قصة كنز الضالع (الحلقة الأخيرة)

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 71 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
قصة كنز الضالع (الحلقة الأخيرة)

كان المصابون بحمى الكنز على وشك إيقاف الحفر للاستراحة من شمس الظهيرة الحارقة، حين فاجأهم هدير محركات الأطقم العسكرية التي يقودها العقيد فضل ضلعان. فتجمدوا في أماكنهم وهم يرون الأطقم تحاصرهم وتطوق الحفرة من كل جانب.

ترجّل العقيد فضل من سيارته وخلفه جنوده، وإلى جواره وقف الغريب الذي حلم بالكنز يراقب المشهد بهدوئه الشيطاني المعتاد.

صرخ العقيد فضل بصوتٍ عالٍ:

– بأمرٍ من سلطة الدولة، هذا الموقع يخضع الآن للحماية العسكرية! وأي محاولة للاقتراب ستقابَل بالقوة!

تراجع الأهالي وقبضاتهم تشتد على معاولهم، وارتسمت على وجوههم خيبة ممزوجة بغضبٍ لضياع جهدهم سدىً في الحفر. وبدأوا ينظرون بحقد إلى الغريب الذي غادر بخبثٍ مثل الثعلب ثم عاد وجلب معه الأطقم العسكرية. هكذا انقلب المشهد رأساً على عقب، وفي لحظة فارقة تحول أصحاب الأرض من أسياد الكنز المحتمل إلى سجناء في قريتهم، يشاهدون الجنود وهم يكملون الحفر، وآخرين يحرسون الحفرة بالرشاشات من فوق الأطقم.

لكن عدوى الكنز لم تتوقف عند العقيد فضل ضلعان، بل تسربت أخبارها لتشعل خيال أعضاء القيادة في عدن، فطمع كل واحد منهم في ثروة يضيفها إلى ما لديه من أموال وعقارات؛ فالنفس لا تقنع، ومن يملك الكثير يطمع دائماً في المزيد. وبعد نقاشات محمومة داخل القيادة في الغرف المغلقة، بدأ النقاش بالسخرية من قصة الكنز الغريبة، ولكن سرعان ما بدأ الجشع ينمو ويكبر في رؤوس القادة حتى أصابهم جميعاً، فاتخذوا القرار الذي لا رجعة فيه. وبحسم بدى على ملامحه، قال القائد عطروش البريقي:

– لا يمكن الاعتماد على صاحبنا العقيد فضل، لأنه ينسى نفسه أحياناً ويعتقد أنه الكل في الكل ويحاول أن يتجاهل القيادة.

رفع عضو القيادة سلمان البيك يده طالباً الحديث وإبداء الرأي، وقال وهو يدعم حديث القائد عطروش:

– افترضوا يا رفاق أن هذا الكنز الضخم وقع في أيدٍ غير أمينة!

عاد القائد واختتم الحديث بالقول الفصل، موجهاً أمره النهائي الحاسم:

– يجب علينا تأمين الموقع بقوة مركزية وإشراك الجهات المختصة في الآثار.

في اليوم التالي، اهتزت الأرض من جديد تحت عجلات الأطقم العسكرية، وهذه المرة، لم تكن عشرة أطقم، بل ثلاثين طقماً من قوات النخبة المدربة تدريباً عالياً، وصلت بعتادها المتطور من عدن، ترافقها سيارة الخبراء من هيئة الآثار.

دخلت القوة الجديدة القرية وفرضت طوقاً أمنياً أوسع، ونشأت حالة من التوتر الشديد بينها وبين قوات العقيد فضل الذي عرف أن التوجيهات صدرت بانسحابه، فغادر غاضباً. وفور وصوله إلى مقر قيادة المحور الأمني أمر بإنزال علم القيادة المركزية ورفع علم الدولة الاتحادية، نكايةً في القيادة التي لم تثق به وساورتها المخاوف والشكوك بشأن تهوره وطمعه في الاستئثار بالكنز وحده.

تحولت القرية التي قيل إن الكنز فيها إلى قلعة شبه عسكرية، وتكاثرت أنواع القوات التي توافدت إليها حتى اضطرت إلى إنشاء مطبخ كبير لإطعام الجنود. ونال فقراء القرية وما جاورها نصيباً من الوجبات، حتى إنهم تمنوا أن تستمر حمى الكنز في قريتهم إلى الأبد، ليحظوا بالطعام الذي كانوا يحصلون عليه من مطبخ التموين العسكري المرافق للقوة المرابطة حول حفرة الكنز.

كان الجنود يحفرون في نوباتٍ نهارية وأخرى ليلية، وكان أولئك الذين يحفرون ليلاً أسعد حظاً من الذين يحفرون نهاراً ويتحملون مشقة نزع الصخور والرمال من الحفرة إلى محيطها تحت لهيب الشمس.

وخلال الحفر، كان قادة وضباط من مختلف الرتب يراقبون كل خطوة وكل ضربة معول على أمل رؤية تباشير الكنز، لعل لمعة ضوء ذهبية تشرق من تحتهم في الحفرة العميقة لتعلن عن طرف الكنز أو صناديقه المدفونة تحت التراب.

لم يتبقَّ لأهل القرية من جنون البحث عن الكنز إلا الحمى التي لم تغادر جماجمهم، فأجبرتهم على متابعة الحفر بحزن وذهول، بعد أن تحول الحفر إلى عملية عسكرية ضخمة، أطلقت عليها القيادة اسم “الفيد الحلال”، نكايةً في أعمال الفيد المحرم التي قادها في فترة سابقة خصوم القيادة الحالية، التي بالرغم من أنها درست في مدارس خصومها وتعلمت منهم الكثير وراحت تقلدهم في كل صغيرة وكبيرة، إلا أنها اختلفت عنهم وتميزت بإضافة كلمة “الحلال” أو “المشروعية” لكل خطوة تقوم بها مهما كانت فاسدة.

مرت الأسابيع والحفرة تتسع وتزداد عمقاً بفعل استخدام أحدث آلات الحفر ونقل المخلفات، حتى أصبحت مثل فوهة بركان هائلة. ولم يظهر من الكنز أو علاماته أي شيء. وحده الإرهاق والملل والشك، مشاعر متزاحمة ظلت تتسرب إلى الجميع، بدءاً بالذين كان العطش يصيبهم بفعل ما كانوا ينزفونه من عرق أثناء الحفر، وحتى أولئك الذين كانوا يتفرجون على الملهاة، فقد تعبوا وغزاهم الملل وبدأت حمى الكنز تخف وتنسحب ببطء من خيالاتهم.

وما أن وصل الشعور باليأس واللاجدوى إلى صفوف القيادة في عدن، حتى حدث ما لم يكن في الحسبان. إذ تشاجر جندي من قوات النخبة مع آخر من قوات الحراسة الخاصة لأحد القادة على أفضلية استخدام منظار مكبر يتيح رؤية أوضح لقاع الحفرة وسير عملية الحفر ومراقبة من بالأسفل، لعل بشارة الكنز تظهر في ذروة اليأس.

تطورت الشتائم بين الجنديين إلى اشتباك بالأيدي، وفي ثوانٍ كان الجنود من الطرفين يصوبون أسلحتهم إلى بعضهم البعض حتى كاد حمام الدم أن يبدأ.

السبب الوحيد الذي أجّل انفجار الموقف بين الجنود المسلحين كان ذلك الصوت الذي ارتفع من قاع الحفرة، فأنقذهم من حتمية وقوع الاشتباك، وفي الوقت نفسه كان هو الصوت الذي انتظره الجميع، عندما هتف أحدهم من أسفل الحفرة بأعلى صوته:

– وجدته! أقسم أنني وجدته!

هدأ الجميع وأرخوا قبضاتهم عن أسلحتهم وركضوا بشكل هستيري نحو الحفرة؛ القادة والجنود وبعض أهل القرية. قفز عدد من القادة وكبار الضباط المرافقين لهم إلى قاع الحفرة وتكوموا حول الجندي الذي كان يصرخ وهو يمسك بشيء نصف مدفون.

وبأيدٍ مرتعشة أزاحوا التراب عن ذلك الشيء، لم يكن صندوقاً، بل جرة فخارية كبيرة، حملوها بحذر ووضعوها على الأرض.

ساد صمت مطبق لم تكن تكسره سوى أصوات الأنفاس اللاهثة لمن هبطوا إلى قعر الحفرة. مد أحد القادة يده ببطء إلى داخل الجرة المكسورة… ثم سحبها. أخرج القائد يده من الجرة وكانت تحمل بضع عظام بشرية وخنجراً قديماً غطاه الصدأ بالكامل. نظر الجميع إلى العظام، ثم إلى الحفرة الهائلة، ثم إلى وجوه بعضهم البعض. لا أثر للكنز، بل مجرد قبر منسيّ لقتيل مدفون في جرة مع الخنجر الذي أودى بحياته.

أقام المعسكر آخر وليمة ليتخلص من بعض المؤن التي يمكن أن تفسد في طريق العودة، فأكل أهل القرية واستمتع الفقراء والمهمشون بآخر وجبة من وجبات معسكر الحفر. وفي اليوم التالي، بدأ الانسحاب الكبير والصامت، وحزمت القوات العسكرية خيامها ومعداتها وغادرت في جو من الخزي المكتوم، وكل طرف يلقي باللوم على الآخر.

أما الرجل الغريب الذي حلم بالكنز وكان صاحب كل هذه الفوضى، فقد اختفى تماماً ولم يره أحد يغادر. تبخر ببساطة كما ظهر، تاركاً خلفه السؤال معلقاً في الهواء: من هو؟ ومن أين جاء؟ وأين سيلقي كذبته القادمة عن الكنز المدفون؟

لم يبقَ في القرية سوى أهلها وتلك الحفرة العظيمة التي صارت معلماً بارزاً في أرضهم وندبة مظلمة تذكرهم بالغريب الذي زرع حمى الذهب في نفوسهم، ولم يربحوا منه سوى الفراغ العميق الذي حفرته معاولهم.

قال مثنى بن مثنى ساخراً ومبتهجاً بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه في القرية:

– لا تحزنوا يا رفاق، صدقوني يمكن أن تصبح الحفرة نفسها هي الكنز، وعندما تعود الدولة والاستقرار سنحولها إلى مزار سياحي، ربما تزورنا الجميلات الأوكرانيات لمشاهدة الحفرة العجيبة، وقد نكون اكتشفنا اليورانيوم والمعادن النادرة في أسفلها دون أن ندري.

ضحك أهل القرية أخيراً وتشاركوا في ثمن سياج من الشبك لتسوير الحفرة الدائرية الهائلة حتى لا يقع فيها الأطفال أو المواشي، وظلت الحفرة شاهدة على أسطورة الكنز.

عادت ضحكات العجائز وهمساتهن تسمع بوضوح في القرية بعد أن غطى عليها لأسابيع ضجيج معسكر الحفر. بينما كان رجال القرية يتجولون في أزقتها مطأطئي رؤوسهم خجلاً، لا يريدون تذكر ما حدث.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل : القبض على قيادي حـ.ـوثي في العاصمة عدن

صوت العاصمة | 1191 قراءة 

تعرف على أسماء أوائل الجمهورية

كريتر سكاي | 630 قراءة 

قرار أمريكي مفاجئ: التخلي الكامل عن الملف اليمني

جهينة يمن | 583 قراءة 

رئيس مجلس القيادة يشيد بدور المقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح في مواجهة المشروع الحوثي

حشد نت | 509 قراءة 

قناة “العربية” توثق الساعات الأخيرة للزعيم صالح.. وظهور نجله لأول مرة

المرسى الاخباري | 499 قراءة 

عاجل : مؤتمر صنعاء يؤكد اطلاق سراح الوزير شرف

جهينة يمن | 446 قراءة 

عاجل :مرور موكب عسكري كبير في عدن

كريتر سكاي | 398 قراءة 

ماذا قال إمام مسجد العيدروس بعد رسم الحوثي له على عملة غير شرعية؟

تهامة 24 | 303 قراءة 

اتفاق غير معلن بين السعودية و"الحوثيين".. والإفراج عن شيخ قبلي يشعل كواليس السياسة

مساحة نت | 297 قراءة 

قبائل الحيمتين في صنعاء تحذر: دعوات الإفراج عن الزايدي تواطؤ مع الحوثيين وخيانة لدم العميد زايد

العاصمة أونلاين | 265 قراءة