كتب : عبدالرحمن أنيس
ما سأقوله هنا ترددت كثيرًا في كتابته منذ أشهر، خشية أن يُفسَّر بشكل خاطئ.
الآن وقد غادر مختار اليافعي موقعه القيادي كمسؤول في أعلى هيئة تدير الملف الإعلامي في الجنوب، فأجد نفسي اليوم في فسحة تتيح لي كتابة هذه الشهادة دون أن تُحمَّل على غير معناها أو يُساء فهم مقصدي.
في مسيرتي المهنية التي تمتد لسبعة عشر عامًا، خضت صراعات كثيرة مع أشخاص وجهات متعددة، لكن صراعي مع مختار كان مختلفًا تمامًا.
لا أبرئ نفسي، ولا أدين الرجل؛ فقد كانت الأخطاء متبادلة في مرحلة ما، مني ومنه، وهي التي أوصلت صداقتنا الشخصية وعلاقتنا المهنية إلى حالة من الخصومة والعداء، وخلفت أضرارا لحقت بنا معا.
غير أن مختار تغير حين تولى موقع المسؤولية، وقد بدا ذلك جليًا في سلوكه وهو يدير الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي، التي تُعد في الواقع وزارة إعلام موازية في الجنوب، تفوق في سلطاتها وزارة الإعلام التابعة للحكومة الشرعية نفسها.
قلت له ذات مرة: لقد كسرت في نفسي نية الصراع.
فحين أصبح في موقع المسؤولية، كتبت ضده أقسى ما يمكن أن يُقال في حق خصم، لكن ردود فعله كانت تخجلني في لطفها وأدبها.
تمرض .. فتجده يزورك.
تتعرض لمشكلة .. فيبادر بالاتصال.
تنتقده بحدة .. ثم تلتقيه فجأة في الشارع، فتجده فاتحا ذراعيه ليحتضنك.
كان في موقع سلطة، وكان بإمكانه – لو أراد – أن يستغل صلاحياته لإيذائي، أو الزج بي في متاهات لا تنتهي، أو حتى اعتقالي .. لكنه لم يفعل.
قلت يومًا لبعض الأصدقاء: أنا في حيرة من أمر مختار .. كيف يعاملني بهذا اللطف رغم كل ما كان، وهو الآن في موقع قوة؟ ..
قالوا: لا تستعجل ستأتيك لدغته لا محالة.
وبقيت أنتظر لحظة انتقام قد يتحيَّنها على حين غرة، لكن .. لم يأتِ شيء.
اليوم، وقد طوى مختار اليافعي صفحة من تجربته، ولم يعد في موقع المسؤولية عن الملف الإعلامي، أجد أن من الإنصاف أن أقول ما في نفسي، لا مدحا ولا تبريرا، بل شهادة لوجه الحقيقة:
خصومتنا كانت حادة، وأخطاؤنا كانت متبادلة، لكن مختار – حين أصبح في موقع المسؤولية – قابل كل ذلك برُقي لم أكن أتوقعه.
جميل أن تُفاجأ بنُبل إنسان .. في لحظة كنت تتهيَّأ فيها لأسوأ ما فيه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news