صالح .. بوصلة اليمن المفقودة

     
المنتصف نت             عدد المشاهدات : 49 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
صالح .. بوصلة اليمن المفقودة

صالح .. بوصلة اليمن المفقودة

قبل 2 دقيقة

في تاريخ اليمن المعاصر، تتصدر سيرة الرئيس علي عبدالله صالح مشهد التحولات الكبرى، باعتباره أحد أبرز القادة الذين ارتبطت أسماؤهم بمحطات مصيرية عاشتها البلاد. فالرجل قد شكّل لعقود طويلة بوصلة سياسية، ومرتكزًا للاستقرار، وفاعلًا محوريًا في صياغة ملامح الدولة اليمنية الحديثة. وفي عيد ميلاده السياسي وذكرى توليه سدة الحكم توجب أهمية الحدث أن نحتفي به، لذا سنصول ونجول ونطوف ونعرِّج ونغوص بحرف الكلمة في أعماق الحقبة التاريخية للرجل، استذكاراً لمناقبه وانجازاته، فالرجل مدرسة ملهمة نستلهم منها فن التعامل مع الواقع اليمني سياسياً وإدارياً علنا نخرج من عنق الزجاجة الذي طال إطباقه بنا.

في الـ ١٧ من يوليو ١٩٧٨م، تولّى الزعيم علي عبدالله صالح رئاسة البلاد (اليمن الشمالي)، في لحظة فارقة كانت مليئة بالاضطرابات والانقلابات، ورغم صعوبة الظروف، سرعان ما أثبت الرجل قدرة عالية على الإمساك بزمام السلطة، وقيادة الدولة نحو الاستقرار الداخلي، وإعادة ضبط المعادلات العسكرية والقبلية والسياسية. وبعد نحو ١٢ عامًا، كان صالح هو قائد لحظة تاريخية تمناها اليمنيون طويلًا، حين أعلن في ٢٢ مايو ١٩٩٠ قيام الوحدة اليمنية بين الشطرين الشمالي والجنوبي، ليصبح أول رئيس للجمهورية اليمنية الموحدة.

لم تكن الوحدة هي المنجز الوحيد للرئيس صالح، بل كانت الأهم، ويضاف إليها العديد من منجزاته التي لا تُنكر في مختلف الأصعدة، ففي ظل تعقيدات المشهد اليمني، ساهم الرجل في بناء مؤسسات الدولة الحديثة، بما في ذلك الأجهزة العسكرية والأمنية والإدارية، مع محاولة الدمج بين النسيج القبلي والمدني ضمن إطار دولة واحدة. وكذا عمل على تعزيز البنية التحتية والتنموية حيث شهد اليمن في عهده توسعًا في شبكات الطرق، وبناء المدارس والمستشفيات، وإيصال خطوط الكهرباء لمعظم المدن وغيرها من المنجزات الخدمية، وفي صعيد السياسة الخارجية تمكن الرئيس صالح من الحفاظ على علاقات متوازنة بين مختلف القوى الإقليمية والدولية، حيث عُرف بقدرته على المناورة السياسية بين المعسكرات المختلفة والمتضادة، ما مكّن اليمن من البقاء حاضرًا في محيطه العربي والدولي رغم التحديات.

أما على الصعيد السياسي الداخلي سمح الرجل بتعدد الأحزاب - رغم انقلابها عليه - وساهم في نشأتها لإرساء نهج الديمقراطية، حيث أُجريت انتخابات رئاسية وبرلمانية متتالية بل واستمر قطار النهج الديمقراطي في مساره ليصل لمحطة الانتخابات التنافسية (المحدودة) على مقاعد المجالس المحلية لإدارة المحافظات من قبل أبنائها، وتلك خطوة متقدمة ومتطورة هدفت لتخفيف المركزية السائدة من ناحية، ومن ناحية أخرى لتكون دليلاً شاهداً لما وصلت إليه اليمن في عهد الرئيس صالح في منهجية التداول السياسي المؤطّر دستورياً، كل ذلك اعتُبر خطوة مهمة في طريق تعزيز التعددية السياسية والمشاركة الشعبية في إدارة الدولة وسلطة الحكم آنذاك. وهو أمرٌ يثقل ميزان الرجل ويُعلي رصيدَ انجازاته السياسية.

واذا تسائلنا عن سبب الاستقرار الذي أنعم الله به على اليمن في عهد الرجل، فالحقيقة أنً الزعيم كان قائداً خاصّاً تفرَّد بفهمه لليمن كما لم يفهمه حاكم من قبله، ولا من بعده، فقد عرَف الرجل طبيعة اليمن، وأدرك أنّ إدارة بلد بهذا التنوع والتداخل تتطلب مهارة استثنائية لإدارته، فامتلك قدرة على التعامل مع القبائل، والعسكر، والأحزاب، ورجال الدين، والمجتمع المدني، وهو ما جعله حاضرًا في أدق تفاصيل المشهد، ومؤثرًا في مساراته الكبرى. ومنذ استشهاده في ديسمبر ٢٠١٧، رحمه الله، بدا المشهد اليمني أكثر ارتباكًا، وأكثر قابلية للتشظي، وواقعنا المرير اليوم شاهد على ذلك، فالرجل الذي عرَف كيف يبني التوازنات ويُبقي الجسور ممدودة بين الجميع، لم يترك خلفه فقط فراغًا سياسيًا، بل فراغًا في إدارة اللحظة، وفهم تعقيداتها، لم يستطع مَن بعده سدّ ذلك الفراغ ولا استيعابها حتى، للأسف.

وبعيداً عن أي تمجيد، فإنه ورغم تعدد القوى وتنوّع المبادرات، إلا أنّ الكثيرَ من اليمنيين لا يزالون يستحضرون تلك المرحلة التي مثّل فيها صالح محورًا للاستقرار، حتى في أحلك الظروف ويحنّون إليها، فالرجل لم يكن مجرد رئيس حكم اليمن لثلاثة عقود، بل كان ظاهرةً سياسيةً طبعت الوجدان الوطني، ومرحلةً لا يمكن تجاوزها عند الحديث عن الدولة اليمنية الحديثة. لقد كان حاضرًا في تفاصيل اليمن الكبير، ملامسًا نبض القبيلة والمدينة، وممسكًا بخيوط الداخل والخارج في آنٍ معًا.

ورغم اختلاف المواقف حوله، إلا أنّ الثابت في الذاكرة الجمعية لليمنيين أن الزعيم صالح كان بوصلة لبلدٍ شديد التعقيد، اِستطاعَ أن يحفظ له تماسكه وسط تحديات كبرى. واليوم، وبعد أن غاب الجسد، بقيت البصمة، وبقيت الأسئلة الكبرى التي لا تزال تبحث عن إجابات في غياب تلك البوصلة.

ختاماً، إنّ استذكارنا لهذه المرحلة ليس حنينًا إلى الماضي بقدر ما هو قراءة لواقعٍ يتلمَّس فيه اليمنييون طريقَهم نحو الاستقرار المفقود والتوازن المنشود، مستحضرين من ذاكرة التاريخ رجلاً لم يكن عاديًّا أو عابرًا بل كانَ -بكل المقاييس وشواهد الزمان والمكان- أحد أعمدة اليمن الحديث.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

احمد علي يسامح جماعة الحوثي! (اعلان)

جهينة يمن | 919 قراءة 

جريمة مروعة.. اغتصاب وقتل فتاة يتسبب في وفاة والدتها

كريتر سكاي | 543 قراءة 

عقب نقله إلى السعودية...مصير غامض لقائد عسكري كبير في الجيش اليمني

جهينة يمن | 499 قراءة 

الكشف عن الدولة التي طبعت العملة الحوثية المزورة فئة 200 ريال

تهامة 24 | 477 قراءة 

تعيين ابنة مسؤول كبير بوزارة الدفاع بمنصب بالسفارة اليمنية في تركيا

كريتر سكاي | 451 قراءة 

بشان الإنترنت...بشرى للمستخدمين: الاتصالات في صنعاء تكشف عن هذا الامر

جهينة يمن | 418 قراءة 

ترقب قرار سعودي بشأن اليمن

كريتر سكاي | 403 قراءة 

محلل سياسي سعودي يهاجم التحالف.. صنعتُم رؤساء ومجالس وفصائل.. وتنتظرون دولة؟

يني يمن | 375 قراءة 

سعر الريال السعودي في عدن وحضرموت اليوم الجمعة 18 يوليو 2025

المشهد العربي | 298 قراءة 

هزت العاصمة صنعاء...من هم آل بادي؟.. القصة وراء اعتداء وحشي على طفل

جهينة يمن | 295 قراءة