الحملة الإعلامية المستمرة لتوطين الصناعات اليمنية ليست دعايةً لمنتج محلي فحسب، بل هي إيقاظ لضمير أمة منتجاتها كانت قديما عابرات للحدود جابت العالم بأصالتها ومميزاتها الفريدة.. قبل أن يجف آخر وعاء من طين اليمن.
أخر جملة في سطور المقدمة تمثل منطلقا للكتابة هنا عن الصناعات الفخارية في اليمن فالفخار اليمني ليس وعاءً من تراب، بل هو وعاء يحمل روح الحضارة. توطينه ليس خياراً اقتصادياً فحسب، بل استعادة لكبرياء أمة.
تمثل الصناعات الفخارية في اليمن ذاكرة شعب محفورة بالطين، وقلباً نابضاً يواجه خطر التوقف. في إطار الحملة الإعلامية لتوطين الصناعات اليمنية، يبرز الفخار كرمز للهوية ومجال حيوي للتنمية الاقتصادية.
يعود تاريخ الفخار اليمني إلى 2600 عام قبل الميلاد، وفقاً للاكتشافات الأثرية في المرتفعات الوسطى، وهو يُعد أحد أقدم الحرف الإنسانية في المنطقة.
ولعل تنوع المنتجات الخزفية والفخارية انتجت تنوعا جغرافيا، إذ اشتهرت تهامة (حيس، زبيد، الجراحي) بالأواني المزخرفة بألوان زاهية مثل “الحَيَاسي”، فيما تنتج حضرموت (شبام، تريم) “التنور” لطهي المندي و”المباخر” العطرية وفي المرتفعات والمناطق الوسطى (صنعاء، تعز) تصنع “الزير” و”الكوز” لتبريد المياه وفي عدن ظل سوق الحرف منتعشا إلى عهد قريب.
وتتمثل التحديات التي تهدد عدد من الحرف الوطنية بالانقراض؛ المنافسة الأجنبية، حيث غزو الأواني البلاستيكية الصينية الرخيصة، ما أدى إلى انخفاض الطلب على المنتج المحلي بنسبة 70% خلال العقد الماضي، وكذا تداعيات الحرب وارتفاع تكلفة المواد الخام بنسبة 200% مع صعوبة النقل.
ولعل أهم التحديات تمثلت في ضعف البنية الرقمية، في عدم توفر منصات تسويق إلكترونية فاعلة، رغم إمكانات السوق الكبيرة، ومحدودية استخدام الدفع الإلكتروني بسبب هيمنة الاقتصاد النقدي (نسبة 92% من المعاملات نقدية).
ان تشجيع مثل هذه الصناعات والحرف اليدوية وإنشاء مراكز إبداعية بهذا الصدد سيعزز من عودتها.
ينصح خبراء بتوفير أدوات حديثة لتحسين الجودة مع الحفاظ على الطابع التقليدي وتطوير منتجات جديدة مثل تحف الزينة المستوحاة من الآثار اليمنية.
وبأتي دعم التسويق الرقمي في واجهة المتطلبات الملحة، إنشاء منصة إلكترونية وطنية للصناعات التراثية، فالاستفادة من دراسة “التجارة الإلكترونية في اليمن” التي تشير إلى قدرة المنصات الإلكترونية على تخطي الحواجز الجغرافية كما تبرز أهمية الشراكات الاستراتيجية مع منظمات الدعم، وكذا إعتماد قروض حرفية بفائدة صفرية خاصة للشباب الراغبين في دخول المهنة.
وكذا مبادرات إطلاق مشاريع تجمع بين التصميم الحديث والزخارف التقليدية، وتعتمد على التمويل التشاركي عبر الإنترنت.
وفي ظل استراتيجيات التوطين يأتي أهمية المحور الإعلامي في بناء الوعي والهوية على سبيل المثال من خلال إنتاج أفلام وثائقية توثق مراحل الصناعة يدوياً، مع تسليط الضوء على فوائد الفخار الصحية (خلوّه من السموم مقارنة بالبلاستيك).
استخدام منصات التواصل الاجتماعي لنشر قصص الحرفيين المسنين في المحافظات والبلدات اليمنية، ودمج التعليم التقليدي (على أيدي الحرفيين القدامى) مع دورات في التسويق الرقمي.
الفخار اليمني إرث ترابي ينبض بالحياة جذوره ضاربة في عمق التاريخ.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news