يمن إيكو|تقرير:
تسبب إعلان الإغلاق الكامل لميناء إيلات بسبب تأثيرات الحصار البحري الذي تفرضه قوات صنعاء، بتفجير أزمة واسعة داخل إسرائيل، فبينما وصف هذا الإغلاق بأنه خسارة اقتصادية واستراتيجية كبيرة، بالإضافة إلى كونه انتصاراً تاريخياً لقوات صنعاء، احتدم النزاع على مسؤولية الفشل بين الشركة المشغلة للميناء والحكومة الإسرائيلية ووصل إلى حد التهديد بإلغاء عقد تأجير الميناء وتسليمه لشركة أخرى لن تكون أكثر قدرة على إيجاد حلول حقيقية لإعادة تشغيله في ظل استمرار الحصار اليمني الملازم لاستمرار الحرب في غزة.
تفاصيل الإغلاق:
وفقاً لبيان نقلته صحيفة “غلوبس” الاقتصادية العبرية، اليوم الخميس، ورصده موقع “يمن إيكو”: قالت هيئة الطوارئ الإسرائيلية إنه: “في أعقاب توقف ميناء إيلات عن العمل والوضع الاقتصادي الذي يمر به نتيجة الأزمة الراهنة، أبلغت بلدية إيلات إدارة الميناء بحجز جميع الحسابات المصرفية للميناء بسبب ديون مالية مستحقة للبلدية، وفي ضوء ذلك، ورد إشعار من هيئة الشحن والموانئ تتوقع فيه إغلاق ميناء إيلات ووقف جميع أنشطته ابتداءً من يوم الأحد المقبل”.
وأضافت الهيئة أنه: “في حال استمرار الوضع على هذا النحو، فمن المتوقع انخفاض في معدات الميناء وتضرر استمرارية عمله على المدى الطويل نتيجة توقف الرافعات والأنظمة الكهربائية وغيرها”.
ووفقاً لصحيفة “غلوبس” فإن الديون المستحقة على الميناء تبلغ قيمتها 10 ملايين شيكل (نحو 3 ملايين دولار) لبلدية إيلات، بما في ذلك ضرائب تصل إلى 700 ألف شيكل شهرياً، بالإضافة إلى 3 ملايين شيكل (نحو مليون دولار) من الرسوم المستحقة للحكومة مقابل استخدام البنية التحتية.
ونقلت الصحيفة عن بلدية إيلات قولها: “إن تحصيل الضرائب إلزاميٌّ قانوناً. وعلى مدار العامين الماضيين، وفي ضوء عواقب إغلاق الممر الملاحي بسبب تهديد الحوثيين، عمل رئيس بلدية إيلات، إيلي لانكاري، على دعم ميناء إيلات بكلّ الطرق وبالتعاون مع كلّ مسؤول حكومي، ولذلك تم البدء بحجز حساب الميناء، بعد المطالبات المتكررة بتسوية دين ضرائب البلدية الذي وصل إلى 10 ملايين شيكل، وتقديم مقترحات لتقسيم الدين”.
وقد جاء الإغلاق بعد هجمات عنيفة شهدها البحر الأحمر، قامت خلالها قوات صنعاء بإغراق سفينتين تتبعان شركات شحن تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية بما في ذلك ميناء إيلات.
وقال زعيم حركة “أنصار الله” عبد الملك الحوثي، إن تلك الهجمات جاءت على خلفية محاولات إسرائيلية لإعادة تنشيط ميناء إيلات من خلال الاستعانة ببعض شركات الشحن لكسر الحظر البحري المفروض من قبل قوات صنعاء.
ماذا يعني الإغلاق الكامل؟
بحسب هيئة الطوارئ الإسرائيلية فإن “إيقاف جميع أنشطة الميناء سيؤدي إلى تعطيل قاطراته وسفنه، ووقف تقديم المساعدة للقوات البحرية في منطقة البحر الأحمر، ووقف تصدير البوتاس من مصانع الجيش الإسرائيلي، ووقف تقديم المساعدة لخط أنابيب (آسيا -أوروبا) الذي يستخدم لنقل النفط الخام من ميناء إيلات إلى عسقلان”.
واعتبرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية أن “إغلاق ميناء إيلات له آثار أكبر بكثير من الأرباح والخسائر الاقتصادية، إذ يعتبر الميناء رصيداً وطنياً استراتيجياً ويعمل كبوابة جنوبية لإسرائيل”.
ونقلت الصحيفة عن إدارة ميناء إيلات قولها: “خلال أزمة كورونا أنقذت الحكومة شركات الأزياء والطيران التي تجني الآن الملايين، لكن بالنسبة للبنية التحتية الوطنية الأساسية لا أحد يرغب في إنفاق شيكل.. إن إغلاق الميناء أمر فظيع، إنه انتصار للحوثيين في الحرب ضد إيلات والاقتصاد الإسرائيلي”.
وقال أودي عتصيون، خبير شؤون النقل في موقع “والا” العبري” في تصريحات لإذاعة 103 الإسرائيلية: “هذا ميناء استراتيجي، وإغلاقه حدثٌ دراماتيكيٌّ حقاً لأنه يشكل انتصاراً للحوثيين.. لقد أغلقوا الميناء في وجهنا، حرفياً. منذ بداية الحرب لم يعمل هذا الميناء تقريباً بسبب توقف السفن الأجنبية عن الوصول إليه، وكان البوابة التي تمر عبرها جميع السيارات اليابانية والصينية”.
وأضاف: “هناك خسارة استراتيجية حقيقية هنا، كان ميناء إيلات يُعتبر بوابة استراتيجية إلى الشرق.. على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها، وأن تُقدّم نوعاً من المساعدة، وأن تُبقيه مفتوحاً في هذه الأثناء، إلى أن تُحلّ الأزمة مع الحوثيين.. هذا ميناء بالغ الأهمية، وقد عمل بكفاءة عالية أيضاً”.
ونقل موقع “بورت تو بورت” العبري عن المدير التنفيذي لميناء إيلات جدعون جولبر، قوله إنه “يجب على الحكومة ألا تسمح للحوثيين بتحقيق إنجاز دولي من خلال إغلاق ميناء بحري استراتيجي في إسرائيل، وهو إنجاز لم يتمكن أي من الأعداء من تحقيقه”.
واعتبر موقع “والا” العبري أن “الإغلاق يشير إلى فشل الدولة في الاستمرار بتشغيل ما عرف بأنه ميناء استراتيجي وبوابة إسرائيل إلى الشرق، وفشل الحكومة والمؤسسة الأمنية في إزالة التهديد الحوثي”.
نزاع حاد على الخسائر ومسؤولية الفشل:
كانت إدارة ميناء إيلات قد خاضت نزاعاً طويلاً مع الحكومة الإسرائيلية بشأن الخسائر القاتلة التي تكبدها الميناء نتيجة الحصار البحري اليمني الذي منع وصول السفن إليه بشكل كامل، حيث طالبت إدارة الميناء الحكومة عدة مرات بتقديم مساعدات مالية للتخفيف من تلك الخسائر، مهددة بتسريح الموظفين.
وبحسب صحيفة “غلوبس” العبرية فإن إيرادات الميناء هبطت من 212 مليون شيكل في 2023 إلى 42 مليون شيكل في عام 2024، وانخفض نشاطه من 134 سفينة في عام 2023 إلى 16 سفينة فقط في عام 2024، و6 سفن فقط في النصف الأول من هذا العام.
وبعد تفريغ 150 ألف سيارة في الميناء خلال 2023، لم يتم تفريغ أي سيارة خلال عام 2024، وخلال هذا العام أيضاً.
وفي يونيو الماضي قررت الحكومة الإسرائيلية منح ميناء إيلات تعويضاً مقداره 15 مليون شيكل (حوالي 5 ملايين دولار)، بشرط سداد رسوم الاستخدام التي لم يدفعها الميناء للدولة منذ اندلاع الحرب، والتي تجاوزت 3 ملايين شيكل، كما تم منح الميناء ضمانة لقرض يصل إلى 30 مليون شيكل، تم استخدام 16 مليوناً منها، حسب صحيفة “غلوبس”.
لكن يبدو أن خسائر الميناء المتزايدة كانت أكبر من المساعدات المالية، ففي تصريحات نقلتها إذاعة إيلات هذا الأسبوع ورصدها موقع “يمن إيكو”، قال الرئيس التنفيذي للميناء جدعون غولبر: “لا نريد أموالاً، نريد عملاً”، مشيراً إلى أن هناك قراراً مجمداً بفصل 11 موظفاً.
وبحسب أودي عتصيون من موقع “والا” فإن إدارة الميناء “تحاول الضغط على الدولة للتحرك”.
وقالت صحيفة “غلوبس” إن الحكومة الإسرائيلية “تنتقد عدم قيام الميناء بدفع مستحقات بلدية إيلات، في ضوء مخطط المساعدات الذي تقرر اعتماده، وفي ضوء خصخصة الميناء التي حققت للشركة المشغلة أرباحاً طائلة لمدة عقد من الزمن حتى اندلاع الحرب”.
الحكومة الإسرائيلية تهدد إدارة الميناء:
ارتفعت حدة النزاع بين إدارة الميناء والحكومة الإسرائيلية بعد الإعلان عن حجز حسابات الميناء والحديث عن إغلاقه بشكل كامل، حيث ذكرت القناة العبرية الثانية عشرة، اليوم الخميس، أن “المدير العام لوزارة النقل الإسرائيلية هدد بإصدار مناقصة جديدة لإدارة ميناء إيلات، إذا قام المشغل الحالي بإغلاق نشاطه”.
وبحسب تقرير نشرته القناة ورصده موقع “يمن إيكو”، فقد وجه الرئيس التنفيذي لشركة موانئ إسرائيل، بنحاس تسرويا، رسالة إلى مدير ميناء إيلات جدعون غولبر جاء فيها: “لا يسمح بوقف تشغيل ميناء أو جزء منه، إلا بموافقة الحكومة”.
وأضاف: “قيام الشركة المشغلة للميناء بوقف ميناء إيلات أو جزء منه، يتعارض مع أحكام القانون”.
وقال تسرويا إن: “تقليص نشاط الميناء، أو جزء منه، يشكل أيضاً خرقاً جوهرياً لاتفاقية تأجير الأرض، وهو ما يخول سلطة أراضي إسرائيل إلغاء الاتفاقية والاستيلاء على المناطق والأصول التي تم تسليمها لشركة الميناء، من أجل الحفاظ على الاستمرارية الوظيفية للميناء”.
وتابع: “شركة الميناء ملزمة بالتصرف وفقاً لالتزاماتها بموجب كل قانون، والاستمرار في تقديم خدمات الموانئ الضرورية لاحتياجات إسرائيل الأمنية ولاستمرارية عمل الاقتصاد الإسرائيلي”.
ونقلت صحيفة “غلوبس” عن مسؤولين حكوميين قولهم إنه “على الرغم من المناقشات الطارئة المزمع إجراؤها في الأيام المقبلة لمنع إغلاق الميناء، فإنهم يستعدون لمطالبة الشركة المشغلة للميناء بتحمل التكاليف وعدم تحميل الدولة، التي سبق أن قدمت الدعم بطرق مختلفة”.
مقترحات منفصلة عن الواقع: لا حل للأزمة
مع احتدام الأزمة وبروز الإغلاق النهائي للميناء كنتيجة حتمية للحصار البحري الذي تفرضه قوات صنعاء، في ظل فشل إسرائيل والولايات المتحدة في كسر هذا الحصار، قدمت إدارة الميناء، اليوم الخميس، مقترحاً لوزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات لإعادة تشغيل الميناء.
ووفقاً لتقرير رصده “يمن إيكو” من موقع “بورت تو بورت” العبري المختص بشؤون النقل البحري، فإن المقترح الذي قدمته إدارة ميناء إيلات يقضي بأن “تصدر وزارة الاقتصاد أمراً يلزم مستوردي السيارات باستيراد المركبات من الشرق عبر ميناء إيلات لفترة محددة، حيث ستقوم السفن التي تنقل المركبات من الشرق بتجاوز تهديد الحوثيين في البحر الأحمر [أي الإبحار حول أفريقيا] وتصل إلى إيلات عبر قناة السويس، وسيتم تقسيم تكلفة عبور القناة بين المستوردين وميناء إيلات والحكومة”.
وبحسب التقرير “تبلغ تكلفة مرور سفينة عبر قناة السويس حوالي 800 ألف دولار، ويقتضي المقترح بأن يتم تقسيم التكلفة بين إدارة ميناء إيلات (200 ألف) والمستوردين (200 ألف) والحكومة الإسرائيلية (400 ألف دولار)”.
وأشار الموقع إلى أنه “باعتبار تشغيل 3-4 رحلات شهرياً، فإن تكلفة الحفاظ على الاستمرارية الوظيفية للميناء الاستراتيجي في الجنوب، ورفع الحصار البحري عن إسرائيل، ستكلف الحكومة نحو 1.5 مليون دولار شهرياً، وسيمكن ذلك من عودة جميع الموظفين إلى ميناء إيلات”.
ونقل الموقع عن مدير ميناء إيلات جدعون غولبر قوله إن “هذا سيكون بمثابة صورة انتصار على الحوثيين”.
مع ذلك، أثار المقترح الذي قدمته إدارة الميناء انتقادات كبيرة، حيث نقلت صحيفة “معاريف” العبرية عن يلاد برشان، الخبير في شؤون الجمارك والشحن الدولي، قوله إن “هذه خطة منفصلة عن الواقع الاقتصادي”.
وأضاف: “إن مرور السفن عبر قناة السويس يطيل مسار الإبحار، وهذا لا يزيد فقط من تكلفة المرور عبر القناة، ولكن أيضاً الوقت المستغرق لاستخدام السفينة ونفقات الطاقم والتأمين والوقود، وكلها تنتقل في النهاية إلى المستهلك، وأي محاولة لفرض إيلات كوجهة للسفن بشكل مصطنع في ظل تغيير طرق التجارة العالمية لا معنى لها”.
وتابع: “في الواقع، هذا المقترح يحفز على تمديد الطريق بشكل غير ضروري ودفع رسوم عبور غير ضرورية سيتم تحويلها من خزينة إسرائيل إلى الخزينة المصرية”.
وقال الخبير الإسرائيلي إن “المقترح نفسه مضلل، فهو يتحدث عن تقسيم التكلفة بين الدولة والمستوردين وميناء إيلات، لكن عملياً، لا يمتص أي منهم التكلفة حقاً، ففي النهاية، كل ذلك ينتقل إلى المستهلك، ولا يهم إذا كان من خلال زيادة سعر السيارة، أو تكلفة النقل البري من إيلات، أو من خلال ميزانية الدولة. إنها نفقات عامة غير ضرورية”.
وأشار برشان إلى أن “كل دولار يضاف إلى تكلفة النقل يفرض ضرائب إضافية، حيث يتم احتساب ضرائب الاستيراد بناء على القيمة الإجمالية للمعاملة، بما في ذلك النقل، وهذا يعني أن الزيادة المصطنعة في أسعار المواصلات تعني ضرائب مضاعفة وغير ضرورية، مما سيضر بشكل مباشر بتكلفة معيشة جميع المواطنين الإسرائيليين”.
وأضاف أنه “حتى بعد التفريغ في إيلات، فإن التكلفة اللوجستية لا تنتهي عند هذا الحد، فالنقل البري من إيلات إلى وسط البلاد أغلى بكثير من النقل من ميناءي أشدود وحيفا، فحتى لو افترضنا أن التفريغ في إيلات سيقلل من الحمل في الموانئ الأخرى، فإنه سيزيد في الواقع من تكلفة سلسلة التوريد بأكملها.. هذه خطة تفرض تكاليف غير ضرورية على المستهلكين”.
وتشير هذه المعطيات بوضوح إلى أن الإغلاق النهائي للميناء قد أصبح بالفعل أمراً واقعاً في ظل عدم وجود أي حلول حقيقية لإعادة تشغيله بالشكل المطلوب والمفيد، فإجبار الشركة المشغلة للميناء على مواصلة نشاطها بدون أي إيرادات ليس حلاً، كما أن مقترحات الشركة لإعادة تشغيل الميناء غير واقعية بشكل واضح، وقد سبق أن فشل حل “المساعدات المالية”.
وفي ظل فشل المحاولات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية لوقف هجمات قوات صنعاء على السفن المرتبطة بإسرائيل، يبدو أن الحل الوحيد يكمن في إنهاء الحرب على قطاع غزة بشكل نهائي، لأن اتفاقاً جزئياً مثل الهدنة التي تم التوصل إليها في يناير الماضي، لم يكن كافياً لرفع عقوبات قوات صنعاء على السفن الإسرائيلية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news