أحمد علي عبد الله صالح: ابن الأرض وابن المعركة
قبل 1 دقيقة
في بلادٍ عصيّةٍ على الانكسار، خُلِق رجالٌ نُسِجوا من ترابها، وتكوّنت ملامحهم من صلابتها، وكان أحمد علي عبد الله صالح واحدًا من أولئك الذين خرجوا من رحم اليمن، لا كاسمٍ في دفتر السياسة، بل كظلٍّ يمشي مع المعركة، ويعانق الأرض بندى الجباه. والايماؤ و الألقاب وحدها لا تكفي لتمنح صاحبها المجد، ولا تصنع الوراثة قادةً ما لم يختبرهم الميدان والمواقف الوطنية
.
هو نجل الرئيس الشهيد الزعيم / علي عبد الله صالح، لكنه لم يكن مجرد امتدادٍ لاسمٍ كبير، بل كان طيفًا خاصًا، تشكّلت ملامحه في زوايا الوطن، حيث الرصيف والجندي والقصيدة والحرب. نشأ في قلب اليمن، وتفتّحت عيناه على تضاريسٍ لا تُروى في الكتب، بل تُعاش: جبالٌ شامخة، وقبائلُ ذات بأس، ووطنٌ تتنازعه الأيدي ويتوق إلى السلام.
شبَّ أحمد علي عبدالله صالح محاطًا بزئير السياسة وهمس البنادق، فكان نصيبه أن يُصقل باكرًا، لا بالترف، بل بالمسؤولية، ولا بالمنابر، بل بمواقع القيادة التي لا ترحم المترددين. وبينما يتكئ بعض أبناء القادة على إرث آبائهم، قرّر أحمد علي أن يمشي حافيَ الطموح في طريقٍ مفخخٍ بالتحديات
وحين تسلّل الحريق إلى أطراف الدولة، لم يكن في الظل، بل في صدارة الحريق. قاد الحرس الجمهوري، لا كمجرّد ابن رئيس، بل كميدانٍ اختاره، وكضابطٍ تمرّس على فنّ القيادة، وفهم من الجندية أن الشرف لا يُمنَح، بل يُنتزع. كان صوته عسكريًّا حاسمًا، لكن قلبه يضجّ بقلق الوطن، ونظرته تتجاوز الميدان إلى المصير. فكان رجل الميدان قبل أن يكون رجل الدولة. شديد الصمت، دقيق الخطى، لا يُكثر من الظهور، لكنّ حضوره كان كافيًا ليعيد التوازن في لحظات الاختلال.
لم تكن قيادته للحرس مجرد رتبة، بل كانت مدرسةً في الانضباط والقوة، عُرف عنها التماسك حين تخلخلت البُنى، والصمود حين سقطت كثيرٌ من الدعائم. ورغم ما واجهه من تحديات ومؤامرات، بقي حضور أحمد علي وثيقًا بالذاكرة الوطنية، كضابطٍ لا يساوم على شرف الموقف، صار اسمه يُتلى في المجالس، ويُكتَب على الجدران المضمّخة بالحنين إلى وطنٍ يُراد له أن يتشظى.
وحين كانت الدولة تُنهكها العواصف، وكان خصوم الداخل يتكاثرون، حافظ على تماسك القوة التي يقودها، لا بشعاراتٍ فضفاضة، بل بانضباطٍ عسكري صارم، ووعيٍ بأن الدولة لا تُحمى إلا بقبضةٍ منضبطة وولاءٍ لا يتجزأ.
سقطت الدولة، وتبعثرت ملامحها، وتحوّل المشهد إلى فوضى يتزاحم فيها الطامحون والناقمون، لكنّ اسم أحمد علي عبدالله صالح لم يسقط. بقي حاضرًا كإمكانيةٍ متجددة، تفتش عنها الذاكرة حين تشتدّ العتمة، وحين يحتاج الوطن إلى من يشبهه، لا من يستثمر في ضعفه.
ينتظر كثيرون عودته، لا كقائدٍ عسكري فحسب، بل كحامل إرثٍ وتطلّع، وكنقطة التقاء بين ما كان، وما يمكن أن يكون.
إن عاد، فلن يعود كنسخةٍ من أحد، بل كضرورةٍ وطنية مُلحة في لحظةٍ شحت ثوابتها الوطنية وانعدم الولاء لثرى اليمن. وإن وقف، فسيقف على أرضٍ يعرف تضاريسها، ويقرأ وجوهها، ويستشرف ما تبقى من واقع متشظى مشتت مذبوح.
الخاتمة : حين تكون الأرض والقتال من طينٍ واحد
ليس من السهل أن تكون "ابن الأرض"، ولا يكفي أن تقف في المعركة لتُلقّب بـ"ابنها"، لكن أحمد علي عبد الله صالح حمل الاسمين، وعاش ما يليق بهما.
في عينيه، تتقاطع صور السهل والجبل، وفي قلبه خريطة اليمن بكل تعقيدها، وفي صمته وجعٌ لا ينطقه إلا من عرف طعم الخسارة وضرورة الأمل.
إنه ابن الأرض التي أنجبته، وابن المعركة التي لم تنتهِ بعد.
هو ابن الأرض، لا لأنه وُلد عليها، بل لأنه حملها على كتفيه في أحلك اللحظات. وهو ابن المعركة، لا لأنّه خاضها، بل لأنّها علّمته كيف يُعاد بناء ما تكسّر، بدم بارد، وعين لا تبرح الأفق.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news