الحوثيون والتعليم العالي… حين تتحول الجامعات إلى إقطاعيات والكوادر إلى أهداف
قبل 1 دقيقة
في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي الارهابية، لم يعد التعليم العالي حرمًا أكاديميًا يُصان، بل بات ساحة أخرى تُنهب وتُخضع، تُخنق فيها الكفاءات، وتُختطف فيها القيم العلمية لصالح الولاء والطاعة. ما يحدث في جامعات صنعاء ليس مجرد انتهاك إداري، بل جريمة ممنهجة تمس العمود الفقري لبناء الأوطان: العقل والفكر.
في مشهد فيه الكثير من الفساد وقليل من الحياء، كشفت مصادر من داخل جامعة العلوم والتكنولوجيا بصنعاء عن سلسلة تعيينات عائلية أقرها المدعو "قاسم عباس شرف الدين"، منتحل صفة رئيس الجامعة، والمعيَّن من قبل الجماعة الحوثية التي صادرت الجامعة وجعلتها ــ عمليًا ــ ملكية خاصة.
ففي خطوة تعكس عقلية الإقطاع والتمكين، عيّن "شرف الدين" نجله علي قاسم شرف الدين مديرًا لمكتبه، رغم مخالفة التعيين للوائح الجامعة، كما منح مناصب حساسة لعدد من أقاربه، من بينهم علي محمد شرف الدين مسؤول الدعم الفني، وعلي يحيى شرف الدين مستشارًا ثقافيًا ومشرفًا على الأنشطة، في مشهد يختصر كيف يتم تحويل مؤسسة أكاديمية إلى كيان عائلي خاضع.
هذه الخطوات لم تكن سوى امتداد لمسلسل التمكين الحوثي في قطاع التعليم العالي، والذي بدأ منذ سنوات بتعيين الحراس القضائيين وفرض القيادات الموالية، وانتهى بتحويل الجامعات إلى منابر تعبئة طائفية ومصادرة شاملة للقرار الأكاديمي.
ولا يتوقف الأمر عند التعيينات. فالانتقام من الأصوات الحرة جزء أصيل من هذا النهج.
الدكتور محمد الظاهري، أستاذ العلوم السياسية المعروف، وجد نفسه ضحية قرار تعسفي بقطع مستحقاته المالية، رغم حالته الصحية الحرجة. القرار جاء بتوقيع نائب الشؤون الأكاديمية الحوثي إبراهيم المطاع، بلا مراعاة لوضعه الإنساني أو احترام لتاريخه الأكاديمي.
عائلة الدكتور الظاهري وصفت القرار بأنه انتهاك أخلاقي وإنساني فاضح، مؤكدين أن الميليشيا تجاهلت أبسط حقوق الموظف المريض، وهو مؤشر على سياسة ممنهجة لتصفية الكوادر التي لا تركع.
وفي مشهد آخر لا يقلّ قسوة، كشف الأكاديمي إبراهيم الكبسي عن خشيته من الاختطاف بعد أن نشر تدوينة على منصة "إكس" يهنئ فيها ابنه بتفوقه في الثانوية العامة. الكبسي – الذي سبق أن اختُطف وتعرض للاعتداء – كتب بمرارة:
"هل سيتم اعتقالي لكتابتي هذا الخبر؟"
، في جملة تلخص كيف أصبحت حتى المشاعر الطبيعية في ظل الحكم الحوثي مدانة ومراقبة.
هكذا تبدو ملامح المشهد:
جامعات تتحول إلى إقطاعيات عائلية.
أساتذة يُعاقبون بالفصل والتجويع.
أكاديميون يُكمّمون، ويُرهبون، ويُجبرون على الصمت.
والفرح البريء بنجاح ابن قد يتحول إلى "جريمة منشور" تستوجب العقوبة!
في ظل هذا الواقع القاتم، يصبح الحديث عن التعليم العالي في مناطق الحوثيين حديثًا عن مأساة وطنية، لا فقط قطاعًا متعثرًا. فالميليشيا لا تكتفي بتلغيم العقول في المراحل الأساسية، بل تعمل على تفريغ الجامعات من مضمونها الأكاديمي وتحويلها إلى أدوات تطويع وتدجين.
ختامًا، يبقى السؤال:
كم من الظواهريين والكبسيين يعيشون تحت القهر ذاته؟
وكم من جامعاتنا سُرقت منا في وضح النهار؟
الجواب مرّ، لكنه واضح:
ما لم تُسترد الجامعات من قبضة الطغيان الحوثي، فسيبقى التعليم في مناطقهم مجرد "مشروع سلطة"... لا مشروع علم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news