خاص – من المقرر أن يصوّت مجلس الأمن الدولي، صباح الاثنين 14 يوليو، على مشروع قرار بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها) حتى 28 يناير/كانون الثاني 2026، أي لمدة ستة أشهر ونصف، في خطوة تمثل تحولاً في نهج المجلس الذي دأب على التجديد السنوي للبعثة منذ إنشائها عام 2019. وتولت المملكة المتحدة، بصفتها المعنية بملف اليمن، صياغة مشروع القرار الجديد.
وبعد يوم من التصويت، يعقد المجلس اجتماعًا آخر بعد ظهر الثلاثاء 15 يوليو، لمناقشة مشروع قرار منفصل بتمديد ولاية التقارير الشهرية للأمين العام حول هجمات مليشيا الحوثي على الملاحة التجارية في البحر الأحمر، حتى 15 يناير 2026. وقد تولت اليونان والولايات المتحدة إعداد نص القرار، في ظل استمرار التوترات في الممرات البحرية الحيوية.
“أونمها”: بعثة وسط الشكوك
أنشئت بعثة “أونمها” بموجب القرار 2452 الصادر في 16 يناير 2019، دعماً لتنفيذ اتفاق ستوكهولم الموقع في ديسمبر 2018 بين الحكومة اليمنية ومليشيا الحوثي، والهادف إلى إعادة الانتشار في الحديدة ووقف إطلاق النار في المدينة وموانئها. وتشرف البعثة على لجنة تنسيق إعادة الانتشار، إلا أن فعاليتها ظلت محل تشكيك منذ سنوات.
ويشير أحدث تقرير سنوي صادر عن الأمين العام للأمم المتحدة في 10 يونيو/حزيران الماضي إلى تزايد الدوريات الأممية خلال عام 2024، رغم أن البعثة تعمل في “بيئة شديدة التقييد”، نتيجة رفض مليشيا الحوثي توسيع نطاق وصولها أو تسيير دوريات أكثر تواترًا. ومع ذلك، أشار التقرير إلى تحسن نسبي في التعاون بين الطرفين، واستعداد مشترك لتخفيف التوترات.
التقرير أشار أيضاً إلى تأثير الغارات الجوية الإسرائيلية والأمريكية على الحديدة، التي جاءت ردًا على هجمات مليشيا الحوثي في البحر الأحمر، مع التأكيد على أهمية بقاء موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى مفتوحة لتفادي تفاقم الأزمة الإنسانية. ووفق التقرير، فإن ميناء الحديدة وحده يمثل بوابة لـ70% من الواردات التجارية لليمن و80% من المساعدات الإنسانية.
توجه نحو إعادة تقييم البعثة
بخلاف السنوات السابقة، يحدد مشروع القرار الجديد فترة تمديد أقصر للبعثة، ويطلب من الأمين العام مراجعة أدائها وهيكليتها والتنسيق بين مختلف بعثات الأمم المتحدة في اليمن، على أن تُقدَّم النتائج بحلول 28 نوفمبر. كما يتضمن النص نية المجلس تقييم “مجموعة من الخيارات”، بما في ذلك جدوى استمرار البعثة أو إنهاء مهمتها، في استجابة جزئية للموقف الأميركي.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت خلال إحاطة مجلس الأمن في 9 يوليو/تموز أن البعثة “لم تعد مجدية”، مشيرة إلى أن لجنة إعادة الانتشار لم تعد فاعلة، وأن الوضع الميداني تجاوز مهام البعثة. في المقابل، أعربت روسيا ودول أخرى عن تمسكها بأهمية استمرار عمل “أونمها”، معتبرة إياها عنصرًا مهمًا في تسهيل وصول المساعدات وضمان الاستقرار الميداني.
ورغم التباين في الآراء، حافظ مشروع القرار على صيغة متوازنة، تراعي مطالب واشنطن دون تبني موقفها بالكامل، من خلال طرح فكرة “تقييم شامل” لمستقبل البعثة، دون الجزم بإنهائها.
تصاعد الانتقادات الميدانية لـ”أونمها”
ميدانيًا، تتعالى الأصوات في محافظة الحديدة المطالِبة بإنهاء مهمة “أونمها”، متهمة البعثة بالخروج عن مهامها وتحولها إلى غطاء سياسي لتكريس سيطرة مليشيا الحوثي على المدينة والميناء، في تناقض صريح مع اتفاق ستوكهولم.
وبحسب بيانات وتصريحات من سكان ومسؤولين محليين، فإن البعثة فشلت في فرض انسحاب مليشيا الحوثي من الموانئ، بينما نفذت القوات المشتركة التزاماتها من جانب واحد. كما استغلت الجماعة الفراغ الناتج عن إعادة الانتشار، لتعيد السيطرة على مواقع استراتيجية في نوفمبر 2021 دون ردع دولي.
ورغم مطالب الحكومة اليمنية المتكررة للأمم المتحدة بتحديد الطرف المعرقل وتحريرها من التزامات اتفاق لم يُنفذ، قوبلت هذه المطالب بتجاهل، ما زاد من حالة الإحباط المحلي.
تجدد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر
يأتي التصويت على تمديد تقارير الأمين العام بشأن الهجمات البحرية في ظل تصاعد جديد للتوترات، إذ شنت مليشيا الحوثي يومي 6 و7 يوليو/تموز هجومين على سفينتي الشحن “ماجيك سيز” و”إترنيتي سي”، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين، بحسب تقارير أممية وأمريكية.
واتهمت واشنطن مليشيا الحوثي باختطاف أفراد من طاقم “إترنيتي سي”، في حين أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الهجمات بشدة، ووصفها المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بأنها تصعيد خطير.
ويمثل مشروع القرار الجديد استمرارية للقرار 2722 الصادر في يناير 2024، الذي ألزم الأمين العام برفع تقارير شهرية عن الهجمات البحرية. ورغم طابعه الفني، لا يخلو القرار من مواقف متباينة، إذ امتنعت كل من روسيا والصين والجزائر عن التصويت في مرات سابقة، اعتراضًا على ما وصفته بـ”تسييس النص” و”انحيازه ضمنيًا” للهجمات المضادة التي تنفذها دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ضد مليشيا الحوثي.
اتفاق ستوكهولم: من فرصة إلى عبء؟
وفي ظل استمرار التباين الدولي وتفاقم الهجمات الحوثية، يرى مراقبون أن اتفاق ستوكهولم لم يعد إطارًا فعّالًا للحل، بل تحول إلى عبء سياسي يكرّس الوضع الراهن. ويطالب هؤلاء بإعادة النظر جذريًا في آليات التعاطي الأممي، مؤكدين أن إطالة عمر اتفاق فاشل يمنح مليشيا الحوثي مزيدًا من الوقت لترسيخ نفوذها وتعقيد مسارات الحل.
ويخلص مراقبون إلى أن حالة الجمود الدولي والانقسام داخل مجلس الأمن حول مستقبل بعثة “أونمها” يعكس عجزًا عن اتخاذ قرارات حاسمة، في وقت تواصل فيه مليشيا الحوثي التصعيد ضد الملاحة الدولية، مما يهدد الأمن البحري الإقليمي والدولي على حد سواء.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news