في اللحظات الفارقة من مسار الشعوب، لا تُقاس قوة الجيوش بعدد البنادق، بل بمدى وعي القادة ووضوح البوصلة، وفي الجنوب، حيث تتقاطع المعركة مع المشروع، يقدّم الزُبيدي رؤية مختلفة للقيادة، لا كأداة سلطة، بل كمعمار للسيادة، وتفتح "العين الثالثة" زاوية تحليلية على فلسفة الانضباط في عقلية القائد، حيث تبدأ الدولة من رأس الهرم، لا من هوامشه.
رؤية تتجاوز الميدان: الزُبيدي وقواعد القيادة في زمن التحول
في لحظة سياسية مشحونة بالتحديات ومفتوحة على كل الاحتمالات، يقدّم الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي مقاربة استراتيجية لمفهوم القيادة داخل المؤسسة العسكرية الجنوبية، تختلف في مضمونها عن كل ما سبق، فليس الانضباط – بحسب الزُبيدي – مجرد سلوك تنظيمي، بل هو انعكاس مباشر لفكر القيادة وتماسكها.
وفي هذا السياق، ترصد "العين الثالثة" دلالات خطاب الزُبيدي الأخير، الذي بدا وكأنه محاولة واعية لترسيخ فلسفة عسكرية جديدة، تتأسس على مبدأ أن وحدة القيادة ليست ترفاً، بل شرط وجود في معركة بناء الدولة.
من رأس الهرم تبدأ المعركة.. لا من أطرافه
"الانضباط يبدأ من رأس الهرم، لا من قاعدته"، بهذه العبارة اختصر الزُبيدي جوهر التحوّل الذي يسعى إلى تثبيته داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية الجنوبية.
في الجيوش المحترفة، قد تُعدّ هذه القاعدة بديهية، لكن في الحالة الجنوبية – حيث تراكمت الولاءات وتشظّت المكونات – فإن هذا المفهوم يمثّل قطيعة واعية مع مرحلة من التنازع الميداني وغياب المرجعية.
ووفق قراءة "العين الثالثة"، فإن الزُبيدي يحاول تثبيت أن رأس القيادة ليس فقط مصدراً للأوامر، بل نموذجاً يُحتذى به في السلوك، والاتزان، والانضباط، وهو ما ينعكس لاحقاً على أداء الضباط والجنود، وصولاً إلى استقرار المؤسسة ككل.
انقلاب على الإرث الفصائلي: نحو جيش بهوية واحدة
الحالة العسكرية الجنوبية لم تكن وليدة معسكر موحد أو مدرسة واحدة، بل نشأت – في جزء كبير منها – كرد فعل على تهديدات متعددة، فبرزت التشكيلات تباعاً، كلٌ منها يحمل مرجعيته، ومناطقيته، وحتى لغته الخاصة.
لكن الزُبيدي، كما تلاحظ "العين الثالثة"، لا يراهن على التعددية العسكرية كقوة، بل يرى فيها عبئاً يجب معالجته، ليس بالحل القسري، بل بالتوحيد الواعي الذي يقوم على مبدأ "قيادة واحدة.. عقيدة واحدة.. هوية واحدة".
وهذه الفلسفة لا تهدف فقط لضبط الجبهات، بل لإعادة تعريف "الجيش الجنوبي" كجهاز سيادي لا يخضع إلا لقرار الدولة، بعيداً عن الحسابات الضيقة التي طالما شلّت فعالية أي مشروع وطني جامع.
بين الميداني والسياسي: القائد كجسر بين العسكر والدولة
ما يميّز خطاب الزُبيدي الأخير، بحسب تحليل "العين الثالثة"، هو سعيه لجعل القائد العسكري ليس مجرد مدير معركة، بل شريكاً في المشروع السياسي، وسفيراً للقيم الوطنية داخل المؤسسة.
وفي هذا السياق، يظهر القائد في فلسفة الزُبيدي كجسر بين الخندق ومكتب الدولة، بين التكتيك اليومي والاستراتيجية الكبرى، إنه قائد يعرف متى يرفع السلاح، ومتى يخفضه لحساب الدولة، لا لحساب الأهواء.
ليس انضباطاً تقنياً.. بل أخلاقي أيضاً
في المجتمعات الخارجة من الحروب والانقسامات، غالباً ما يُختزل الانضباط العسكري في الطاعة وتنفيذ الأوامر، لكن الزُبيدي – وفق تتبع "العين الثالثة" – يُحمّل هذا المفهوم أبعاداً أوسع، حيث يصبح الانضباط أخلاقاً قبل أن يكون أمراً، ومسؤولية قبل أن يكون التزاماً.
إنه انضباط يحرس القرار السياسي لا يعطّله، وينظّم المؤسسة لا يخنقها، ويمنح القائد هيبة تتجاوز الميدان إلى الضمير العام.
في جوهر المرحلة: وحدة القيادة هي التحدي الأخطر
بين كل الملفات التي تقف على طاولة الجنوب اليوم – من التفاوض إلى الخدمات، ومن الاقتصاد إلى الأمن – تبرز وحدة القيادة العسكرية كأخطر اختبار في مشروع الدولة.
تؤكد "العين الثالثة" أن تجارب الدول الخارجة من النزاعات أظهرت أن تفكك القيادة هو أول طريق الفشل، وأن لا سيادة دون مركز قرار واضح وقادر.
ومن هنا، فإن ما يطرحه الزُبيدي ليس تنظيراً عسكرياً بقدر ما هو خارطة طريق نحو كيان سياسي مؤسسي، يرى في الانضباط وسيلة للسيادة، وفي القيادة الموحّدة ضمانة للاستقرار.
القائد لا يُولد في المعركة فقط.. بل في الرؤية
الزُبيدي، وهو يضع معايير القيادة والانضباط، لا يتحدث عن حاضر المعسكرات فقط، بل يرسم ملامح مستقبل الجنوب كدولة تحترم مؤسساتها، وتمنح للقيادة معناها الكامل: رؤية، وحكمة، ومسؤولية.
وتختم "العين الثالثة" قراءتها بالتأكيد أن فلسفة القيادة التي يطرحها الزُبيدي لا تسعى إلى السيطرة بل إلى التماسك، ولا إلى فرض الطاعة بل إلى خلق الإيمان بالمشروع، وهو ما يصنع الفرق بين جيشٍ يُستخدم، وآخر يُبنى ليبني الدولة.
العين الثالثة: نرصد لك ما بعد الكلام.. ونضيء لك ما بين السطور.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news