عودة الجدل حول البطاقة الذكية.. هل هي ضرورة عصرية.. أم هي تفريط بأمن وسيادة اليمنيين الرقمية؟
يتواصل الجدل بين الاوساط اليمنية حول إصدار البطاقة الذكية من قبل وزارة الداخلية التي هي من حصة حزب الاصلاح في حكومة المحاصصة التابعة للشرعية اليمنية المعترف بها دوليًا، رغم مرور تدشين العمل بها قرابة عامين
.
وشهدت الأيام القليلة الماضية تفاعلات واسعة، لمختصين في الجوانب الفنية والتقنية، واخرين متخصصين في أمن البيانات والمعلومات بطرق حديثة وعبر التقنيات المتطورة، وصحفيين، وحقوقين ومشرعين، تناقضت فيما بينها، واتفقت على نقطة واحدة تتمثل برفض وجود قاعدة بيانات اليمنيين لدى دولة اجنبية.
ولأهمية الموضوع حاولنا التوقف عند ذلك الجدل لمحاولة الوصول الى ما يخدم الصالح العامة، باعتبارنا في "المنتصف" كنا من الاوائل الذين تناولنا هذه القضية وما دار بشأنها من تحذيرات وانتقادات لطريقة العمل بها الذي جاء مفاجئا للجميع، ومستغربا ان يكون مقر تخزين وتحليل بيانات اليمنيين الراغبين والمجبرين على قطع البطاقة الذكية في بلاد اجنبي متمثلا بالسعودية، ولاهمية ذلك رصدنا جديد التفاعلات بهذا الخصوص وخرجنا بهذه المحصلة..
بين الأهمية وطريقة الإصدار
تعد البطاقة الذكية، مهمة لبناء قاعدة بيانات متكاملة لسكان اي بلد مستقر يسعى لتطوير البنى التحتية واقامة مشاريع تنموية وخدمية بطرق مدروسة معتمدة على قاعدة بيانات حقيقية.
ورغم اهمية البطاقة الذكية للامن بجميع فروعه، الا ان اصدارها في بلد مضطرب ومخترق في سيادته من عدة دول واطراف خارجية، ووضع بيانات البطاقة في ايدي اجهزة بلد اجنبي، يختلف الامر ويصبح جريمة أمن قومي، وفقًا لعدد من المختصين.
ويرى المختصون ومنهم المهندس التقني فهمي الباحث خبير الامن الرقمي، انه رغم اهمية البطاقة في توحيد البيانات الشخصية وارتباطها بالتكنولوجيا، والاستفادة منها على المستوى الأمني، غير أن هناك الكثير من المخاوف حول تسرب المعلومات الشخصية أو تعرضها للسرقة والقرصنة، خاصة وأن الشركة المنفذة للمشروع أجنبية، ومجهولة الهوية ولم يتم ارساء اي مناقصة لتنفيذ المشروع معها وفقا لشروط تحددها جهات الاختصاص في البلاد، فضلا عن كون تلك الشركة تدير أعمالها من خارج البلاد.
وأكد الباحث في منشورات على حسابه في "إكس"," أهمية موضوع البطاقة الشخصية الذكية باعتبارها مسألة أمن قومي، يجب أن تنفذ بخطة أمنية دقيقة من داخل البلد وعدم الاستعجال في تنفيذها كون البلاد في وضع غير مستمر، مع ضرورة سن قانون عبر مجلس النواب لتكتسب مشروعيتها.
تدشين مفاجئ
وجاء تدشين العمل بالبطاقة الذكية المثيرة للجدل خلافا لما يراه المختصون، حيث تم بطريقة مفاجئة في 30 نوفمبر 2023 من قبل وزير الداخلية في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا اللواء ابراهيم حيدان المنتمي لحزب الاصلاح، الأمر الذي اعتبره البعض انه تم دون معرفة الجهات العليا كالحكومة ومجلس القيادة والبرلمان.
وشكك البعض ان يكون وراء المشروع صفقة مشبوهة بين وزير الداخلية والشركة المنفذة ودولة اجنبية، وانها تاتي في اطار العبث بالسيادة اليمنية وامنها القومي، هاصة وان عملية التدشين الاعلان عن المشروع جاء مفاجئا ولم يتم تدشينه من قبل رئيس مجلس القيادة او رئيس الحكومة حينها، وهما يستغلان اي مشروع للقيام بتدشينه حتى وان كانت حملة روتينية لتحصين الاطفال، فما بالكم بمشروع بحجم الهوية لليمنيين.
ما وراء استمرار الجدل؟
ويرى العديد من الحقوقين والصحفيين، ان اصرار الداخلبة في عدن على ربط جميع المعاملات الرسمية وكذا استخراج جوازات السفر وحتى شهادات الميلاد للاطفال، بالحصول على البطاقة الذكية، يعد مثيرا للشكوك .
فمع تدهور الاوضاع المعيشية والفاقة والعوز الذي يعيشه المواطن تواصل الداخلية فرص البطاقة الذكية عليه وتقيد تحركاته بها، رغم انعا لم تخفض او تسهل الحصول عليها، بل تفرض رسوما كبيرة تصل الى 60 الف ريال اي ما يساوى راتب موظف شهري.
بطاقة بدون قانون
يعد العمل بمثل هذا النوع من البطائق في اي بلد، عبثًا بأمن معلومات وبيانات السكان، اذا لم تأتي وفقًا لقانون يحمي تلك المعلومات والبيانات والمعطيات الشخصية، وينظم عملية الوصول إليها ومن يحق له حفظها، وهذا ليس على مستوى الجانب الحكومي فقط، بل حتى على مستوى القطاع الخاص، والذي لا بد أن يخضع لمثل هكذا قانون.
فالبطاقة الذكية لديها العديد من المميزات التي تتطلب حماية، فهي طويلة الأمد ويتم طباعتها عبر الليز، وتحتوي على أكثر من 30 علامة تأمينية، وتصنيعها من مادة البولي كاربونيت، وتخدم الاستخدام الالكتروني والتقنيات الحديثة.
وتتميز بجمع البيانات عن كافة المواطنين من حاملي البطاقة وتسهيل المهام الإحصائية، واعتمادها في العمليات الانتخابية، والإسهام في تقليص التلاعب والتزوير والفساد، وتخفيض معدلات الجريمة وتسهيل تتبع المجرمين وأصحاب السوابق، في حال تم توفيرها بطريقة قانونية وصحيحة من قبل الدولة.
وتشمل ارتباط البطاقة بتطبيقات تسمح بالتحقق من هوية الشخص عبر بصمتي الأصبع والوجه لدى الجهات الحكومية وغير الحكومية، وإثبات الهوية والمرور بالمنافذ ذات الأنظمة الإلكترونية، وإجراء المعاملات المالية المختلفة.
أخطر ما في هذه البطائق
تعد البطائق الإلكترونية البيومترية من الوثائق الاكثر أهمية والتي يجب المحافظة على سريتها، فهي تحتوي على شريحة إلكترونية مدمجة لتخزين معلومات تعريفية حساسة، بالإضافة إلى البيانات البيومترية لصاحب البطاقة.
مكونات البطاقة الإلكترونية البيومترية:
تتضمن هذه البطاقات عادةً المعلومات التالية:
* البيانات الشخصية الكاملة: الاسم، تاريخ الميلاد، مكان الميلاد، الجنسية، رقم الهوية، العنوان، وغيرها من المعلومات الأساسية.
* البيانات البيومترية (القياسات الحيوية): وهي خصائص فيزيائية أو سلوكية فريدة لكل فرد يمكن استخدامها لتحديد هويته والتحقق منها. تشمل الأنواع الشائعة للبيانات البيومترية في هذه البطاقات:
* بصمة الإصبع: مسح رقمي لنمط بصمات الأصابع.
* بصمة العين (قزحية العين): مسح للنمط الفريد للقزحية (الجزء الملون من العين).
* الصورة الرقمية: صورة عالية الجودة للوجه يمكن استخدامها للتعرف على الوجه.
* أحيانًا قد تشمل بصمة الصوت، أو نمط الأوردة في راحة اليد، أو حتى الحمض النووي (وإن كان الأخير أقل شيوعًا في البطاقات الشخصية).
* الشريحة الإلكترونية (Microchip): وهي العنصر الأساسي الذي يميز البطاقة "الإلكترونية". تحتوي هذه الشريحة على البيانات المشفرة المذكورة أعلاه، وتتيح إمكانية قراءة هذه البيانات إلكترونياً باستخدام أجهزة قراءة خاصة.
كيف تعمل؟
عند إصدار البطاقة، يتم جمع البيانات الشخصية والبيومترية للفرد وتشفيرها وتخزينها في الشريحة الإلكترونية بالبطاقة، وفي قاعدة بيانات مركزية (من المفترض أن تكون مؤمّنة). عند استخدام البطاقة للتحقق من الهوية، يتم قراءة البيانات من الشريحة ومقارنتها بالبيانات المقدمة في لحظة التحقق (مثل بصمة الإصبع الحية للشخص). إذا تطابقت البيانات، يتم تأكيد الهوية.
الهدف من البطاقات البيومترية:
* زيادة الأمان: تعتبر أكثر أمانًا من بطاقات الهوية التقليدية التي تعتمد فقط على المعلومات المطبوعة، حيث يصعب تزوير البيانات البيومترية أو انتحال الهوية.
* تسريع إجراءات التحقق: تتيح التحقق السريع من الهوية في نقاط الحدود، المطارات، أو عند الوصول إلى الخدمات الحكومية.
* مكافحة الاحتيال وسرقة الهوية: تقلل من فرص استخدام وثائق مزورة أو منتحلة.
* تحسين الخدمات: يمكن ربطها بالعديد من الخدمات الإلكترونية الحكومية لتسهيل الوصول إليها.
المخاطر والتحديات (كما ورد في النص المذكور):
على الرغم من المزايا الأمنية، تثير البطاقات البيومترية مخاوف كبيرة، خاصةً إذا لم تُدار بشكل صحيح:
* مخاوف الخصوصية: طبيعة البيانات الحساسة جداً تثير قلقاً بشأن كيفية جمعها، تخزينها، ومن يمكنه الوصول إليها.
* خطر اختراق البيانات: إذا تم اختراق قاعدة البيانات التي تخزن هذه المعلومات، فإن البيانات البيومترية التي لا يمكن تغييرها (مثل بصمة الإصبع) ستكون مكشوفة بشكل دائم.
* السيادة الرقمية: إذا كانت البيانات مخزنة على خوادم خارج سيطرة الدولة، فإن ذلك يشكل تهديداً للسيادة والأمن القومي.
* غياب الأطر القانونية: عدم وجود قوانين واضحة لحماية هذه البيانات وتحديد كيفية استخدامها يتركها عرضة للاستغلال.
* التمييز: في بعض الحالات، قد تؤدي مشاكل فنية (مثل صعوبة قراءة بصمات أصابع معينة) إلى حرمان بعض الأفراد من حقوقهم أو تمييزهم.
لهذه الأسباب، يُشدد على ضرورة وجود قوانين صارمة وبنية تحتية رقمية آمنة ومراكز بيانات سيادية عند التعامل مع البطاقات الإلكترونية البيومترية.
تحذيرات مختص
وفي اطار الجدل الدائر حول البطاقة الذكية، يحذر المختص، وحيد عبدالجليل، على حسابه في "فيسبوك"، في منشور حمل عنوان " صرخة وطنية"، داعيا الى عدم السكوت عن امبر عملية تفريط في سيادة اليمنيين الرقمية.
ويقول المختص بالامن المعلوماتي والرقمي، ان هذه الايام يفرض على كافة موظفي الدولة، وكذلك على كل مواطن يرغب في استخراج جواز سفر جديد، إلزامه بالحصول على بطاقة إلكترونية بيومترية، دون تقديم أي توضيحات رسمية أو قانونية حول مصير البيانات الحساسة التي يتم جمعها، والتي تشمل:
بصمة الإصبع – بصمة العين – الصورة الرقمية – البيانات الشخصية الكاملة.
وتابع:
ما يجري فعليًا – وفقًا لمصادر موثوقة – هو أن هذه البيانات تُرسل وتُخزن على سيرفرات خارج اليمن،بينما لا تمتلك الدولة أي نسخة سيادية منها داخل أراضيها،ولا يوجد أي قانون وطني نافذ ينظّم أو يحمي هذا النوع من البيانات.
النتيجة الخطيرة:
وحسب المختص عبدالجليل، فان البيانات - البيولوجية لكل مواطن يمني أصبحت خارج سيطرته، وخارج سيطرة الدولة، ولا احد يعرف من يمتلكها ولا أين تُخزن، ولا من يمكنه الوصول إليها أو استخدامها.
- وهذه البيانات غير قابلة للتعديل أو التعويض، فإذا تم اختراقها أو استغلالها، فالكارثة دائمة وغير قابلة للإصلاح.
تهديد مباشر للسيادة الرقمية
وحسب المختص، فان ما يحدث في دول أخرى رغم وجود أنظمة وتشريعات لديهم!
- في عدة دول إفريقية، وقّعت حكومات صفقات مشبوهة مع شركات أجنبية لتخزين بيانات المواطنين، وانتهى الأمر بتسريب هويات ملايين الأشخاص دون أي مساءلة، نتيجة غياب قوانين الحماية الرقمية.
- مؤخرًا في الهند أيضًا، تم تسريب بيانات ضباط أمن شملت بصماتهم وصور وجوههم، بسبب ضعف الحماية في خوادم خارجية.
والآن.. تخيّل لو حدث ذلك في اليمن:
- بلد لا يمتلك قانونًا واحدًا يحمي بيانات مواطنيه.
- بلد لا يملك بنية تحتية سيبرانية كافية، ولا حتى مركز بيانات سيادي واحد داخل أراضيه.
- بلد لا يتحكم في قراره الرقمي، ولا يملك نسخة من قاعدة بيانات شعبه.
إذا كانت دول مثل الهند وتونس وكينيا قد واجهت فضائح تسريب معلومات رغم وجود تشريعات وأنظمة ، فما الذي سيمنع وقوع كارثة رقمية في اليمن؟
لا شيء فعليًا … ما لم نتحرك جميعًا الآن.
حماية السيادة الرقمية
الى ذلك خلص الجدل الدائر حاليا حول البطقة الذكية، الى ضرورة حماية السيادة الرقمية لليمنيين وعدم التفريط بها كما تم التفريط بالسيادة الوطنية من قبل شركاء نكبة فبراير 2011، ومنجزهم انقلاب سبتمبر 2014 من قبل عصابة الحوثي الايرانية.
واكد الجميع ان استمرار التعامل مع البيانات البيومترية الحساسة خارج نطاق السيادة الوطنية، وبلا حماية قانونية واضحة، أمر لا يمكن السكوت عليه.
وفي هذا السياق، نؤكد أن الحفاظ على أمن اليمن الرقمي يبدأ باتخاذ خطوات واضحة وعاجلة، وعلى رأسها:
أولاً: الإطار القانوني والتشريعي
• إصدار قانون وطني عاجل لحماية البيانات الشخصية والبيومترية، ينظّم جمعها وتخزينها وتشفيرها، ويمنع بشكل قاطع نقلها أو تمريرها إلى أي جهات أو سيرفرات خارج البلاد دون إشراف قانوني مباشر.
• هذا القانون يجب أن يحدد صلاحيات الوصول إلى البيانات، ويفرض عقوبات رادعة على الجهات أو الأفراد المتورطين في تسريبها أو إساءة استخدامها.
ثانياً: السيادة على البنية التحتية الرقمية
• إنشاء مركز بيانات وطني سيادي داخل الأراضي اليمنية، مجهز بأعلى معايير الأمن السيبراني، وتحت رقابة مباشرة من مؤسسات الدولة.
• هذا المركز سيكون بمثابة الدرع الأول لحماية البيانات البيومترية، ويضمن أن تبقى معلومات المواطنين داخل أرضهم وتحت سلطة دولتهم.
ثالثاً: مراجعة الاتفاقات الرقمية
• فتح ملف شامل لكافة العقود والتعاملات التقنية المبرمة مع أطراف خارجية، خصوصًا تلك المتعلقة بتخزين البيانات البيومترية أو تشغيل أنظمة التسجيل المدني.
• يجب إخضاع هذه العقود للمراجعة القانونية، وإيقاف أي نشاط رقمي أو تعاقد خارجي لا يخضع لرقابة وطنية واضحة.
رابعاً: دور الإعلام والمجتمع
• دعوة صريحة ومفتوحة للصحفيين والباحثين ووسائل الإعلام لتكثيف التغطية والتحقيق في هذا الملف، وممارسة الضغط الأخلاقي والوطني حتى لا يمر هذا التفريط بصمت.
• كما نطالب البرلمان، والسلطة القضائية، والأجهزة الرقابية بفتح تحقيق رسمي عاجل في مسألة نقل بيانات المواطنين خارج البلاد، ومحاسبة المتورطين.
ليست مجرد معلومات وبيانات
وحسب المتفاعلين، فان العملية التي تجري عبر الحصول على البطاقة الذكية، ليست عملية جمع بيانات ومعلومات شخصية، بل تعد سلاحًا بيد من يملكها، يمكن استخدامها في اي عمليات امنية ضد الشعب والدولة على مر السنوات.
أخيرًا، تجدر الاشارة الى ان جميع الكيانات التي تسببت في تدمير البلاد واسقاط النظام وسفكت دماء اليمنيين وشردتهم وتواصل محاربتهم على مختلف الصعد بما فيها تضيبق معيشتهم وايصالهم الى المجاعة، لا يتوقع منها المحافظة على السيادة الرقمية والشخصية لليمنيين فقد رهنت السيادة الوطنية وحولت اليمن الى ساحة حرب تتصارع فيها عدد من الدول، وتجري فيها تجاربها العسكرية والامنية والفكرية وحتى غير الأخلاقية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news