السجن في زمن المليشيا: حين تُصبح الذاكرة طوق نجاة

     
موقع الأول             عدد المشاهدات : 94 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
السجن في زمن المليشيا: حين تُصبح الذاكرة طوق نجاة

كتاب الرأي

بكيل الخالدي

لن أتحدث – كما جرت العادة – عن السجن من زاوية التعذيب والجوع والمرض والموت، ولا عن تلك التفاصيل التي جعلت من سجون الحوثيين واحدة من أبشع تجارب الاعتقال في تاريخ الإنسانية. بل سأتحدث عن وجهٍ آخر، وجه لا يُرى إلا هناك؛ في سجون المليشيا التي انغمست بوحشية في انتهاك كل ما أقرّته القوانين والأعراف الدولية من حقوق.

هناك، في عتمة تلك الزنازين، يتحول السجن من مكان للعقوبة إلى فضاء للترويع والانتقام، ومسرح للموت البطيء. وجه السجن الذي أتحدث عنه لا تُجسّده الكلمات، ولا يمكن للحديث أن يدينه بما يكفي، لأنه أعمق من أن يُختصر أو يُفهم دون معايشة.

السجن كشرطٍ للعدم

إنها تجربة لا تُفهم إلا بالخوض فيها. وكلما طالت، كشفت عن وجوه وأصوات دفنتها المعاناة. لكن، أي معرفة تستحق أن تخوض الجحيم من أجلها؟ وما عليك، حين تُلقى هناك، إلا أن تلملم بقايا قوتك لتصف أقل القليل من واقعٍ هائلٍ في قسوته.

سأتحدث عما تبقى في الذاكرة... عن ذاكرة السجن.

فالسجن، في جوهره، هو حالة نفي كليّ للإنسان. تُجبر فيه على تقطير حياةٍ افتراضية من حجر الذاكرة، وتُدفع – رغمًا عنك – إلى نسج عالمٍ متخيّل في مكان خاوٍ صلب. تُحرَم من كل أشكال الحياة، فيصبح كل ما يُبقيك قائمًا هو ما تحمله من ذكريات.

أنت هناك، بكامل مشاعرك وتفاصيلك، في غيابٍ تام. لا حضور لك في الحاضر. لا هو حياةٌ تُعاش، ولا موتٌ يُريح. إنه المنصة التي تُصعَد إليها قسرًا، ليُلفّ حبل المشانق حول عنقك. وتجد نفسك معلّقًا، كأنك على وشك السقوط في هوة الموت، ممسكًا بالحياة فقط عبر رؤوس أصابعك التي تمنع جسدك من الانزلاق.

اختراع الحياة داخل المقصلة

في هذا التوتر المشدود حتى حده الأقصى – لا لساعات أو أيام، بل لسنوات – تجد نفسك مضطرًا لأن تخترع الحياة. تصبح الذاكرة سلاحك الوحيد في مواجهة جحيمٍ لا يُطاق. تتشبث بها كما يتشبث الغريق بقشة، وتعيد من خلالها بناء روحك المهشّمة كل يوم.

في السجن، نحن لا نعيش... نحن نخلق الحياة من العدم. نمنح ذاكرتنا القدرة على اختراع حياة كاملة، نخترع أشخاصًا نحبهم أو نكرههم، نخوض معهم معارك ننتصر فيها أو نُهزم. نخترع نساءً نشتاق إليهن، نبكي عليهن، ونسكن إليهن كما لو أننا نصلّي. وإذا ابتعدن عنّا، نحزن كما لو كنّ حقًا معنا. وقد نحاول الانتحار أيضًا.

من لا يُجيد فن اختراع الحياة في السجن، قد يُسحبه اليأس إلى الموت. فالسجن، هذا الحيز الذي يفصل بين الحياة والموت، يجعل من الذاكرة طوق نجاة. وحدهم من عرفوا قسوة الزنازين، كحال آلاف المعتقلين في سجون الحوثي، يدركون حقيقة هذه الذاكرة، وكم هم بحاجة إليها.

السنوات التي تتكرر بلا معنى، تجعل الذاكرة عطشى. تصبح صحراء شقّها الظمأ، وتحاول جاهدة أن تصون ما تبقّى من ماء الحياة فيها. ولأننا نخاف أن تموت الذاكرة فتموت أرواحنا معها، نظل نبحث عن ما يسقيها... ولو بقطرة.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

خالد سلمان يكشف عن زلزال عسكري قادم نحو تعز والبيضاء.. وساعات لحسم مصير محور الجبولي

نافذة اليمن | 754 قراءة 

اليمن مات. وهذا ما سيحلّ مكانه!

الوطن العدنية | 694 قراءة 

عودة علي سالم البيض إلى عدن بعد سنوات من الغياب.. ورسالة برلمانية حول الوحدة اليمنية

نيوز لاين | 648 قراءة 

اول ضربة جوية على قوات الانتقالي بوادي حضرموت (تفاصيل)

مراقبون برس | 524 قراءة 

عملية استباقية نوعية لشرطة مأرب.. اعتقال قيادي حوثي كُلف بإدارة الخلايا الإرهابية خلفاً للقيادي المعتقل “أحمد قطران”

بران برس | 515 قراءة 

إعلان رسمي: أول مدينة في اليمن تحظر السلاح وتتوعد المخالفين بالعقوبات

نيوز لاين | 512 قراءة 

هل تستخدم السعودية القوة لإخراج قوات الانتقالي من حضرموت والمهرة؟

الوطن العدنية | 482 قراءة 

منفذ الوديعة يفرض شرطاً جديداً على المغتربين اليمنيين

المشهد اليمني | 405 قراءة 

هل اكتشفت الرياض أن قوات الدرع التي بنتها غير جاهزة للمواجهة؟

الوطن العدنية | 382 قراءة 

شرطاً جديداً يفرضه منفذ الوديعة على المغتربين اليمنيين

يمن فويس | 344 قراءة