كرس الكاتب والروائي العماني والإعلامي المبدع سليمان المعمري مساحة من وقته في الماضي القريب لكشف “لصوص الكلمة” عشاق الشهرة من يفرحون برؤية أسمائهم تتصدر مقالات في زوايا الجرائد، وهي في الأصل مسروقة من كتب أو من بحر الإنترنت وما أدراك ما بحره العميق. ويا له من رجل صبور ودؤوب حين عرج بعد ذلك على لصوص الأبحاث العلمية وكشف بعضهم، وأخيراً انتقل سليمان إلى كشف من يطلبوا من فانوس الذكاء الاصطناعي مقالات تنشرها لهم مواقع الصحف بسهولة ويسر.
كلنا نعرف أساليب بناء الجملة والمداخل والمطالع وطرائق الغباء الصناعي في كتابة الفكرة وأشهرها تلك التي تبدأ ب: في عالم يسوده أو في لحظة لم يعد فيها أو في زمن أصبحت فيه، ثم في المتن يتداعى الذكاء التوليدي ليقول: ليست كذا مجرد كذا وكذ بل إنها كذا وكذا، وإذا كان كذا فإن كذا وغيرها من التنميطات اللفظية والخواتيم والخلاصات المرتبة على طريقة وصي يلقن طلابا جائعين لمعارفه.
دوافع سليمان رفيعة الغايات ومنشؤها الضيق بالزيف والعمل قدر الإمكان على الحد من انتشاره في مهنة الكتابة، لكن آخرين دوافعهم مختلفة عنوانها التشكيك والرغبة في إسقاط غيرهم أرضا بضربة حظ في برنامج من بين مئات البرامج المصممة على أساس كشف نسبة كتابة الإنسان في المحتوى مقابل نسبة الآلة. بعضها برامج منطقية ومنصفة وبعضها اكتشفت أنه يحيل كل ما تضعه له من كتابة إلى مدونة التوليد وشبهة الاعتماد على الذكاء غير الإنساني.
لم أتردد في المسارعة إلى استخدام البرنامج إياه في امتحان كتابات العشرات من الأسماء وبعضهم مشاهير جدا، فكانت النتيجة أنها كتابات ذكاء اصطناعي بنسبة تتراوح بين الثمانين والتسعين وحتى ال 100%.
ولأن هذا بالطبع أمر غير معقول توصلت إلى نتيجة من ثلاثة خيارات لا رابع لها: إما أن يكون البرنامج مخطئا وغير دقيق، وإما أن الناس قد أدمنوا بالفعل الاعتماد على توليد المحتوى اصطناعيا، وإما أن العقول وملكات الكتابة في الأصل قد تشبعت بفعل قراءة الكتب المترجمة بأسلوب آلي لا روح فيه، وبالتالي أصبح أسلوب كتابة الآلة مستوعب في ملكاتنا وصرنا نكتب بالطريقة نفسها من قبل ظهور هذه التقنية، وهذا ما يفسر سقوط الكتابات التي اخترتها بعشوائية في امتحان ذلك البرنامج، علما أن غيره من البرامج لا يظهر النتيجة نفسها التي تحيل كل مكتوب بالعربية باستثناء النص القرآني ( ربما بسبب فواصل الآيات المرقمة والتشكيل الشامل لكل الحروف).
كانت المفاجأة عندما وضعت بعض مقالات العزيز سليمان المعمري في الخانة المخصصة بالبرنامج إياه، وقلت لنفسي إذا أظهر البرنامج نتيجة تفيد أن مقال سليمان من توليد الذكاء الاصطناعي فالخلل في البرنامج أو في لغتنا المعاصرة التي نكتب بها وأنها قد فقدت الخصوصية وأصبحت شبيهة بلغة الآلة، وبالفعل ظهرت النتيجة أن المقال الأول الذي وضعته لسليمان 100% ذكاء اصطناعي، وجربت مقال آخر له فظهرت النتيجة مماثلة وتشير إلى تطابق تام مع أسلوب تشات جي بي تي، وفي المقال الثالث ظهرت نتيجة امتحان مقال آخر لسليمان 83% لصالح تشات جيي بي تي.
أخيرا قررت الذهاب إلى أقدم مقال لسليمان تمكنت من الوصول إليه منشور سنة 2021 قبل ظهور تشات جي بي تي وكل نظرائه من البرامج، وضعت المقال في الخانة المخصصة كما يفعل هواة التشكيك في كتابات الجميع وظهرت النتيجة أن المقال مكتوب بتشات جي بي تي بنسبة 99.09% ولكن يا أعزائي لم يبدأ استخدام تشات جي بي تي في المنطقة العربية ولو بشكل غير رسمي إلا في ديسمبر 2022 فكيف ظهر على أحد برامج اختبار إنسانية النصوص أن المقال المنشور في منتصف عام 2021 مكتوب بالذكاء الاصطناعي قبل ظهور هذه الأداة من الأساس؟
دعونا نتفق أن الذكاء الاصطناعي هو صنيعتنا وجرى تدريبه على إرث البشر من المعارف والكتابات، وأضيف أن بروز ما يبدو لدينا فقدان هوية وخصوصية عربية في الكتابة وانعدام التمايز في الأساليب سببه كما قلت إدمان قراءة الترجمات الخالية من روح لغتنا العربية، لذلك نتشابه مع بعضنا البعض ومع الآلة حتى في كتابات نشرت منذ التسعينيات.
ذهبت أبعد من ذلك واخترت مقطعا من مادة قديمة من ترجمة الناقد والأديب البحريني المعروف أمين صالح وظهرت النتيجة 80.91% مكتوب بواسطة الذكاء الذكي هههه
طبعا هذا غير صحيح لأن مقالة أمين صالح منشورة في 11 إبريل 2007 قبل أن تحبل أم الذكاء الاصطناعي.
ختامًا:
وبناء عليه وطبقًا لعدة تجارب وبشهادة الأصدقاء من ذوي الخبرة كما ورد في التعليقات، اتضح أن عددا لا بأس به من تلك البرامج ذات طابع تجاري وأن هدفها دفع المستخدم للاشتراك فيها، بخلاف برامج أخرى لفحص النصوص مفتوحة المصدر ولا تهدف للربح، ونتائج اختبار المقالات العربية فيها أكثر دقة وموثوقية.
ولا عزاء للمتقاعدين من الأدب والأخلاق الذين لا هم لهم إلا تقليب مقالات الآخرين والشعور بالتقزم أمامها واتهام أصحابها أنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي، ودليلهم الذي يستشهدون به ويعتمدون عليه برامج تجارية تخبرك أن كتابات من القرن الماضي مكتوبة بالذكاء الاصطناعي!
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news