من صنعاء إلى الخلود .. سيرة قائد لم ينحنِ

     
المنتصف نت             عدد المشاهدات : 252 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
من صنعاء إلى الخلود .. سيرة قائد لم ينحنِ

من صنعاء إلى الخلود .. سيرة قائد لم ينحنِ

قبل 21 دقيقة

في قلب اليمن حيث تتشابك حكايات الأرض بالسماء، وتتشكل ملامح الوطن من تضاريس الجبال وأصوات البسطاء، نهض رجل من رماد الحروب وأحلام الفقراء، اسمه علي عبدالله صالح، لم يكن مجرد رئيس عبر بوابة التاريخ، بل كان لحظة فارقة في الزمن اليمني، تجسدت فيها الدولة، وتحركت فيها الجغرافيا على وقع إرادته

.

صالح ذلك الرجل الذي خرج من رحم الجبال، وشق طريقه إلى القمة بإرادة لا تلين، سار في درب محفوف بالنار والخيانات، لكنه ظل واقفاً صلباً كالحديد، حكيماً كالتاريخ، شجاعاً كجندي يعرف أن الأرض لا تُمنح للضعفاء.

في اللحظة التي استدار فيها الزمن على نفسه، وانكشفت وجوه التاريخ المزيفة، وارتبك المعنى في فم الجغرافيا، كان هناك رجل لا يزال يحمل ملامح الدولة على كتفيه، كأنها عباءة من نار، لا يلبسها إلا من ذاق مرارة البناء وعرف كم يكلفك أن تكون وطناً يمشي على قدمين.

كان بمقدوره أن ينجو أو أن يفاوض، أن يلتحق بقطار الانحناء، لكنه صالح العنيد، صالح البطل الشجاع، اختار أن يكون آخر من يطفئ المصباح، وأن يواجه خفافيش العتمة بقبضة المجد والرجولة، في عينيه آنذاك لم يكن الموت خصماً له، بل رفيقاً تأخر موعده.

في الفيلم الوثائقي، لم يظهر مدين علي عبدالله صالح كراوي لحدث، ولا مجرد شاهد على معركة، بل جزءًا حيًا من الحكاية التي لم تنتهِ بعد، كان حضوره امتداداً لصوت لم يخفت، ولظل ما زال يحمي الفكرة في زمن السقوط العام، لم تكن كلماته كباقي الحضور، بقدر ما كانت طلقات باردة تنطلق من فم الوجع، ومن عين شربت كثيراً من صبر الرجال.

كان واقفاً ليقاتل على طريقته من خلف الكاميرا، بدأ وكأنه يطعن النسيان في خاصرته، ويستخرج من بين الركام صورة أبيه لا لتأبينه، إنما لاستدعائه من جديد إلى ساحة المعركة، كل التفاتة منه كانت تحمل وقع الموقف، وكل صمت بين جملتين كان كأنين بندقية تنتظر أمر الإطلاق.

ملامحه كانت تحمل  الكبرياء، وترفض الانهيار، كان ناصباً جبينه في مواجهة كاميرا  بنظرات لا تختلف كثيراً عن فوهات البنادق التي واجهت والده، بدا وكأن دم الزعيم يسري فيه، لا كإرث بيولوجي، إنما كعقيدة ووصية وعهد. ابن الزعيم لم يتحدث من خلف جدران الرثاء، بل من خندق الذاكرة المقاومة التي خلدت اسم والده كأحد أشرس الأبطال المقاتلين.

وقف مدين أمام الكاميرا، كأنما يقف على منبر من نار، يواجهها لا ليُظهر نفسه، بل ليحمل سيرة رجل آمن أن الجمهورية فكرة لا تموت، وأن للكرامة ثمناً لا يُنسى، وأن الدم قد يروي الأرض، لكنه لا يُذلها.

لم يقاتل الشهيد صالح بجيش جرار، بل بعقيدة لا تلين، وبروح لا تخون ذاكرة الأرض، قاتل بصوت يصدح وسط الخراب، لن نركع، لن نستسلم، لم تكن كلمات بيان، بقدر ما كانت صرخة الرئيس الأخير، صادرة عن رجل يعرف أن الهزيمة ليست حين يقتلك العدو، بل حين تنكسر أمامه.

لم يطلب الرئيس علي عبدالله صالح النصر بمعناه التقليدي، فقد كان يعرف أن النصر في زمن الانهيار هو أن تموت واقفاً، فرحل منتصباً الرأس والصوت والذكرى، وحتى الطلقات التي اخترقت جسده، واجهها بلا وجل أو خوف.

في معركته الأخيرة، لم تكن البنادق المتقابلة سوى استعارات لمعركة أعمق، معركة بين الجمهورية والكهف، بين فكرة الوطن ومزاعم الحق الإلهي، بين زمن بناه صالح، وآخر تهدمه السلالة.

وهناك في ملحمة بطولية، امتددت من الثنية حتى أطراف سنحان، بقي صالح وحدهُ، يصوغ نهاية تليق بمسيرة كاملة، لم يبحث عن مجد شخصي، بقدر ما كان يصون ذاكرة أمة، كل رصاصة استقرت في صدره، كانت ترتد صرخة في وجه الطغيان، وكل قطرة دم سقطت، كانت ترسم خارطة لوطن لا يُهزم بالفكرة، مهما انكسر بالجغرافيا.

استُشهد صالح نعم وهنا بيت الفخر والاعتزاز، ليس في ميدان مجهول، بل في عاصمة صنعها بيديه، وسط تراب يعرفه، وعلى أرض احتضنته طويلاً، لم يكن مقتله اغتيالاً لحاكم، بل إعداماً علنياً لمرحلة كانت آخر ما تبقى من جمهورية ما قبل السقوط الشامل.

ومع ذلك لم تنتهِ الحكاية، فهناك في قلب كل يمني ما زالت صورته تقاوم المحو، وصوته يتسلل من بين ركام الصمت ويقول: سنقاتلهم في كل شارع، وفي كل زقاق، كأنها تعويذة لصلاة الفتح الكبير.

علي عبدالله صالح لم يكن آخر الرؤساء، بل كان آخر الرجال، رجل حين انسحب العالم، تقدم، وحين انحنى الجميع، انتصب ووقف، وحين ساوم الآخرون، واجه وقاتل، وحين كتب التاريخ سطر النهاية، كتبه صالح بدمه وببارود بندقيته.

ختاماً:

مقولة  قالها لي يوماً أحد الجنود، ما دام صالح قاتل حتى آخر لحظة، فنحن لا نخاف، لم تكن تلك جملة عابرة، بل ميثاق ولاء لجيل تربى على اسمه، وسيظل في كل مقاتل شجاع شيئاً منه، وفي كل موقف عز ورفض الركوع.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

“برّان برس” يسلط الضوء على مسيرة تلاحم اليمنيين للتحرر من الاستبداد والاستعمار وصولًا للوحدة الوطنية

بران برس | 998 قراءة 

أمير غالب: انتصرنا بالصدق والنزاهة ومحبة الناس رغم كل المؤامرات

حشد نت | 800 قراءة 

الريال اليمني يواصل التراجع في مناطق الشرعية.. أسعار الصرف في عدن اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025

يني يمن | 713 قراءة 

عاجل.. الرئيس يعود إلى العاصمة عدن على متن طائرة سعودية خاصة ويدلي بتصريح فور وصوله

مأرب برس | 678 قراءة 

انشقاق قائد عسكري كبير من الحو ثي بصنعاء وانضمامه الى الشرعية

كريتر سكاي | 665 قراءة 

ترامب يعلن بدء المرحلة الثانية لاتفاق غزة بعد تبادل الرهائن

حشد نت | 611 قراءة 

تفاصيل مثيرة عن استقالة قائد عسكري كبير

كريتر سكاي | 569 قراءة 

مصدر: أركان حرب المنطقة العسكرية الثانية يصل عدن برفقة رئيس مجلس القيادة وسط توقعات بتعيينه في منصب رفيع

عدن تايم | 550 قراءة 

طعنة غادرة وموجعة تنهي أحلام ” الانتقالي” بدولة جنوبية مستقلة

المشهد اليمني | 540 قراءة 

تحليل أمريكي يكشف المصدر الرئيسي للصراع داخل المجلس الرئاسي

يني يمن | 415 قراءة