمات الدولية لمشروع إعادة تشكيل القضاء كركيزة أساسية لاستعادة الثقة في الدولة.

بدون هذه الخطوات، سيبقى اليمن رهينة لدولة بلا عدل ولا إنصاف، ما يطيل أمد النزاعات ويعمق الانقسامات، ويجعل أي تسوية سياسية هشّة وقابلة للانهيار عند أول اختبار.

*أكاديمي ومحلل سياسي يمني


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

انقلاب في سوق الصرف... الريال اليمني ينتفض ويهزم المضاربين!

اليمن السعيد | 944 قراءة 

ابنة التربوي المختطف صادق العباب توجه رسالة مؤثرة لوالدها خلف قضبان الحوثيين

حشد نت | 714 قراءة 

عاجل: انتشار مسلحين على التلال وتعزيزات عسكرية (صور)

كريتر سكاي | 702 قراءة 

الحوثيون ينشرون صورة مسيئة لـ " أحمد علي عبدالله صالح " ( صورة)

اليوم برس | 617 قراءة 

القبض على حوثي يردد الصرخة الخمينية في عدن

المنتصف نت | 568 قراءة 

حقيقة فيديو "الشباب والبنات" الذي أشعل مواقع التواصل في اليمن

نيوز لاين | 512 قراءة 

حضرموت: انشقاقات في صفوف التمرد القبلي بالهضبة وسط مهلة لتنفيذ الأوامر القضائية

العاصفة نيوز | 456 قراءة 

زيارة بن بريك للدولة العميقة في الأردن: ملفات مالية يمنية

سما نيوز | 337 قراءة 

الأرصاد: أمطار رعدية متوقعة على مناطق متفرقة وطقس شديد الحرارة بالسواحل والصحارى

حشد نت | 333 قراءة 

تحديث: أسعار صرف الدولار والريال السعودي مقابل الريال اليمني

شمسان بوست | 302 قراءة