نصت التفاهمات التي رعاها المبعوث الأممي الخاص لليمن، بين الطرفين، على إلغاء القرارات والإجراءات ضد البنوك من الجانبين، واستئناف طيران اليمنية للرحلات إلى الأردن، والقاهرة والهند.
صنعاء ـ «القدس العربي»: اعتبر المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، إصدار «أنصار الله» (الحوثيون) عملة معدنية جديدة وإصدار ورقي نقدي «خرقُا لتفاهمات تموز/يوليو 2024»؛ الأمر الذي يدفعنا للتوقف أمام نص هذه التفاهمات ومدى تنفيذها؛ انطلاقًا من واقع مرير يعيشه اليمن؛ وهو يتفسخ إلى مزقٍ لا قيمة لها؛ تتموضع عليها بيادق صغيرة تُمعن في الذهاب بالبلد بعيدًا تنفيذًا لمشاريع خارجية؛ تستهدف إفراغ اليمن من إمكانات قوته، ونكت ما تبقى من قدرات وحدته، وإفقاده مفاعيل قراره المستقل؛ وصولًا إلى تحقيق توازن الضعف على امتداد الخريطة المتبقية للبلد، الذي يعيش حاليًا هدنة هشة من حرب استمرت نحو عقد، ومازال أربابها متأهبين.
نصت تفاهمات تموز/يوليو 2024، التي رعاها المبعوث الأممي الخاص لليمن، بين الطرفين، على «إلغاء القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين، والتوقف مستقبلاً عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة، واستئناف طيران اليمنية للرحلات بين صنعاء والأردن، وزيادة عدد رحلاتها إلى ثلاث يوميًا، وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يومياً أو بحسب الحاجة».
الجزء الأول من الاتفاق لم يُنفذ منه إلا «إلغاء القرارات والإجراءات ضد البنوك واستئناف رحلات طيران اليمنية من صنعاء إلى عمان»، بينما لم تزد الرحلات إلى ثلاث يوميًا، ولم تُسيّر رحلات يومية إلى القاهرة والهند. ما يعني أن الجزء الأول من التفاهمات لم يُنفذ منها سوى البند الأول وجزء من الثاني، بينما بقية البند الثاني والبند الثالث بقيت بدون تنفيذ للأسف. وبعد العدوان الإسرائيلي على طائرات شركة «طيران اليمنية» في مطار صنعاء، لم تعد هناك رحلات جوية تربط صنعاء بالعالم الخارجي؛ ما يعني بقاء البندين الثاني والثالث بدون تنفيذ في الوقت الراهن.
كما اتفق الطرفان، في الجزء الثاني من التفاهمات، على أن «تُعقد اجتماعات لمعالجة التحديات الإدارية والفنية والمالية التي تواجهها الشركة (طيران اليمنية)، والبدء في عقدِ اجتماعات لمناقشة كافة القضايا الاقتصادية والإنسانية بناءً على خريطة الطريق».
يمكن القول إن الجزء الثاني من التفاهمات لم ينفذ كليًا، ولم يصدر تصريح أممي أو محلي يوضح أسباب إفراع التفاهمات من معظم مضمونها وبقاءها بدون تنفيذ.
السؤال الآن: لماذا تعثر عقد الاجتماعات التي نصت عليها التفاهمات، بما فيها اجتماعات مناقشة كافة القضايا الاقتصادية والإنسانية بناء على خريطة الطريق؟ وهي الاجتماعات التي لو تمت لكانت كفيلة بإخراج البلد من أزمته الراهنة، وتجاوز ما فرضته الحرب ومشاريعها من تعقيدات، أمعنت في تمزيق البلد وإضعاف الحالة المعيشية لليمنيين.
يقول نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، المفكر عبدالباري طاهر، لـ«القدس العربي» إن اليمنيين تفاءلوا كثيرًا بتفاهمات تموز/يوليو 2024، واعتبروها خريطة طريق حقيقية للخروج من كارثة حرب العشر سنوات.
واعتبر أن تلك التفاهمات مثلت «الحد الأدنى والخطوة الأولى للخروج من تبعات الحرب وويلاتها، والخلاص أيضًا من تهديد عودتها».
ويرى أن «ثمة أسبابا وعوامل عديدة أعاقت تنفيذ تلك التفاهمات من أهمها: أن الأطراف اليمنية المتحكمة الضالعة في الحرب مستفيدة من بقاء الأوضاع كما هي، وهم يختلفون في كل شيء وعلى كل شيء، ولكنهم يتفقون على الاحتفاظ بغنائم الحرب، وهم أكثر توحدًا وحرصًا على بقاء الأوضاع على حالها، وعلى بقاء جذوة الحرب مشتعلة تحت الرماد لاستمرار التهديد بالعودة إليها، فهي – أي الحرب – مصدر هيمنتهم واستنقاعهم في الحكم، وبوابة كبرى للنهب والتسلط، وتتماهى إرادتهم ومصالحهم مع إرادة ومصالح الداعم الإقليمي والدولي. فالإقليمي لا مصلحة له في تعافي اليمن وتصالح مجتمعه وشعبه».
وأضاف «أن الصراع الإقليمي يتمدد الآن للاستيلاء على الجزر والموانئ ونهب الثروات وقضم الأرض والمزيد من الهيمنة وتأجيج الصراعات. أما الرباعية الدولية، وتحديدًا أمريكا وبريطانيا ومعهم إسرائيل، فَهَمُّهم القضاء على التهديد اليمني وشل القدرة العسكرية والسيطرة على البحر الأحمر وباب المندب، وإيقاف المساندة لغزة وفلسطين».
ويرى طاهر «أن الإقليمي والدولي يتشاركان في الجنوح إلى مزيد من التفكيك والتجزئة لليمن كحال الأمة العربية كلها، تمهيدًا لإعادة الصياغة وفق رؤية منظريهم: برنارد لويس وبيريز وقادتهم ترامب ونتنياهو ومخطط الشرق الأوسط الجديد».
ويضيف:»في البدء، أطراف الصراع لا مصلحة لهم في التفاهم، ولا في تعافي اليمن وخروجه من المحنة التي تشاركوا في صنعها، وهم مرتهنون للصراع الإقليمي. وفي المستوى الثاني، فإن القوى الإقليمية مرتهنة للصراع الدولي، والأمور في اليمن لا يمكن عزلها عن حرب الإبادة في غزة، والحرب في سوريا، والحرب على لبنان والسودان وليبيا، فلهذه الحروب كلها هدف وغاية: تفكيك المنطقة واستعبادها ونهب ثرواتها، ولا يمكن الحل في اليمن بمعزل عمّا يجري في المنطقة، وبدون توفر إرادة وطنية تحمي اليمن كله، وتتصدى لصنّاع الكارثة، حراس وخدم النفوذ الإقليمي والاستعماري».
ويعتقد عبدالباري أن «رعاية المبعوث الأممي هانس غروندبرغ وموقف الأمم المتحدة أرحم من موقف المتحكمين اليمنيين وقادة ميليشياتهم، ففي حين رحبت الأمم المتحدة بخريطة الطريق وتفاءل اليمنيون، وأبدى السعوديون قدرًا من التفهم، فإن الإدارة الأمريكية قد أوقفت التحرك».
ويقول إن «أمريكا ترامب لا همّ لها إلا مخطط الإبراهيمية، ووضع المنطقة كلها تحت الهيمنة الإسرائيلية، وقيام الدولة اليهودية من البحر إلى النهر».
لكن لابد من التوقف أمام المشكلة الجوهرية في هذه التفاهمات مما أعاق تنفيذها. وهنا يرى نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، أن «التلاقي والتفاهم – مجرد التفاهم – وحل قضايا العملة وفتح الطرقات وفك الحصار الداخلي والخارجي المفروض على اليمن لا يخدم مصالح هؤلاء المتحكمين شمالًا وجنوبًا. إن مصالحهم ضد مصالح شعوبهم وأمتهم، ولذلك لهم مصلحة في عدم التفاهم وعدم الحل. وعلى سبيل المثال فقط، فهم ينهبون الثروات، ويجبون الضرائب، ولا يصرفون المرتبات والمعاشات، ولا يقومون بأي خدمات أو إصلاحات، ويستلم بعضهم بالدولار، وهم فوق المساءلة».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news