رحلة في ذاكرة الجواز اليمني أيام علي عبدالله صالح

     
المنتصف نت             عدد المشاهدات : 172 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
رحلة في ذاكرة الجواز اليمني أيام علي عبدالله صالح

رحلة في ذاكرة الجواز اليمني أيام علي عبدالله صالح

قبل 22 دقيقة

في أواخر التسعينات، وتحديدًا عندما كنت أعمل في صحيفة "الجمهورية"، تم تكليفي بتغطية فعاليات "مهرجان بابل الدولي" في بغداد، الذي كان يُقام آنذاك رغم الحصار القاسي المفروض على العراق. ولم يكن الوصول إلى بغداد ممكنًا مباشرة، فكان علينا أن نعبر أولًا عبر المملكة الأردنية الهاشمية.

بدأت الرحلة من مطار الملكة علياء، وهناك، وبين أروقة الساحة الهاشمية، تعرفت على زميلين صحفيين، أحدهما كان الصحفي المخضرم "سيد علي" من ادارة التحقيلت بصحيفة "جمهورية مصر العربية". تقاربنا سريعًا، وجمعنا الحديث عن الإعلام والسياسة وأحوال الأمة، ثم اقترح أحد الزميلين أن أؤدي دورًا إيجابيًا بحكم العلاقات الجيدة بين اليمن والعراق، في الترتيب لاستضافة الإعلاميين المصريين بما يليق بهم. وافقت، وانطلقت بنا السيارة إلى بغداد.

عند وصولنا بغداد، التقيت بوكيل وزارة الإعلام العراقية وشرحت له الفكرة. فرحّب بحرارة، وتحدث عن المحبة التي يكنها الشعب العراقي للشعب المصري، بعيدًا عن تعقيدات السياسة. ومضت أيام المهرجان العشر سريعًا، لكنها كانت مليئة بالمعاني الإنسانية وروح التضامن بين الشعوب.

وعند مغادرتنا، أبدى "سيد علي" امتنانه للموقف اليمني، واقترح أن يُرد الجميل بمنحي تسهيلات كبيرة في المعابر الأردنية ( معبر الكرامة ) عند العودة، مستفيدًا من التقارب السياسي بين القاهرة وعمّان. فكرة بدت لوهلة ممكنة التنفيذ، خاصة في عالم الصحافة، حيث تسهيلات السفر تتأرجح بين السياسة والدبلوماسية.

وصلنا إلى معبر "طريبيل" على الحدود العراقية الأردنية، وسُلّمت الجوازات للضابط المختص. كانت المفاجأة أن الضابط ختم على جوازي اليمني دون سؤال، ثم أشار إليّ بأن أتابع طريقي. أما الزميلان المصريان، فقد طُلب منهما دفع جمارك على الجواكت الجلدية، وتأمين صحي تم فرضه مؤخرًا بين الأردن ومصر. كان ذلك مدهشًا لهم أكثر مما كان لي. فالرهان كان على مكانة الجواز المصري، ولكن الجواز اليمني يومها كان يمرّ دون عوائق.

قال لي "سيد علي" وهو يبتسم بمرارة:

"يبدو أن الجواز اليمني في عهد رئيسكم أقوى من جوازنا يا زميلي!"

قضينا ليلة في الأردن، ثم اتفقنا على التوجّه إلى سوريا، لعمق العلاقات بين الشعبين السوري والمصري. وعند الوصول إلى معبر "جابر" الأردني، كرر الزميل المصري لفتة الكرم وأخذ الجوازات الثلاثة وسلّمها معًا للضابط الأردني. وكانت النتيجة كما السابقة: ختم على جوازي اليمني مباشرة، وأُذِن لي بالعبور دون تأخير، بينما بدأ النقاش المعتاد مع الزميلين المصريين، حتى خُتم لهما لاحقًا بالمغادرة.

في الجانب السوري، عند "معبر نصيب"، كررت المشهد. أُخذت الجوازات، ثم سُلِّم لي الجواز اليمني سريعًا مع ختم الدخول، وتقدير لا تخطئه العين من ضابط الجوازات السوري. أما الزميلان المصريان، فاستُوقِفا لنصف ساعة من التحقيق والتفتيش والتدقيق في دوافع الزيارة، وانتهى بهما الأمر بتوصية بزيارة وزارة الإعلام فور وصولهما إلى دمشق.

في دمشق، بعد هذا المسار الطويل من الحفاوة والاحترام الذي رافق جوازي اليمني، استوقفني "سيد علي" فجأة وسألني:

"أريد أن أرى جوازك، ما الذي كتب فيه الرئيس علي عبدالله صالح حتى تُفتح لك المعابر هكذا من بغداد إلى دمشق مرورا بالاردن؟!"

ناولته الجواز. قلبه بين يديه، قرأ المعلومات، ثم قال متأملًا:

"لم يكتب شيئًا سحريًا، لكنه فعل شيئًا لا يُمحى: أعطى لليمني هيبة، وجعل للجواز اليمني احترامًا في العواصم العربية."

في لحظتها، أدركت كم من المعاني تختبئ بين حبر الختم وسطور الجواز، وكم من قوة ناعمة يمكن أن يحملها مواطن بسيط حين يكون وطنه محترمًا بين الأمم.

لم يكن ذلك بفضل دبلوماسية ناعمة أو علاقات عامة فحسب، بل لأن اليمن يومها، في عهد الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح، رحمه الله، كان يُنظر إليه كبلد مستقل وفاعل، يتحدث من موقع السيادة، لا التبعية.

ذلك الزمن الذي كان فيه الجواز اليمني جوازًا يُمرّره الحراس باحترام، ويبتسم له الضباط، وتُفتح له الأبواب من دون وساطات أو تسهيلات.

اليوم، بعد كل هذه السنوات، لا أملك إلا أن أتساءل:

هل تعود لليمني هيبته؟

 وهل يعود للجواز اليمني ذلك الوهج الذي كان ذات يوم يجوب به المواطن العربي الأرض العربية مرفوع الرأس؟

لعل الجواب لا تحمله الذاكرة فقط، بل تحمله قرارات تصنع الفارق… من جديد.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

نجاة “بن حبريش” وحقيقة “أبو علي الحضرمي” وعلاقة إسرائيل.. خفايا وكواليس غزو حضرموت يرويها القيادي في حلف قبائل حضرموت “بن مخاشن”

بران برس | 1278 قراءة 

ظهور مثير لعيدروس الزبيدي وضع صورتها على الشعار الجمهوري

المشهد اليمني | 1133 قراءة 

تعليق الرحلات الجوية من مطار عدن ابتداءً من اليوم… تفاصيل القرار

نيوز لاين | 999 قراءة 

خبر صادم جدا للرأي العام من حضرموت

مراقبون برس | 864 قراءة 

شاهد صورة الجندي الذي قتل قبل قليل

كريتر سكاي | 776 قراءة 

مسؤول إماراتي يهدد بدعم الحوثيين لحكم اليمن كاملاً إذا لم يقبل اليمنيون بدولتين ”شمال وجنوب”

المشهد اليمني | 758 قراءة 

ما السر وراء البيان الجديد لمجلس الأمن حول اليمن؟

شمسان بوست | 730 قراءة 

السعودية تفرض الإقامة الجبرية على رئيس حكومة عدن سالم بن بريك

موقع الجنوب اليمني | 707 قراءة 

فيديو| من مواليد إثيوبيا عمل خادمًا في منزل “البيض” ثم اعتنق الأثنى عشرية.. من هو “أبو علي الحضرمي”؟

بران برس | 700 قراءة 

السعودية تكشف لأول مرة عن الجهة التي عطلت تحرير العاصمة صنعاء.. أوراق الزبيدي وأطماعه على الطاولة

مأرب برس | 600 قراءة