غياب طارق وسر التوقيت.. تساؤلات وتباينات لليمنيين في جدل “مستمر” حول وثائقي “المعركة الأخيرة للرئيس صالح” (رصد)

     
بران برس             عدد المشاهدات : 282 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
غياب طارق وسر التوقيت.. تساؤلات وتباينات لليمنيين في جدل “مستمر” حول وثائقي “المعركة الأخيرة للرئيس صالح” (رصد)

روايتان عن مقتل صالح

بران برس - وحدة الرصد:

أثار فيلم وثائقي، بثته قناة "العربية" السعودية، مساء السبت 26 يوليو/ تموز، جدلاً مستمراً في أوساط اليمنيين، تناول المعركة الأخيرة للرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح، قبل مقتله على يد مسلحي جماعة الحوثي المصنفة دوليا في قوائم الإرهاب، في الـ 4 ديسمبر/ كانون الأول 2017.

فيلم "المعركة الأخيرة"، الذي وصلت مشاهداته بعد ساعات إلى أكثر من 300 ألف مشاهدة في موقع "العربية" على يوتيوب فقط، كشف المكان الذي قتل فيه الرئيس الأسبق علي صالح، وكيف كانت لحظاته الأخيرة، مستنداً على شهادات ممن شهدوا تلك اللحظات، منهم نجله "مدين"، وآخرين من أفراد حراسته الشخصية.

الفيلم الذي غفل ذكر "طارق"، نجل شقيق الرئيس صالح، تطرّق بالتفصيل إلى تحالف صالح مع زعيم الحوثيين، حتى انتهاء ذلك التحالف، وبدأت مرحلة أخيرة قصيرة شابها الخذلان من كثير من مقربيه منهم ضباط وقبليين، يتهمهم البعض أن منهم من سلّم الرئيس الأسبق، رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام لمطارديه من الحوثيين.

"برّان برس" رصد عدداً من التناولات والتحليلات للفيلم، لسياسيين وكتاب وصحفيين يمنيين عبر منصة "فيسبوك"، حيث انحصر تعليق البعض منهم على جريمة الاغتيال، والتحالف قصير الأمد مع الحوثيين، بينما رأى البعض في الفيلم وتوقيت عرضه، دلالات سياسية، لها صلة بما يعتمل اليوم في المشهد اليمني.

ذاكرة الخيانة 

البداية مع "معمر الإرياني" وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها، الذي أشار إلى أن فيلم "العربية" الوثائقي عن صالح، تذكير بـ"جريمة مرّوعة، وشهادة حيّة ودامغة على مشروعية المشروع الحوثي.

واعتبر "الإرياني" في تدوينة له، الفيلم "كشفاً صريحاً لحقيقة جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب، الذي قال إنه "لا عهد لها ولا ميثاق، ولا تملك من القيم شيئاً، سوى الغدر والخيانة والانقلاب على كل ما هو وطني".

أمرٌ آخر، برهن فيلم المعركة الأخيرة أن الجماعة، ليست قوية كما تصور، لكنها نجحت -بحسب الإرياني- في التسلل من بين شقوق الصف الجمهوري، واستثمرت تباينات القوى الوطنية، واستغلت هشاشة الموقف، وتشتت الأولويات، حتى وصلت إلى كل بيت يمني".

ووفقاً لما كشفه الفيلم، يرى الوزير الإرياني أن الحوثي "لم ينتصر بقوته بل بفرقة الأطراف المواجهة له"، وقال: "لا يمكن لأي طرف، مهما بلغ حجمه، أن يستعيد اليمن منفرداً، فالنصر لن يكون حليف فئة دون أخرى، بل سيكون ثمرة إدراكنا أن اليمن يتسع للجميع، وأن وحدة الصف الوطني هي السلاح الأقوى والأمضى في مواجهة هذا المشروع الكهنوتي الدخيل".

وتابع بالقول: "في هذه اللحظة الفاصلة من تاريخنا، لم يعد هناك متسع لتصيد أخطاء بعضنا، أو اجترار الخلافات، فجميعنا عرضة للخطأ" لافتاً إلى أن صالح في لحظة الحقيقة، اختار الوقوف في صف الجمهورية، وأنه انحاز للشعب وللكرامة، وواجه غدر الحوثي بشجاعة نادرة، لم يهرب ولم يساوم، بل سقط مقاتلاً في الميدان، فربح شرف الموقف، وختم حياته واقفاً، لا منكسراً".

وأشار  إلى أن الفيلم أيقظ في الجميع "ذاكرة الخيانة والغدر الحوثي، لكنه أيضاً أعاد بث روح المقاومة، فما زال فينا من الكرامة والعزيمة ما يكفي لاستعادة الدولة، متى ما توحدنا حول مشروع وطني جامع، لا يقصي أحداً ولا يبني على أنقاض أحد".

الوزير "الإرياني" أضاف أن "المعركة مع الحوثي ليست فقط عسكرية، بل هي معركة وعي، وذاكرة، وهوية، والوثائقي أضاء لنا لحظة مفصلية في تاريخنا الحديث، لحظة تستوجب التوقف والتأمل، لنفهم أن لا نصر بدون مصالحة وطنية، ولا مستقبل إن ظللنا أسرى للماضي وخلافاته".

وختم تدوينته بدعوة اليمنيين، لتكن رسالة الوثائق "دعوة مفتوحة" للاتحاد والارتقاء على الجراح"، وقال مخاطباً اليمنيين: "تعالوا على الخلافات، وامضوا نحو معركة استرداد الجمهورية، يدا بيد، قلبا واحدا، وراية واحدة".

التاريخ يعيد نفسه

الصحفي "علي الفقيه" مدير تحرير موقع "المصدر أونلاين"، علّق على وثائقي العربية، من زاوية تتعلق بتدوين التاريخ، وقال: "الخوض في التاريخ من الصعب أن يأتي على هيئة ريبورتاج دعائي يلبي رغبات الجمهور.. مع أو ضد".

وأضاف: "سيكون لصالحنا جميعاً أن نبحث في تفاصيل التاريخ، كما حدث فعلاً لا كما نريد أن نراه، فتدوين التاريخ كما هو دون تزويغ أو تزوير هو الشرط الأساسي للاستفادة منه وعدم تكرار الأخطاء ذاتها".

وأشار إلى أن مقولة "التاريخ يعيد نفسه" صحيحة، لكننا في اليمن حالة خاصة، فنحن ندور في ذات الحلقة المفرغة منذ قرون، لأن كل جيل يأتي ليخوض التجربة من الصفر ويعتقد أنه أشطر من اللي سبقوه، ثم يصل في الغالب إلى نفس النتائج إن لم تكن أشد منها بشاعة. وظلت الإمامة كل مرة تتسلل من هذا الوهم".

ووفق الفقيه، "فإلى جانب شحة التوثيق والعمل على تدوين الأحداث بأمانة علمية من قبل باحثين ومراكز أبحاث، يموت السياسيون والفاعلون في الشأن العام في بلادنا دون أن يدونوا تجربتهم أو يتم استنطاقهم حول أحداث تاريخية شاركوا فيها".

وتابع بالقول: "وإن كتب بعضهم شيئاً فإن عقلية اليمني تسعى لأن يكون ما كتبه هي شهادة له ويتعمد تغييب كثير من الحقائق حتى لا يخدش الصورة التي أراد تخليدها لنفسه، أو حتى لا يغضب آخرين ممن شاركوه ذات المرحلة".

وأردف متسائلاً: "هل تعني ماذا أن يرحل رجال ساهموا في رسم ملامح اليمن خلال النصف الثاني من القرن العشرين، أمثال عبدالكريم الإرياني أو عبدالعزيز عبدالغني أو عبدالقادر با جمال دون أن يدونوا مذكراتهم؟! وآخرون كثيرون مصممون على أن يبتعلوا تجربتهم في بطونهم ويرحلون بها معهم، رغم أنها باتت حقاً للأجيال وليست حقاً شخصياً لهم". 

وقال إنه "ضداً على ما يحدث اليوم من ردح و"مناجمات" على خلفية الفيلم الذي يوثق لمقتل علي عبدالله صالح، علينا أن نتعامل مع البرامج والأفلام الوثائقية كجزء من التوثيق لمرحلة معينة، وإن كان يشوبها قصور فيفترض أن تكون سلسلة في حلقة من الأعمال التي توثق للصراعات التي شهدتها العقود الماضية، متخففة من حسابات من ستخدم في هذه اللحظة ومن سترضي ومن ستغضب؟".

وخلُص الصحفي الفقيه إلى أن "هذه الأعمال على علاتها يجب أن تفتح الباب لنقاش واسع وتحفز آخرين لتدوين شهاداتهم على هذه المرحلة حتى لا تطمس ويضطر آخرون لإعادتها بكل تفاصيلها".

 وأضاف: "الفيلم برسالته الإجمالية يقول هذا المصير المحتوم لكل من يتحالف مع الإمامة مهما تماشى معها أو قدم لها من خدمات، وأن بقاءها مهما غيرت أقنعتها ولافتاتها سيظل مصدر خطر متجدد على كل اليمن وكل اليمنيين دون أن تفرق بينهم حسب توجهاتهم السياسية أو معتقداتهم أو مناطقهم الجغرافية".

قرار الوقت الضائع

وزير الثقافة الأسبق "خالد الرويشان"، علّق عن الفيلم بالقول: "لكنه قاتل بشجاعة حتى النهاية! أخطأ خطأً فادحاً في تحالفه مع الحوثيين، لكنه قاتلهم بشجاعة في لحظته الأخيرة"، مضيفاً "أعداؤه يعترفون بذلك قبل أصدقائه".

وأشار "الرويشان" إلى أن "قرار الخروج الذي اتخذه "صالح" من بيته المحاصر إلى قبيلته، قرارٌ شجاع ومغامرة شديدة الجرأة، لكنه قرارٌ في الوقت الضائع وبعد فوات الأوان"، حدّ قوله.

ويرى أن "المعركة نفسها اندلعت بعد فوات الأوان، فقد جاءت بعد تبديد وتشريد وإنهاء معظم الجيش أفراداً وعتاداً خلال ثلاث سنوات، وبضربٍ على مدار الساعة بصواريخ التحالف الحارقة تارةً وتحت سيطرة الحوثي وعلى يديه تارةً أخرى".

ولفت إلى أن "علي عبدالله صالح أخطأ استراتيجياً بتحالفه مع الحوثي، وأخطأ استراتيجيا مرةً ثانية في توقيت معركته مع الحوثي بعد فوات الأوان، لكنه كان داهية التكتيك ومغامر المشي على حد السيف".

وعما يعرف بمعركة 2 ديسمبر، قال "الرويشان" إنها "كانت بلا إعداد وبلا تخطيط حتى أن الحرس المقاتلين حول بيته، وفي البنايات المجاورة عانوا من انعدام الذخيرة والطعام، لكنهم قاتلوا بشجاعة فائقة".

وأضاف منتقدا بعض ما جاء في الفيلم "ولا يليق بأحد متكلمي وثائقي العربية الليلة أن يقول أن المقاتلين تركوا القتال وغادروا، لافتاً إلى أن |الحلقة ضعيفة جداً موضوعياً وفنياً عدا دقائقها الأخيرة".

وقال: "قناة العربية لم تأبه لأهمية وحجم وتأثير ونتائج الحدث ولا لحجم الجمهور المنتظر ولا حتى لأهمية وجود أحد أبناء علي عبدالله صالح لأول مرة كشاهد ومشارك في واقعة النهاية التاريخية، حلقة مسلوقة درجة التفاهة".

إقرار بالأخطاء 

"أسعد عمر"، وهو السياسي والقيادي في الحزب الاشتراكي اليمني، يشدد على عدم ضرورة التوقف عند "طريقة النهاية للرئيس الأسبق صالح"، ويقول: "إن الادعى هو الوقوف على الأسباب التي أدت إلى هيمنة الحركة الحوثية و سيطرتها.

كما دعا "عمر" في تدوينته إلى الإقرار بالأخطاء من كل المكونات المواجهة للحوثيين، وأضاف قائلاً: "لا بد من مغادرة المناكفات و لغة الشماتة، التي تبقي على انقسام مكونات الشرعية".

وأشار إلى ضرورة "إجراء المراجعات اللازمة لإنجاح عمل الشرعية و طرق مواجهة الحركة الحوثية، بوجهة واحدة تنهي الانقلاب وتستعيد الدولة وتضع حدا لوجود الحركة الحوثية وتمدد الخطر الإيراني في اليمن و الإقليم".

أين كان طارق؟

من جانب آخر، كتب الصحفي اليمني المقيم في تركيا، "فهد سلطان" معلقاً: "الهستيريا لدى بعض العفافيش، تفجرت عقب الفيلم، الذي أنتجته قناة العربية وظهور مدين صالح (مطوع) وتصريحاته المثيرة في توقيت حساس".

وذكر "سلطان" أن تصريحات نجل صالح "مدين" في الفيلم حملت 3 رسائل، الأولى، تتعلق بسلاح الدولة الثقيل - كما ورد في نص تصريحه - الذي قتل به صالح وحسم عبره المعركة، وهي إشارة في غاية الأهمية.

وأضاف أن الرسالة الثانية، تكمن في "طلب صالح من مقربيه المغادرة لأنه هو المطلوب، وهنا لم يبقَ معه أثناء اشتداد المعركة وفي اللحظات الأخيرة سوى صلاح ومدين"، متسائلاً: "أين كان طارق؟".

ووفق "سلطان" فإن الرسالة الثالثة من تصريحات "مدين" هي "رواية مقتل صالح أثناء مغادرته إلى سنحان، التي تضرب سردية مقتله داخل منزله في قلب صنعاء، والتي استمرت في الترويج، لا سيما في إعلام طارق، وهذه السردية تحمل تبعات كبيرة أيضًا".

وخلص أن الفيلم "يكشف حقيقة دور طارق عفاش واتهامه بشكل غير مباشر بالتواطؤ، وهذا ما أغضب "عفافيش" طارق، حد تعبيره، مضيفاًُ: "لكنه بالطبع لا يستطيع توجيه كلمة واحدة ضد السعودية وقناتها، فلجأ إلى شتم الإصلاح، فهو السور القصير الذي يمكن تخطيه وركوبه".

تحالف المنتقم

رئيس الهيئة العامة للكتاب "يحيى الثلايا"، كتب معلقاً عن الفيلم: "لا فرق أن يكون مكان مقتل علي عبدالله صالح هو منزله في الثنية أم في طريق قرية الجحشي، ولا يفرق الأمر شيئاً، إن كانت وجهة خروجه من منزل الثنية هي منزله الآخر في قرية حصن عفاش أم نحو مارب".

وأضاف: "لقد قرر رحمه الله مواجهتهم وكان متوقعاً الموت بكل تأكيد، بل لو كانوا ساوموه على الأمان والسلامة لشخصه، مقابل تسليم نفسه لكان اختار الموت الذي ناله".

ويرى الثلايا أن صالح تحالف مع الحوثيين "تحالف المنتقم بلا مشروع، ولما اختلفوا تقاتلوا، فقتلوه في حالة حرب ومواجهة، هذا أمر مفروغ منه"، مستدركاً بالقول: "بل إن حكاية قرية الجحشي هي الرواية الأقرب للدقة من يوم الحادثة، وأتذكر أنني كتبت عن هذه الجزئية في يوم مقتله ذاته".

وعن ما تحدث به نجله "مدين" قال الثلايا إنه "لم يأت بجديد حول مكان مقتل والده"، مؤكداً أن الغريب واللافت في حديث مدين وشهادته الوثائقية عن المشهد الأخير من حياة أبيه هو تجاهله التام ، وعن قصد حسب ظني- لدور ووجود ابن عمه العميد طارق محمد عبدالله صالح وتقديم نفسه أنه كان الحارس الوحيد والوفي الأخير مع أبيه".

وقال: "أفكر لاحقاً بكتابة مقال حول الفيلم والمشهد الأخير من حياة الفندم الزعيم"، وأضاف: "ما يمكن التذكير به، "هو أن الولد الشاب - في إشارة إلى مدين صالح - وشقيقه صلاح أنه بعد وقوعهما في الأسر الذي لم يشر إليه، لم يدم أسرهما طويلاً.

وأردف: "تم الإفراج عنهما لاحقاً في صفقة ودية بينما الأسيران "عفاش طارق محمد عبدالله صالح ومحمد محمد عبدالله صالح" ظلا في الأسر والإخفاء طويلاً، ولم يتم الإفراج عنهما إلا بصفقة تبادل أسرى مشهورة أنجزها العميد طارق".

غياب شهادة طارق

إلى ذلك يرى الصحفي "محمد الشبيري"، أن "فيلم "المعركة الأخيرة" للرئيس الراحل علي عبدالله صالح، يدعم رواية متداولة عن اللحظات الأخيرة في حياة الرجل".

وقال: "هنالك أمران لافتان في الفيلم، أحدهما غياب شهادة "طارق صالح" قائد الحرس الخاص، الذي لازم عمه كظلّه طيلة حياته؛ والأمر الآخر هو أن "صالح" كان في انكشاف تام من حلفائه. 

وأضاف "لقد خسر "الفندم" نتيجة عناده حلفاءه المحليين (قبائل وعسكر ومدنيين)، وبطبيعة الحال حلفائه الإقليميين والدوليين، الذين غازلهم في آخر خطاب، لكن الوقت قد مضى".

وطبقاً للشبيري، "كتب صالح نهايته، حين وضع يده بيد الحوثي طيلة ثلاث سنوات، على اعتبار أنها سنوات التحالف الفعلي، وما سبقها كان تكتيكاً ولعب بالأوراق".

ومضى بالقول: "على أية حال، راح الفرقاء -كعادتهم- يتراشقون هنا وهناك، تاركين الجماعة المسلحة التي قتلت آلاف اليمنيين ومنهم صالح ورفاقه، وهذه لوحدها تقدم خدمة مجانية للعدو الذي يفترض به أن يكون مشتركاً عند الجميع، وأن يُكتب شرف نهايته على أيدي الجميع أيضاً".

موقف "ختامي"

في السياق قال الإعلامي "خالد عليان" إن الفيلم الوثائقي لقناة العربية، "جاء شاهداً حياً على واحدة من أكثر اللحظات دموية وخيانة في التاريخ السياسي اليمني الحديث".

"عليان" أضاف: "شهادة بلسان المقربين وأبرزهم نجل الرئيس (مدين) الذي شاركه اللحظات الأخيرة، وعدد من مرافقيه الشخصيين تكشف بما لا يدع مجالاً للشك، أن الحوثيين لم يكونوا يوماً أهلاً لعهدٍ ولا اتفاق ولا شراكة". 

وأشار إلى أن "الحوثيين خانوا صالح، كما خانوا قبله وبعده كل من وثق بهم"، مضيفاً: "حاصروا الرجل الذي حكم اليمن أكثر من ثلاثة عقود، حين قرر أن ينتفض على شراكتهم المهينة، وهو يراهم يوماً بعد الآخر ينقضون الاتفاقات ويعطلون الدستور، ويتوسعون طائفياً، ويقصون كل حلفائهم من مواقع أعمالهم". 

ويرى "عليان" أن موقف صالح "الختامي" أمام الحوثيين وثباته على الأرض، واختياره الانحياز الى الجمهورية، جعل حتى من حمّلوه تبعات إدخال الحوثي وتسهيل سيطرته على مفاصل الدولة يترحمون عليه، ويكبرون موقفه البطولي في تلك اللحظة، التي ربح فيها الزعيم شرف الشهادة وخلد اسمه في ذاكرة شعبه كأيقونة مقاومة لا كرئيس خرج من السلطة".

وذكر أن "الفيلم رغم أنه لم يأتِ بمعطيات ميدانية جديدة، إلا أنه نجح في إيقاظ الوجدان اليمني وإعادة ضخ الحياة في ذاكرتنا الجمعية"، وقال: "أعاد إلينا لحظة الخيانة الكبرى وشاهدنا عبر اللقطات المستوحاة بالذكاء الاصطناعي، كيف حاصرت المليشيا دار الزعيم من كل الجهات مستخدمة الآليات العسكرية التي استولت عليها من مخازن الدولة، وكيف هددت الحرس والجنود بأطفالهم وأسرهم وبالأموال حتى دفعت بعضهم الى خيانة الموقف".

وطبقاً لعليان، فإن ما حدث من اغتيال للرئيس الأسبق هو مشهد إعدام سياسي مرتب، ومعد بعناية في دهاليز الحرس الثوري الإيراني، مشيراً بأن الجماعة لا تمتلك كل هذا التكتيك العسكري ، ولا يمكنها أن تتقن الاختراقات الأمنية إلا عبر خبراء أجانب ساهموا في تدمير أربع عواصم عربية".

وقال: "إن اغتيال علي عبدالله صالح في ذلك التاريخ هو بالنسبة للحوثيين، اغتيال لصوت الجمهورية وإسقاط آخر القلاع التي كانوا يخشونها"، لافتاً إلى أن الشاهد المستخرج من تفاصيل المعركة الأخيرة له، أن الحوثيين لم يقتلوه لأنه خانهم كما زعم سيدهم، بل قتلوه لأنه تجرأ على قول (لا) لمشروعهم الطائفي الإمامي المعتق، ولأنه امتلك الشجاعة في لحظة فارقة وطالب بالدفاع عن الجمهورية".

وأضاف: "صالح مات بطلاً، لقد قاتل حتى آخر رصاصة ورفض الهروب رغم عروض الوساطة وعلى رأسها كما أشار الفيلم، وساطة عمانية، كان بإمكانه النجاة، لكنه اختار أن يختم حياته في ساحة الشرف لا في صالات المغادرة".

وتابع بالقول: "لا شك أن الرئيس صالح أخطأ في سنوات حكمه الطويلة، وأخطأ أكثر حين سلم الحوثيين مفاتيح صنعاء، لكنه في لحظة المواجهة الأخيرة غسل كثيراً من تلك الأخطاء بدمه".

وأشار إلى أن "الفيلم كان أكثر من قصة وثائقية، لقد كان وثيقة اتهام كبرى ضد جماعة لا تملك أدنى مقومات الدولة ولا تحمل أي مشروع وطني، جماعة تعرف كيف تقتل، كيف تغدر، كيف تخنق أنفاس اليمنيين، لكنها لا تعرف كيف تحكم ولا كيف تبني".

لماذا الآن؟

الفيلم، وجد تعليقاً من الصحفي اليمني في شبكة الجزيرة "أحمد الشلفي"، الذي كتب "قال مدين نجل علي عبدالله صالح، ولأول مرة، إن والده لم يُقتل في منزله بحي الثنية في صنعاء، كما ظل يُشاع لثماني سنوات، بل بعد خروجه من العاصمة أثناء محاولته الوصول إلى قريته “حصن عفاش” في سنحان، حيث قُتل في قرية الجحشي الواقعة على الطريق".

ووفق الشلفي، تتناقض هذه الرواية تمامًا مع الخطاب الذي تبناه أنصار صالح منذ لحظة مقتله في 4 ديسمبر 2017، مضيفاً "وكان السؤال لثمان سنوات هل قُتل صالح وهو يقاتل كما قيل، أم وهو يحاول الفرار؟".

ويرى أن الرواية السابقة لم تكن مجرد تفاصيل عن موقع الوفاة، بل كانت جوهرية في إعادة إنتاج صورة الزعيم الجمهوري، الذي قاوم حتى الرمق الأخير، مشيراً إلى أن هذه الرواية، قد تحولت إلى “أسطورة سياسية” استخدمها حزب المؤتمر الشعبي لتضميد جراح السقوط، وإعادة بناء سردية تتحدى الحوثيين وتستدعي ولاء القواعد الشعبية".

وأضاف: "اليوم، تبدو هذه الصورة مهزوزة، فالرواية الجديدة، ترسم مشهداً مغايراً: زعيم يغادر منزله في لحظة انهيار، يحاول بلوغ قريته، فيُرصد ويُقتل.

 وبين صورة المقاتل في شوارع صنعاء، وصورة الهارب على الطريق، تبدو القصة مختلفة".

وقال: "هناك رواية أخرى أنه كان غادر في انتظار  طائرة لأخذه خارج العاصمة صنعاء أو خارج البلاد، لكن الحقيقة ليست في التفاصيل وحدها، بل في التوقيت، لماذا يخرج أحد أبنائه بهذا التصريح الآن؟ ولماذا صمتت العائلة طيلة هذه السنوات؟".

وأضاف: "في كل الأحوال من الجيد أن تكشف القصة الحقيقية لمقتل صالح وأن تقال الرواية  التاريخية الحقيقية، لكن ما لفت نظري اليوم ما قاله مدين صالح إنه وصلاح شقيقه من بقيا من العائلة للقتال مع صالح والسؤال أين كان طارق أو إذا أردتم، لماذا لم يذكر طارق؟".

معركة عائلية

في اتجاه آخر يذهب الصحفي "عبدالباسط الشاجع"، إلى أنه لا جديد في فيلم "العربية" عن مقتل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، وقال: "ما فهمته من خفايا الفيلم، أنه أعطى إشارات عن وجود معركة باردة بين أولاد علي صالح وأولاد محمد عبدالله صالح".

"الشاجع" توقع أن هناك "صراعاً خفياً على السرديات، وتنافساً محموماً على احتكار رواية المعركة الأخيرة للزعيم، وسباقاً للتفرد بالإرث السياسي لصالح".

وأضاف: "لكن في النهاية، كل هذا التوتر ينعكس على شكل شتائم وهجوم غريب على شماعة "الإخوان"، مش عارف بصراحة: إيش دخل الإخوان في الموضوع".

رسائل مشفرة

في الأخير رأى الصحفي "ياسين العقلاني" في "فيلم "المعركة الأخيرة" لعلي عبدالله صالح، رسائل سعودية مشفّرة في التوقيت والمضمون، لافتاً إلى أنه لم يأت بجديد في مضامينه أو سردياته.

وذكر أن الفيلم أعاد تقديم وقائع باتت معلومة لدى الشارع اليمني والمتابعين للشأن السياسي، لكن توقيت بثه والمضامين الانتقائية التي تضمنها تكشف عن رسائل مبطّنة ودلالات سياسية لافتة، يُرجح أنها تعكس تحوّلاً في المزاج السياسي السعودي تجاه المعادلة اليمنية، وربما ترتبط بتوجّه جديد في ملف إعادة تشكيل السلطة أو صناعة البديل القادم.

من تلك الرسائل وفق "العقلاني" "تهيئة ذهنية لتصعيد شخصية عسكرية مغمورة"، لافتاً إلى أن الفيلم "يشير بوضوح إلى أن علي عبدالله صالح كان ضابطًا من الصف الثالث بلا خلفية سياسية، وتم الدفع به إلى سدة الحكم في ظرف استثنائي. 

وقال: "هذا التوصيف، وإن بدا تاريخياً، إلا أنه يُقرأ اليوم كـ إشارة إلى إمكانية تكرار ذات السيناريو، أي تهيئة الأرضية لتصعيد شخصية عسكرية غير معروفة نسبيًا إلى منصب الرئاسة، بعيدًا عن الطبقة السياسية الحالية المتناحرة أو القيادات التقليدية المحترقة شعبيًا".

ولفت أن الفيلم، كذلك تضمن نشبيهاً مقصوداً بين اضطرابات الماضي والحاضر، مشيراً إلى أن تناوله للاضطرابات التي عاشها اليمن بشقيه الشمالي والجنوبي في فترة ما قبل تولي صالح السلطة، مقارنة غير مباشرة مع الانقسام والصراع القائم اليوم بين القوى المحلية والفصائل المسلحة. 

وأوضح "أن هذا الربط الزمني يُوحي برغبة ضمنية في إنتاج سيناريو "الخلاص عبر القائد الضرورة"، كما حدث في السبعينات، ما يعيدنا إلى فرضية تدوير شخصيات عسكرية كحل مؤقت لإعادة تماسك الدولة".

وذكر الصحفي العقلاني أن الفيلم "اتهم صالح بدعم تأسيس الحوثية لاستهداف حلفاء السعودية" لافتاً إلى ما تحدث عنه الفيلم عن فترة تأسيس جماعة الحوثي تحت اسم "حركة الشباب المؤمن"، موضحًا أنها نشأت بدعم غير مباشر من علي عبدالله صالح، بهدف مواجهة الإخوان المسلمين، أي حزب الإصلاح. 

وأشار إلى أن صالح، في تلك الفترة، كان قد بدأ بفتح قنوات تواصل مع إيران، في ما يبدو تلميحًا إلى أن خطواته حينها كانت موجّهة بشكل مباشر لاستهداف النفوذ السعودي، لا سيما أن الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، زعيم الإصلاح حينها، كان يُعد الحليف الأبرز للرياض.

الأمر الرابع الذي ذهب إليه العقلاني، هو "نزع الثقة من طارق وأحمد علي" حيث لم يخف تلميحاته إلى تقلبات علي صالح وتحالفاته المتبدّلة، وهي رسالة قال إنه "يبدو أنها موجّهة إلى من يسير على خطاه، أي طارق صالح وأحمد علي عبدالله صالح". 

وطبقاً للعقلاني فإن "السعودية، عبر هذه الرسائل، تبدو وكأنها تعلن تحفظها عن المراهنة على رموز عائلية قد تعيد إنتاج مرحلة عدم الاتزان السياسي وتكرار الحسابات المتناقضة".

اليمن

الحوثيون

علي عبدالله صالح

طارق صالح

مدين علي عبدالله صالح


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

انكشاف الخلاف الخفي بين أحمد علي وطارق صالح… أسرار لم تُروَ من قبل

نيوز لاين | 658 قراءة 

عاجل:اول فيديو لاقتحام مبنى المحافظة

كريتر سكاي | 529 قراءة 

عبدالوهاب قطران يكشف هوية منفذي تصفية الرئيس علي عبدالله صالح وأين دفن تحديداً

جهينة يمن | 496 قراءة 

أثار فزع السكان...فاجعة مروعة تهز العاصمة صنعاء وهذا حدث في حي حدة

جهينة يمن | 496 قراءة 

وصول قيادات عسكرية سعودية إلى الغيضة بالتزامن مع تحشيد قبلي في المهرة

قشن برس | 408 قراءة 

قرار رسمي يُثير الجدل.. آلاف الزوجات مهددات بالمغادرة بسبب شرط الإقامة الجديد

المرصد برس | 400 قراءة 

تعرف على القوات التي قامت بقتل الحوثي الذي قتل الرئيس صالح

جهينة يمن | 395 قراءة 

سياسي يمني يكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح: "قُتل غدرًا في قريته وعلى يد أبناء قبيلته"

يني يمن | 391 قراءة 

قيادي بالحراك الجنوبي يعتذر لخروجه ضد الرئيس صالح ويكشف عن الاوضاع التي كانت تعيشها عدن بعهده

كريتر سكاي | 371 قراءة 

عاجل:اقتحام مبنى المحافظة

كريتر سكاي | 314 قراءة