قصة كنز الضالع (الحلقة الثالثة)

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 78 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
قصة كنز الضالع (الحلقة الثالثة)

عقب سماع صوت الطلقة، تغير كل شيء، ودخلت القرية وأهلها مرحلة جديدة أسماها مثنى بن مثنى مرحلة حمى الكنز.

تحلّق أهل القرية ومن حضر من أهالي القرى القريبة حول الجرافة، ونزل سائقها مستسلمًا رافعًا يديه فوق رأسه، وأخبرهم أنه سمع مثل غيره بقصة الكنز، فطمع في أن يستعينوا بجرافته للحفر. لكن الغريب الذي كان يقودهم إلى موضع الكنز نصحهم بعدم الاستعانة بالجرافة؛ لأن مغرفتها الحديدية الكبيرة ليست دقيقة وقد تتلف المشغولات الذهبية أو التماثيل المدفونة، كما أن صوت محركها قد يفزع حراس الكنز النورانيين فيأخذوا الكنز ويفرّوا من تحت الأرض، بسبب الجرافة المخيفة.

اقتنع الحاضرون بحديث الغريب وطردوا صاحب الجرافة، وبدأت المعاول والفؤوس تنهش الأرض الجافة بحماس، وكان الغريب يعيد توجيههم وينبّه من ابتعدوا بالحفر أمتارًا عن موضع الكنز إلى الاقتراب من البؤرة التي يقع تحتها الكنز مباشرة.

لم تشهد القرية مثل ذلك النشاط والمرح والاستبشار من قبل، ولا يشبه فرح أهلها بحلم اكتشاف الكنز وقرب التوصل إليه إلا فرحهم بعودة الشباب الغائبين المهاجرين في أصقاع الأرض، ما بين السعودية وأمريكا والبحرين وقطر والكويت وغيرها من بلدان الاغتراب. فالعائدون كانوا يجلبون معهم الهدايا والمسجلات الـ”ناشيونال” الأصلية والعطور الفاخرة والكاميرات والنقود، وأحيانًا بعض السجاد والمفارش المنسوجة بعناية وبعضهم يمنح كل صديق له في القرية كشيدة ومسبحة هدية بمناسبة زيارته لأسرته بعد سنوات من الاغتراب. وها هو الحلم بالعثور على الكنز قد أصبح يداعب مخيلة بقية الشباب الذين لم يغتربوا أو لم يحالفهم الحظ بالسفر والهجرة وأصبحوا يحدثون أنفسهم أن ما سيحصلون عليه سيغنيهم في لمحة عين.

كان الرجال يحفرون ويغنون، وكانت النساء يزغردن من بعيد ويتهامسن وهن يتوقعن ماذا سيشتري لهن أزواجهن بعد استخراج الكنز. وحدهم الأطفال كانوا يراقبون ما يجري حولهم بفضول واستغراب، وظن الصغار أن الكبار قد أصابهم مس من الجنون وهم يشاهدونهم يحفرون الأرض حتى يتصبب العرق من جباههم دون أن يشعروا بالملل أو التعب.

كان الأمل معديًا، وكانت حمى الكنز تواصل سريانها الفيروسي في أرواحهم، وتحثهم على مواصلة الحفر تحت حرارة الشمس دون أن يتوقفوا أو يستريحوا. باستثناء الرجل الغريب الذي كان يجلس وحده في الظل يراقبهم بابتسامته الخبيثة والغامضة، كأنه يشاهد مسرحية يعرف وحده نهايتها.

استمر الحفر ثلاثة أيام وليالٍ متواصلة حتى بدأت الحفرة تتسع وكادت أن تشبه فوهة بركان عميقة. ومع اتساع الحفرة وزيادة عمقها، بدأت بذور الشك تنمو في نفوس أهل القرية ومن معهم من القرى القريبة. وفي الليلة الثالثة، جمع الشاب قاسم صالح ابن العاقل عددًا من الرجال والوجهاء في خلوة سرية، وقال لهم بصوت خفيض:

– هل نحن مجانين؟ نعطي ربع ثروتنا لرجل لم يلمس فأسًا؟ الأرض أرضنا، والتعب تعبنا، والعرق عرقنا، والكنز كنزنا!

علق عليه مصلح ابن القرية الطموح، الذي لم يكن أقل غضبًا منه:

– نعم يا قاسم، كلامك صحيح، وهذا الغريب لم يفعل شيئًا سوى أنه حلم بالكنز. والحلم أسهل ما يكون، لا تعب فيه ولا حفر ولا عرق. الحلم شغل الكسول، ينام ويحلم ويريد من الآخرين أن يحفروا نيابة عنه ليستخرجوا له الكنز. هذا إذا كان هناك كنز بالفعل، وما يدرينا؟

لقيت كلمات مصلح وقاسم صدى في نفوس من اجتمعوا في تلك الخلوة السرية. وفي صباح اليوم التالي، عندما توجهوا ليواصلوا الحفر، وبينما كان الرجل الغريب يتقدمهم ويسير أمامهم مبتسمًا ومطمئنًا، أحاطوا به بشكل مفاجئ، وتقدم العاقل الشيخ صالح وقال للغريب بحسم لا تراخي فيه:

– لقد قرر أهل القرية أن يعطوك مكافأة على حلمك، وعليك أن تغادر الآن.

توقع الجميع أن يثور الرجل أو يتوسل، لكنه فاجأهم عندما اتسعت ابتسامته الهادئة وقال:

– لا بأس، هذا حقكم، فالكنز كنزكم، والأرض أرضكم.

ثم أخذ المكافأة التي قرروها له دون أن يعدها، واستدار ليمشي مبتعدًا عن القرية دون أن ينظر إلى الخلف، واختفى بالطريقة نفسها التي ظهر بها، كأنه جاء من العدم وعاد إليه.

شعر أهل القرية بالنشوة، واشتعلت حمى الكنز من جديد في أوردتهم بعد أن عرفوا أن ربع الكنز الذي كان سيأخذه الغريب أصبح من نصيبهم، ففرحوا فرحًا عظيمًا، وعادوا للحفر وهم يسمنون خيالاتهم بالثروة، كما يسمن الراعي عجوله ليبيعها في السوق أو ليقدمها قربانًا للنسور من أجل نزول المطر. وعاد الجميع إلى الحفر بمعنويات عالية.

لكن الرجل الغريب لم يذهب بعيدًا، فقد سار حتى وصل إلى عاصمة المحافظة، وهناك طلب بشكل عاجل للغاية ولأمر هام لا يحتمل الانتظار مقابلة قائد المحور الأمني العقيد فضل ضلعان، وهو رجل أمن وقائد معروف بقسوته وطمعه، ولا يترك نصيبه من أي كعكة حتى لو كانت ضفعة بقرة في نقيل مهجور، سيأخذ نصيبه منها.

جلس الغريب في مكتب العقيد ضلعان ولم يتحدث على الإطلاق عن خيانة القرويين له ولا عن نقضهم العهد وتراجعهم عن منحه ربع الكنز، لكنه رسم صورة مختلفة تمامًا عن الواقعة، وقال للعقيد المتلهف لاقتناص الفرص:

– سيادة العقيد، لم أجد من هو أفضل وأحق منك بمعرفة هذا السر؛ لأنك رجل الدولة الأول والوحيد في المحافظة. لقد اكتشفت موقع كنز أثري لا يقدر بثمن يعود للدولة، ولكن عصابة من القرويين تحاول سرقته الآن، وإذا لم تتحركوا فورًا، ستضيع ثروة وطنية بيد اللصوص.

لمعت عينا العقيد فضل، وراح يكرر بصوت عالٍ هذه الكلمات: الكنز، الدولة، القرويين، اللصوص. ثم شكر الغريب وهو شارد الذهن يخطط لاستثمار الحدث قبل أي مسؤول في المحافظة. وفي أقل من ساعتين، كان غبار عشرة أطقم عسكرية يقودها قاسم ضلعان يملأ الأفق وهي تسير بأقصى سرعة باتجاه موقع قرية الكنز كما أسماها. وكانت السيارات التي تصادف الأطقم العسكرية المسرعة تخشى الاصطدام بها، ويقول السائقون:

– يعلم الله وحده ما مع هذه الأطقم العسكرية المسرعة، لا بد أن المشكلة خطيرة والقضية ليست سهلة.

كان القرويون على وشك إيقاف العمل للراحة من شمس الظهيرة الحارقة حين سمعوا هدير محركات الأطقم العسكرية التي يقودها العقيد فضل، فتجمدوا في أماكنهم وهم يرون الأطقم العسكرية تحاصرهم وتطوق الحفرة العميقة من كل جانب.

يتبع…


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

تعرف على أسماء أوائل الجمهورية

كريتر سكاي | 644 قراءة 

قرار أمريكي مفاجئ: التخلي الكامل عن الملف اليمني

جهينة يمن | 605 قراءة 

قناة “العربية” توثق الساعات الأخيرة للزعيم صالح.. وظهور نجله لأول مرة

المرسى الاخباري | 518 قراءة 

رئيس مجلس القيادة يشيد بدور المقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح في مواجهة المشروع الحوثي

حشد نت | 515 قراءة 

عاجل : مؤتمر صنعاء يؤكد اطلاق سراح الوزير شرف

جهينة يمن | 455 قراءة 

عاجل :مرور موكب عسكري كبير في عدن

كريتر سكاي | 412 قراءة 

اتفاق غير معلن بين السعودية و"الحوثيين".. والإفراج عن شيخ قبلي يشعل كواليس السياسة

مساحة نت | 362 قراءة 

ماذا قال إمام مسجد العيدروس بعد رسم الحوثي له على عملة غير شرعية؟

تهامة 24 | 313 قراءة 

قبائل الحيمتين في صنعاء تحذر: دعوات الإفراج عن الزايدي تواطؤ مع الحوثيين وخيانة لدم العميد زايد

العاصمة أونلاين | 276 قراءة 

واشنطن تتوعد الحوثيين : انتظروا مصير حزب الله وإيران

الأمناء نت | 269 قراءة