الشاهد برس | عبدالسلام المساجدي.
في أول لقاء مباشر جمعني بمعالي وزير_الصحة والبيئة في حكومة صنعاء الدكتور علي عبدالكريم شيبان وجدت نفسي أمام مسؤول يندر وجوده في مشهدنا العام : خطاب رصين، ووعي مهني نافذ، وجرأة محسوبة في مواجهة أحد أكثر الملفات حساسية في القطاع الطبي اليمني، وهو ملف “العمولات والنسب” التي باتت تشكل سرطانًا صامتًا يفتك بالمنظومة الصحية والطبية ويثقل كاهل ملايين المرضى لا سيما أولئك المصابين بأمراض القلب.
بمكاشفة صريحة وبأسلوب يلامس وجع الناس تحدّث الوزير عن الانحرافات الأخلاقية التي تسللت إلى صميم الممارسة الطبية : مستشفيات تمنح النسب، أطباء يتقاضون عمولات على حساب أرواح المرضى، شركات_دوائية تلهث خلف الأرباح وتتعامل مع الأدوية والمستلزمات الطبية باعتبارها صفقات تجارية لا أدوات لإنقاذ الحياة.
لكن الأهم في حديث الوزير لم يكن التشخيص، بل الإرادة السياسية التي أعلنها بوضوح: لا مكان للنسب والعمولات في مؤسسات الصحة العامة، ولا مساومة على مبدأ أن الطب رسالة إنسانية قبل أن يكون مهنة.
ومن أولى خطوات التصحيح التي بادر بها الوزير قرار حاسم بمنع النسب في عمليات تركيب الدعامات الصممات
القلبية، ليتم تخفيض تكلفة العملية من مليون
ريال (دون الدعامة) إلى مليون ريال شاملة الدعامة، رغم أن هذا السعر – كما أشار الوزير نفسه – لا يزال مرتفعًا مقارنة بتكلفته الحقيقية، مؤكدا عزم الحكومة على إجراء تخفيضات إضافية في قيمة عمليات تركيب الدعامات القلبية في المستقبل القريب.
الخطوة الجرئية كشفت حجم الفساد المتجذر، حيث واجه القرار رفضًا ومعارضة واسعة من قبل الأطباء المستشفيات الشركات الدوائية التي أدمنت جني الأرباح من آهات المرضى وابتزاز ذويهم.
لقد فضح الوزير شيبان، دون ضجيج، واقعًا مظلمًا طالما تحاشى الكثيرون الخوض فيه وكشف الغطاء عن شبكات تتربح من المرض، وتخشى الإصلاح، وتستشعر الخطر حين تُهدد مصالحها الخاصة.
وهنا اتضح لي – كما اتضح لكثيرين – سبب الحملة_الإعلامية المسعورة التي تحاول النيل من هذا الوزير، لا لشيء سوى لأنه اختار أن يعمل في صمت ويواجه المافيات التي اختطفت المهنة الطبية، ويرفع شعار: “الطب ليس تجارة، بل إحسان ورحمة”.
هي معركة أخلاقية قبل أن تكون إدارية، ومعركة ضمير في زمن اختلط فيه الطب بالأطماع ووزير الصحة اليوم، بقراراته وخطابه، لا يمثل فقط وزارة … بل يمثل أملًا بأن ما فسد يمكن إصلاحه وبأن صوت المريض – مهما خفت – لا بد أن يُسمع.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news