خالد الخضمي
برّان برس - خاص:
في العام 2015 حيث أشعلت جماعة الحوثي المدعومة من إيران، حرباً بدواعٍ طائفية دينية في اليمن، غادر صنعاء، إلى دولة الهند ليجد نفسه في قلب معركة أخرى مع السلطات الهندية، في ظاهرها مخالفة قوانين الإقامة، وفي باطنها "التعصب الديني" الذي يرعاه الحزب الحاكم الهندوسي ضد المسلمين.
المواطن اليمني الدكتور "خالد إبراهيم صالح الخضمي"، المنحدر إلى محافظة ريمة (وسط غرب اليمن)، وبعد عام من وصوله إلى الهند، ولحاق أسرته به، تعرض للتوقيف من قبل السلطات الهندية بسبب انتهاء تأشيرة الإقامة، في العام 2016.
ومنذ ذلك الحين، ظل "الخضمي" ملاحقاً طيلة سنين من الشرطة الهندية، وهدفاً للإعلام والنقاشات السياسية التي تجري في ذلك البلد المتعدد الاثنيات، لتتحول قضيته إلى قضية سياسية وأمنية، ليصل الأمر، إلى أنها تناقش تحت قبة البرلمان الهندي.
يروي "الخضمي" تفاصيل قصته لـ"برّان برس"، حيث بدأت "بسيطة" كما يقول، إلا إنها تحولت فيما بعد إلى قضية سياسية وأمنية، مشيراً إلى أن السبب الذي دفعه لمغادرة اليمن والإقامة في "الهند" كان العلاج ودواعي التعليم، وأن إقامته وأسرته كانت "معلنة" أي بعلم الجهات المعنية في البلدة التي أقام فيها.
وكونه لم يتخف عن السلطات، بعد أن بدأت قضيته في المحكمة، حيث ظل يتابعها، رغم أنها "تأشيرة منتهية"، إلا إنها أخذت أبعاداً أكبر من جمها، خاصة بعد أن وصلت إلى البرلمان الهندي. ويقول: "جرى الزّج باسمنا في نقاشات سياسية لا علاقة لنا بها، ضمن اتهامات ضد المؤسسة التي كانت تقدم لنا دعماً إنسانياً".
ويؤكد "الخضمي" في حديثه لـ"برّان برس"، إن التحقيقات معه من قبل السلطات الهندية، لم تثبت عليه أي تهمة، غير مخالفة نظام التأشيرة، مشيراً إلى أن القضية استُغلت إعلامياً وسياسياً، مما ضاعف الضغط النفسي عليه وعرّضه وأسرته للخطر"، دون أن يوضح طبيعة الاتهامات التي وجهت له.
حصلت زوجته وأولاده في الفترة الأخيرة على "بطاقة اللجوء" من السلطات الهندية، كما أن قضيته وجدت تفاعلاً من القنصلية اليمنية في مدينة "مومباي" بقيادة السفير "يحيى غوبر"، مثنياً على ذلك، إلاّ إنه يأمل تفاعلاً أكبر من الدبلوماسية ممثلة بوزارة الخارجية في حكومة اليمن الشرعية لإنهاء قضيته بشكل نهائي.
وما تعرض له من سجن ومحاكمات فضلاً عن تشريد "أسرته" وإن حصلت مؤخراً عن لجوء، كل ذلك دفعه إلى تقديم "مناشدة عاجلة" للحكومة اليمنية المعترف بها، بحثاً عن "عودة آمنة"، وإسدال الستار لمأساته التي ربما أصبحت اليوم "مأساة كل لاجئ يمني" في دول العالم، بشكل أو بآخر.
"الخضمي" في مناشدة له، وجهها إلى "مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، ووزارة الخارجية، ومجلس النواب اليمني"، لخص قضيته، التي قال إنها بدأت في العام 2016، حين انتهت تأشيرة إقامته بفارق 10 أيام، وكان حينها "يعيش" في ولاية ماديا براديش الهندية.
وقال في "المناشدة" التي أرسلها لـ"برّان رس"، التي وجهها كذلك لكافة المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، وما أسماه بالإعلام اليمني الحر والرأي العام الوطني، إن الشرطة حينها "أوقفته وفتحت ضده قضية في المحكمة، وبدلاً من النظر إليها "كمسألة انتهاء تأشيرة قابلة للتسوية، أصدرت المحكمة في ولاية "ماديا براديش" حكماً قاسياً عليه بالسجن 3 سنوات.
يضيف "الخضمي" في مناشدته، "أنه طعن في الحكم عدة مرات، "في الاستئناف" ونتيجة لذلك ظلت قضيته "معلقة لأكثر من 10 سنوات، دون حكم نهائي، رغم حضوره الدائم وتعاونه الكامل مع القضاء الهندي".
وأوضح أنه طيلة السنوات الماضية، ظل "يوافي الشرطة في منطقة سكنه بولاية "مهارشترا منطقة "أكل كوا" بجميع تطورات قضيته، وأنه سلمها ملف القضية بالكامل لهم ولمركز الشرطة في مديرية "نندور بار".
يقدّم "الخضمي" في مناشدته كل التفاصيل التي عاشها، وأسرته "تحت علم ومتابعة السلطات المحلية، دون أي مشاكل تذكر"، وقال: "وفي كل مرة يتم فيها تعيين مدير جديد للشرطة، كنا تستدعى بشكل روتيني لإعادة تقديم الملف، وكان ذلك يتم في أجواء من الاحترام والتفاهم".
وفي فبراير/نيسان 2025، تغير ذلك الروتين لـ"الخضمي" وأسرته، فبعد أن تم تغيير مدراء الشرطة في محل إقامته، تم استدعاؤه بشكل ودي، ثم تفاجأ كما يقول باقتحام المنزل، من "قبل أكثر من 20 عنصرا من الشرطة ووحدة مكافحة الجريمة دون سابق إنذار".
يقول: "جرى تفتيش شامل للمنزل، ومصادرة هواتفنا وأجهز تنا الإلكترونية وكافة الوثائق الرسمية والشهادات الدراسية والعائلية، مما أحدث صدمة نفسية حادة داخل الأسرة، خاصة الأطفال. ونقلت زوجتي إلى المستشفى بعد انهيار عصبي استمر يومين، وما تزال حتى اليوم تعاني من أرق واضطرابات نفسية حادة، ولا تستطيع النوم إلا تحت تأثير الأدوية".
"في الفترة نفسها، كنتُ على وشك إنهاء القضية الأصلية المتعلقة بالتأشيرة"، يواصل "الخضمي" سرده قصته في مناشدته المكتوبة، وقال: "وكان من المفترض أن أحضر جلسة في المحكمة بتاريخ ١٠ فبراير ۲۰۲۵، وقد رافقني عنصر من شرطة "أكل كوا"، لكن المحامي تغيب وتأجلت الجلسة. وعند عودتي، تم احتجازي مباشرة لمدة أسبوع كامل".
بعد احتجازه أوضح أنه "تعرض لتحقيقات طويلة وشاقة، تستمر أحياناً لأكثر من عشر ساعات يوميًا، وتركزت على مواضيع لا تمت بأي صلة للقضية الأصلية، في مشهد يعكس استهدافاً شخصياً وخروجاً عن الإطار القانوني".
ويؤكد الدكتور الخضمي، عرضه على المحكمة عدة مرات، لينقل بعدها إلى السجن المركزي في "نندور بار"، والذي قضى فيه 100 يوم، خلف القضبان، رغم أن التهمة لا تستوجب ذلك المستوى من الاحتجاز، كما تم اعتقال زوجته، بعد إخضاعها لتحقيقات قاسية، واحتجزت لمدة ۲۱ يومًا في نفس السجن بالرغم من معرفتهم أنها أم لطفلة صغيرة"، حد قوله.
وخلال فترة الاعتقال، يقول "الخضمي" إن أطفاله "عاشوا حالة رعب نفسي وعزلة تامة، وكانوا تحت الإقامة الجبرية، دون سند أو دعم ما أثر بشكل بالغ على نفسيتهم وسلوكهم وحتى نطقهم".
وبعد الإفراج عن زوجته، أشار إلى أنها اضطرت للمغادرة مع الأطفال من المنطقة التي كانوا يقطنون فيها، بسبب مضايقات الشرطة المستمرة في فترة وجوده في السجن".
وذكر أن السلطات الهندية لم تستجب لخطابات رسمية وجهها السفير "غوبر" من القنصلية اليمنية في "مومباي" تطالب بالسماح لهم إما بالمغادرة أو الاستقرار المؤقت. وأضاف "ورغم الإفراج عنا بكفالة وبضمان فإن معاناتنا ما زالت مستمرة، وبسبب القضية الأصلية المتعلقة بالتأشيرة، حرم أطفالي من حقهم في التعليم من عام ٢٠١٦ الى عام ۲۰۲۲".
وتابع بالقول: "في العامين الأخيرين تمكنا من تسجيلهم بعد عناء كبير، وبعد حدوث المشكلة الأخيرة تم حرمان أطفالي من دخول الامتحانات النهائية للعام الدراسي ٢٠٢٥/٢٠٢٤، وفقدوا عاماً دراسياً كاملاً، بسبب تعنت الشرطة، رغم تسجيلهم القانوني في المدارس بموجب مذكرة رسمية من وزارة التعليم، وبحوزتهم بطاقة لجوء".
الأب الموجوع على مستقبل أولاده، أضاف: "مع بداية العام الدراسي الجديد في يوليو ٢٠٢٥ ،رُفض تسجيلهم مرة أخرى، مما يعني استمرار حرمانهم من التعليم، في انتهاك صارخ لحقهم الأساسي الذي كفله لهم القانون الهندي".
وعلاوة على ذلك، أشار إلى معاناة الأسرة كاملة من أوضاع صحية وصعبة، موضحاً أن زوجته باتت تحتاج "إلى علاج نفسي منتظم، لكنه لا يستطيع تغطية نفقات العلاج، وليس لديه تصريح يتيح له الاستفادة من الرعاية الحكومية أو حتى المستشفيات الخاصة".
وقال: "نعيش أوضاعاً معيشية صعبة جداً، بسبب التكاليف الباهظة للحياة في الهند وخاصة في مدينة كبيرة مثل مومباي، حيث أننا عائلة كبيرة تتكون من سبعة أفراد ، مما يجعل توفير الاحتياجات الأساسية من مأكل وملبس وسكن وعلاج أمرًا بالغ المشقة، ويضعنا تحت ضغط نفسي واقتصادي دائم".
وذكر أن معظم المؤجرين، رفضوا تأجير أي مسكن له لعدم امتلاكه تصريح إقامة من المحكمة، ولولا تدخل القنصلية اليمنية في مومباي وموافقتها على ضمانتها شخصيًا، لكان الآن وأسرته مشرداً في الشوارع".
وأضاف: "نحن اليوم مسجونون خارج السجن نعيش في ظل قيود نفسية وقانونية وأمنية خانقة، دون أن ندان بأي جريمة، فقط لأننا أجانب انتهت تأشيرتنا"، مشيراً إلى أنها "قضية غير مسبوقة، فهناك الآلاف ممن يعيشون في الهند بدون إقامة قانونية، ويمارسون حياتهم الطبيعية دون ملاحقة أو سجن، بينما نحن حولنا إلى ملف أمني وسياسي بلا مبرر".
وقال إن الأزمة بلغت ذروتها بعد أن تم طرح القضية في برلمان ولاية "مهاراشترا" في ١٦ يوليو ٢٠٢٥، حيث طالب أحد النواب بإعادة التحقيق واتخاذ إجراءات صارمة ضده والجامعة التي كانت تقدم له دعماً إنسانيا.
ولفت إلى أن وسائل الإعلام الهندية تناولت القضية بأسلوب مغرض ومنحاز، قال إنه "مليء بالمغالطات والتشويه، دون أي دليل، مما زاد مخاوفنا من احتمال إعادة اعتقالنا في أي لحظة".
وخُلص إلى أن قضيته قد تحولت "من مخالفة تأشيرة إلى قضية أمنية وسياسية معقدة، نستخدم فيها كذريعة لتصفية حسابات داخلية، ولم تعد تحل في إطار القضاء وحده، بل تحتاج إلى تدخل دبلوماسي وإنساني عاجل".
"الخضمي" في مناشدته، طالب بتدخل رسمي وعاجل من رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية اليمنية لمخاطبة الحكومة الهندية لإنهاء هذه قضيته والسماح له وأسرته، بالمغادرة الطوعية من الهند إلى اليمن دون أي عراقيل أو شروط، وتوفير الحماية القانونية والنفسية لهم.
كما طالب بتمكين أطفاله من الالتحاق بالمدارس إلى حين مغادرته وإيقاف استخدام قضيته في الإعلام أو في الصراعات السياسية، ورفض أي محاولة لتشويه سمعته أو تلفيق الاتهامات ضده.
اليمن
الهند
الحوثيون
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news