كتب : وهيب الحاجب
حملتْ كلمات رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء عيدروس الزبيدي، في اجتماعه اليوم الأربعاء بقيادة المجلس وهيئاته ووزراء الانتقالي بحكومة المناصفة.. حملت إشاراتٍ سياسيةً واقتصادية وتنظيمية، عكست إدراك الرجل لصعوبة المرحلة وتعقيداتها، غير أن هذا الخطاب، رغم توازنه الظاهري، كشف عن مفارقة جوهرية هي أن الانتقالي مكبل بشراكة سياسية مع أطراف تعمل ضد قضيته ومشروعه وضد تطلعات ومصالح شعب الجنوب، وهو ما يضع علامات استفهام منطقية ومشروعة بشأن جدوى هذه الشراكة وآفاق استمرارها.
إقرار الزبيدي بأن الاحتجاجات في عدن تمثل "تعبيرًا مشروعًا عن معاناة حقيقية"، يشكل خطوة إيجابية على مستوى الخطاب، لكنه لا يعفي المجلس من مسؤوليته المباشرة عن تدهور الأوضاع المعيشية والخدمية، لاسيما في المناطق الخاضعة فعليًّا لسيطرته.
الانتقالي ومن خلال كوادره داخل الحكومة والرئاسي وفي كل مفاصل السلطات المحلية، جزء من السلطة التنفيذية، وهذا يضعه أمام مسؤولية برأسين، أولهما الدفاع عن مطالب الشارع، وثانيهما تقديم حلول واقعية دون التمادي في التبريرات.
لعل أبرز ما تضمنه الخطاب هو الإشارة الضمنية إلى أن المجلس يعمل ضمن "شراكة" في الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، لكنه لم يُفصح عن أن هذه الشراكة باتت عبئاً سياسياً واستراتيجياً، إذ يواجه الانتقالي طرفًا (في الشرعية) يتبنى سياسات معاكسة تمامًا، تهدف إلى إظهاره (الانتقالي) كفاشل أمام شعبه، واستنزاف رصيده الجماهيري.. تبدو حالة العجز عن تقديم الخدمات أو اتخاذ قرارات سيادية انعكاسًا مباشرًا لهذا التناقض الداخلي، حيث يدير الشريك الآخر، في الخفاء أو العلن، لعبة شد الحبل، بغرض تحويل الغضب الشعبي من السلطة المركزية إلى السلطة المحلية، أي إلى المجلس الانتقالي تحديدًا.
خطاب الزبيدي خلا من أي لهجة تصعيدية حقيقية تجاه الطرف الآخر في الشراكة (حكومة الشرعية اليمنية)، رغم وضوح المعطيات التي تُظهر استهدافاً ممنهجًا للانتقالي وحاضنته، سواء عبر تعطيل الخدمات، أو عرقلة الرواتب، أو غيرهما من الممارسات المكشوفة.. هذا التجنب الواضح للصدام، وإن كان يُفهم في إطار الحرص على عدم انهيار المجلس الرئاسي، إلا أنه قد يُفقد الانتقالي جزءاً من الثقة الشعبية التي طالما ارتكزت على صراحة الخطاب وجسارة الموقف لا على الدبلوماسية الناعمة.
حديث الزبيدي عن "ضخ دماء جديدة" في المؤسسات الانتقالية يعكس اعترافاً ضمنياً بوجود ترهل تنظيمي وتقصير في الأداء المؤسسي، وهو أمر قد يعزز ثقة الشارع إذا ما جُسّد في تغييرات ملموسة.
غير أن هذه العملية، إن لم تكن مصحوبة بإصلاح داخلي حقيقي وآليات رقابة ومحاسبة، فستبقى مجرد عملية تجميل تنظيمي لا تمس جوهر المشكل.
جدد الزبيدي تأكيد الشراكة مع التحالف العربي، خصوصًا السعودية والإمارات، وهو موقف ثابت ضمن خطاب المجلس، غير أن هذا التكرار بات يُطرح اليوم من قِبل القواعد الجنوبية بقلق، مع تصاعد الشعور بأن هذه الشراكة لم تعد ضامنة لمصالح الجنوب، لا سيما مع تغاضي التحالف عما يتعرض له الانتقالي من ضغوط سياسية واقتصادية من قبل أطراف شمالية متنفذة في الشرعية ومدعومة مباشرة من التحالف.
خطاب الزبيدي حمل إدراكاً للأزمة، لا رؤية واضحة للحل، تطرق إلى المعاناة لكنه لم يضع خطة ملموسة لمواجهتها، أشار إلى العراقيل لكنه لم يسمّ الفاعلين، تحدث عن الشراكة لكنه لم يشرح حدودها ولا جدواها، زعم شجاعة لكنه لم يبدِ شيئا منها؛ وبالتالي يجب قولها ومن الآخر.. إذا أراد الانتقالي الحفاظ على تماسك حاضنته الجنوبية، فعليه أن يصارحها بالحقائق كما هي، لا كما تقتضي حسابات التوازنات المؤقتة، عليه أن يغادر مربع التبرير إلى مربع الفعل، عيه أن يدرك أن الشراكة التي تُقيّدك وتُضعفك ليست شراكة بل كمين سياسي محكم وله ما بعده من الكمائن والمؤامرات..!!
#وهيب_الحاجب
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news