مناضلو الحراك الجنوبي وأدب السجون:  1& فادي باعوم في سجن الوحدة

     
موقع الأول             عدد المشاهدات : 88 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
مناضلو الحراك الجنوبي وأدب السجون:   1& فادي باعوم في سجن الوحدة

مسعود عمشوش

مرت علينا قبل بضعة أيام الذكرى الثامنة عشرة لانطلاق ثورة الحراك السلمي الجنوبي في7 يوليو 2007، التي كانت إرهاصاتها الأولى قد برزت منذ عام 1994 في شكل مقاومة التهميش السياسي ونتائج الحرب التي شنها نظام صنعاء ضد شعب الجنوب في صيف 1994، وكذلك بالمطالبة بالمساوة وإعادة المسرّحين العسكريين والمدنيين وإصلاح مسار الوحدة. 

وفي 7 يوليو 2007 شهدت مطالب شعب الجنوب تطورا كبيرا، وبرز في مقدمتها استقلال الجنوب واستعادة دولته. وظهر الحراك السلمي الجنوبي بوصفه حركة نضالية تسعى إلى تحقيق استقلال شعب الجنوب العربي. وقد أطـّـر الحراك الجنوبي عددا من الحركات والقوى والشخصيات المطالبة بانفصال الجنوب وإنهاء تجربة الوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية. وتجسد الحراك السلمي الجنوبي في شكل اعتصامات ومسيرات ومظاهرات احتجاجيةً. وفي مطلع 2008 ارتفعت كثير من الأصوات الجنوبية المطالبة بالانفصال، ونشط عدد من تلك الأصوات في إطار مركز الإعلام الجنوبي، الذي استطاع أن يكسر التعتيم الإعلامي المفروض على أبناء شعب الجنوب في الداخل والخارج.

وعلى الرغم من سلمية الحراك الجنوبي حتى عام 2015 – تاريخ بدء المقاومة الجنوبية المسلحة- فقد واجه نظام صنعاء العفاشي الحراك السلمي بشراسة، وكلف علي القمش رئيس جهازه الأمني المركزي بمساعدة عدد من معاونيه المعروفين بقمع رموز الحراك والزج بكثير منهم في سجون المكلا وعدن ونقل بعضم إلى صنعاء. وقد أكدت مؤسسة هيومن رايتس ووتش إن "قوات الأمن والأمن المركزي اليمني قامت بارتكاب انتهاكات واسعة في بالجنوب في تلك الفترة، منها القتل غير القانوني والاحتجاز التعسفي والضرب وقمع حريات التجمع والتعبير واعتقال الصحفيين وآخرين". 

وقد بادر عدد من مناضلي الحراك الجنوبي إلى تدوين مذكراتهم أو يومياتهم في سجون الأمن المركزي، منهم قاسم عسكر وفادي باعوم وأحمد الربيزي وعلي شايف الحريري، الذين تتضمن كتاباتهم في سجون الأمن المركزي العفاشي أبعادا جمالية عدة، مثل تكثيف السرد وتضمينه عددا كبيرا من المفارقات الساخرة، ودقة وصف الأمكنة. ومن المؤكد أن تلك الأبعاد الجمالية تسمح لنا بتصنيف تلك الكتابات ضمن ما يسمى اليوم بأدب السجن. وفي السطور الآتية سنحاول تسليط قليل من الضوء على أبرز الجوانب التي ركز عليها كل من فادي باعوم وأحمد الربيزي وعلي شايف الحريري في كتاباتهم.

أولا- (فادي باعوم في سجن الوحدة):

في 8 مايو 2021 نشر فادي حسن باعوم، عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي كان حينها رئيس المكتب السياسي للحراك الثوري الجنوبي، حلقةً من يومياته بعنوان مليء بالدلالات: (زنزانة الوحدة)، استهله بسرد الأحداث التي دفعت الأمن المركزي اليمني باعتقاله في شهر أبريل 2009، في المكلا، ثم نقله جواً إلى سجون صنعاء. ويحكي ذلك قائلا: "بعد أربعة أيام قضيتها في السجن المركزي بالمكلا فوجئت في إحدى الليالي، وأظن تاريخ 14 ابريل، بأن دخل بعض الجنود زنزانتي قائلين: "هيا اجمع أغراضك.. إفراج"، لكنني فهمت أنني سوف أنقل إلى سجن آخر، وأخذوني من السجن المركزي المكلا على متن طقم عسكري واتجهوا بي نحو طريق مطار الريان الدولي. هناك عرفت بأنهم سوف ينقلوني إلى صنعاء كما نقلوا والدي قبل سنة، وكأنهم يقولون: "أنتم أسرى لدينا". فحرب 94 لا تزال قائمة، وتذكرنا بالحروب التاريخية السبيئة مع دولة حضرموت، حينها كانوا يأخذون الأسرى إلى عواصمهم، وهكذا اعتبرتها. عند وصولي مطار الريان كان هناك ضباط شماليين وضباط حضارم، أحد الضباط الحضارم وهو صالح المعاري اقترب مني وقال: "سوف نبلغ أهلك وجماعتك أنهم رحلوك إلى صنعاء.. شد حيلك". قام ضابط شمالي بوضع القيد في يدي وفي يده وصعد بي على متن طائرة السعيدة متجهين إلى صنعاء. في الطائرة كان الركاب مذهولين من وجودي مقيداً بينهم، لكن المضيفة، وهي امرأة عدنية، تعاطفت معي جدا، وظلت طوال الرحلة تواسيني بالمأكولات والمشروبات، وتوصي الضابط بأن يتوسط لأطلاق سراحي. فقلت لها: "أنا مطلوب من أعلى سلطة، ولا أحد يستطيع التوسط". سألتني: "ماذا عملت؟"، أجبتها بأني أدافع عن حقي وحقها الجنوبي المغتصب. قالت: "إذن أنت من الحراك الجنوبي، الله ينصركم وقلوبنا معكم". وتدخل الضابط وقال: "كلكم انفصاليين". وشكرت موقفها النبيل وأخبرتها بأننا سننتصر".

ثمّ يشرع فادي باعوم في تقديم بعض تفاصيل مذهلة عن سجون الأمن المركزي في صنعاء التي تقع تحت الأرض، وطبيعة معاملة السجانين له، إذ يكتب: "استقبلني شخص عرف نفسه بأنه صالح الجبري، مدير سجن الأمن السياسي، وقال لي باللهجة الصنعانية: هيا ما جابك هانا، كان أبوك هنا قبل سنة وباين أنت مُعَـــكّم سع أبوك، لكن الصدق سمخ ونحترمه، أي عنيد لكن شجاع. قلت له: ما بالسجن احترام لكن خيرة الله. وهنا بدأ يشرح لي إجراءات السجن وأولها: سحب ملابسك منك وإعطائك ثوب، الذي يسمى في صنعاء "زنة"، قلت في نفسي "من أولها زنة.. الله يستر". بعد ارتداء الزنة تم تكميم عينّي، أخذني الجبري من يدي وأنا كالأعمى أتبعه حتى شعرت بأننا ننزل درج ونغوص للأسفل، استمر نزولنا وفهمت أننا أصبحنا تحت الأرض، سمعت صرير باب كبير يُفتح فدخلته، وهنا تم رفع الكمامة من عيني ووجدت نفسي أمام رواق طويل فيه حوالي عشرين زنزانة منفردة، أخذني إلى إحداها قائلا: "هذه كانت زنزانة أبوك.. هيا أرحب". ثم رمى لي بقصعة لقضاء الحاجة وقارورة ماء صغيرة وأغلق الباب. عندها بدأت أتفحص الزنزانة فهي بدون أي تهوية عدا فتحة في الباب، يعلوها مصباح أصفر قوي لا يُطفئ أبداً، فلا تفرق بين ليل من نهار، وفراش مهلهل منتهي الصلاحية. كان شعوري في تلك اللحظة وكأنني دفنت حياً، فالزنزانة كالقبر، وانتابتني حالة من الهم والقهر، ولم أتوقع أن أصمد في هذا المكان، لكن للنفس البشرية قدرة على التحمل لا يدركها الانسان إلا عند خوضه مثل هذه المحن.. كان نظام السجن الانفرادي كالنحو التالي: لا اتصال مع الأهل، لا زيارات، لا ترى الشمس إلا مرة في الأسبوع، ممنوع دخول الحمام إلا في أوقات معينة وعلى مزاج السجان، الطعام عبارة عن كدم وفول صباحاً، وبطاطس ورز في الغداء، والعشاء كدم وفول. ولم يكن مسوح بالجرائد والتلفزيون بتاتا في الانفرادي، كان لدي فقط القران الكريم، ختمته أكثر من مئتي مرة".

ومثل أحمد الربيزي وعلي شايف الحريري يتحدث باعوم عن عدد من زملاء السجون في صنعاء، الذين كانوا حينها مزيج من تنظيم القاعدة والحوثيين وقليل من مناضلي الحراك الجنوبي. فبعد مضي حوالي شهرين من بقائه في زنزانة منفردة قرر مدير السجن وضعه في عنبر جماعي، ويصف فادي الحياة فيه على النحو الآتي: "تمّ أخذي إلى الطابق العلوي، إلى عنبر كبير فيه 30 معتقلا، نصفهم حوثيين والنصف الآخر قاعدة وأنا الحراكي الوحيد بينهم، وهذه كانت حبسة أخرى. بدأت أفكر كيف أتفاهم مع الطرفين، وجدت أن أغلب عناصر القاعدة من الحضارم وكانوا لطفاء معي، ووجدت الحوثيين أكثر تفهماً لكوني حراكي طبعا تفهمهم هذا كان قبل أخذهم لصنعاء! الجميع رحب بي وكأني واحداً منهم، وأفردوا لي مكاناً بينهم، وأعطوني طعاماً يأتيهم من الزيارات، والذي حُرمت منه أشهر. وتعرفت على جماعة القاعدة، وكانوا لطفاء معي، أتذكر أنشودة دائماً يرددونها، يقول مطلعها: "با نحرر حضرموت واليمن والحجازِ". وقسمت نفسي بين الجماعتين، الأكل مع الحوثيين والصلاة مع القاعدة، وسبرت الأمور ما عدا بعض المنغصات، التي تحصل بين الفينة والأخرى، بسبب اشتداد النقاش، فأنا بطبعي واضح في أرائي التي لا تعجب الطرفين...

وبالمجمل العام كان الاعتقال في العنابر أفضل بكثير من الحبس الانفرادي فلقد سمحو لنا باتصال واحد كل شهر للعائلة، وكانت والدتي آمنة باعوم حفظها الله هي من ترد على مكالماتي، كانت في كل اتصال تقول: اصمد كن رجل، فصالح لم يستطع إخضاع والدك ويريد الآن إخضاعه بك، كل الجنوب معكم لا تخافوا. كانت كلماتها ترفع معنوياتي للسماء، فقد كان أكثر ما يشغلني هو حزن الأسرة وخوفها، ولكنني في كل اتصال أجد معنويات مرتفعة وشموخ وكان هذا يواسيني كثيراً في محنتي. بشروني أيضاً بمولود ذكر، أتاني بعد ثلاث بنات، أسموه حسن تيمنا بوالدي، أسعدتني البشرى ودعوت على إثرها المساجين لعزومة وزعنا فيها الأندومي والتونة، فهذا أقصى ما نستطيع الحصول عليه".

ومثل الربيزي وعلي شايف يتحدث فادي باعوم عن حرصه وهو سجون صنعاء على متابعة أخبار الحراك الجنوبي وكل ما يستجد في الساحة الجنوبية. ويذكر أن خروجهم الأسبوعي لساحة السجن كان فرصة للحصول على قليل من الأخبار، ويكتب: "لم نكن نخرج للشمس إلا مرة في الأسبوع في ساحة السجن، وكنا نسميها "الشماسية"، وفي الشماسية كنا نسترق الأخبار، لأن هناك تكتم شديد وحرص على إلا تصلنا أي أخبار، وهناك عرفت بأن لنا أخوة تم حبسهم، كالمناضلين قاسم عسكر، وفؤاد راشد، وصلاح السقلدي، وأحمد الربيزي، وأحمد القنع، وعلى شايف الحريري، والربيعي، وآخرين. وكانوا في السجن مصرين على تقسيم جماعة الحراك، كل واحد منا في عنبر. في إحدى صباحات (الشماسية) فوجئت بعلي شايف الحريري، يطل علينا من أعلى المبنى ويسلم علينا، سألته: كيف طلعت؟، فقال إنه تسلق على ظهر أحمد القنع ليراني، ونقل لي تحيته".

ثم يتحدث باعوم عن تقديمه للمحاكمة هو زميله قسم عسكر في الأيام الأخيرة من سجنه، الذي دام "سنة وثلاثة أشهر بالتمام والكمال في سجن الأمن السياسي اللعين". وكتب عن تلك المحاكمة قائلا: "كنا نذهب للمحاكمة أسبوعياً، وكان هناك قاضي جنوبي للأسف هو من يقاضيني واسمه محسن علوان، وغير جدير بلقب قاضي، فكل الاتهامات كانت باطلة لكن ما هو إلا جندي ينفذ ما يُملى عليه. واستمر ذهابنا وإيابنا من وإلى هذا القاضي، وفهمت أنه فقط ينتظر أوامر العقوبة لتأتي بالفعل في الجلسة النهائية للنطق بالحكم. وكان ممن حضر محاكمتي، الدكتور ياسين سعيد نعمان، وأحمد الزوقري، ومراد الحالمي، والأستاذة رشا العريقي والصحافية سامية الأغبري. ونطق القاضي بالحكم وكان خمس سنوات مع النفاذ وبدون أي أدلة تدينني!! صرخت مباشرة بأعلى صوتي في المحكمة بأن "هذا الحكم وسام على صدري". عدت إلى زنزانتي وأنا أفكر في السنوات الخمس.. كيف ستمر علينا ونحن ضيوف النميلي والقمش". ويضيف فادي أنه بعد شهرين أتى أمر بالإفراج عنه هو وقاسم عسكر، وأنهما رفضا التوقيع على أي تعهد عند خروجهما. وبعد أن يذكر استقبال الدكتور محمد حيدرة مسدوس لهما مع لفيف من الأخوة الجنوبيين في صنعاء للسلام عليهما، يختتم فادي باعوم هذه الحلقة من يومياته في السجن بسرد موجز لعودته إلى أرض الجنوب، قائلا: "في اليوم الثالث عدنا إلى أرضنا، وحظينا باستقبال منقطع النظير، من أول نقطة جنوبية في سناح بالضالع، مروراً بردفان ولحج وعدن وأبين وشبوة، إلى أن وصلنا المكلا. وفيها كان استقبالاً رائعاً يجسد اللحمة الجنوبية، أنسانا تماماً غربة السجن، ومدّنا بالكبرياء من خلال الشعور بالانتماء لشعب عظيم يستحق التضحية ويستحق الأفضل من قادته".

يتبع: ثانيا- أحمد الربيزي وحكايات أسير سابق.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

الشرعية تقصم عملة الحوثيين (اعلان)

جهينة يمن | 778 قراءة 

اعتبارًا من 1447...السعودية تُفاجئ الجميع: تحديد الجنسيات المسموح لها بالعمل في محلات البقالة

جهينة يمن | 409 قراءة 

تفجع المغتربين وتحرق قلوبهم...نهاية مؤلمة لمقيم بالسعودية

جهينة يمن | 384 قراءة 

السعودية تُفاجئ الجميع: تحديد الجنسيات المسموح لها بالعمل في محلات البقالة اعتبارًا من 1447

نيوز لاين | 382 قراءة 

(فيديو) الساعات الأخيرة للشيخ جتوم.. مجلس قات في صعدة ينتهي بعملية اغتيال غامضة

المشهد اليمني | 371 قراءة 

تعد الاخطر في تاريخ العصابة الايرانية.. خلافات حوثية جديدة تهدد جبهات ايران ومشروعها باليمن والمنطقة

المنتصف نت | 337 قراءة 

لماذا توجد مرآة في المصعد ؟...ليست ترفاً أو زينة

جهينة يمن | 298 قراءة 

تفاصيل صادمة...هشام شرف ليس محتجزاً ومستضاف في مكان راقٍ ويعامل بأخلاق عالية "شاهد"

جهينة يمن | 271 قراءة 

حديث جديد عن سقوط صنعاء بيد جماعة الحـ.وثي

جهينة يمن | 266 قراءة 

صورة العملة اليمنية الجديدة فئة 50 ريال تثير الجدل بسبب رموزها الغامضة

المرصد برس | 236 قراءة