حين تُدفن العبقرية بصمت.. المهندس محمد العفيفي رحيلٌ موجع في زمن الجحود

     
اليمن الاتحادي             عدد المشاهدات : 205 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
حين تُدفن العبقرية بصمت.. المهندس محمد العفيفي رحيلٌ موجع في زمن الجحود

بشرى العامري:

في بلدٍ تُمحى فيه الأسماء العظيمة من ذاكرة المجتمع، وتُنسى الأدمغة في زحام الفوضى، رحل المهندس والمخترع محمد العفيفي، الرجل الذي قدّم لليمن والعالم جهاز “الأوتوكيو”، دون أن يجد حتى لحظة رحيله اهتماماً يليق بما منحه من عمره، وعقله، وكرامته المهنية.

بالأمس، ودّع العفيفي الحياة كما عاشها في بلده بصمت، وبلا ضجيج، وبلا حتى اعتراف رسمي بخسارة وطنية فادحة.

 ودون إلتفاتة نعي رسمية، ودون وسائل إعلام تحتفي بعبقريته الراحلة.

رحل عن عمر ناهز 76 عاماً، دون أن تلتفت إليه الجهات الرسمية، أو تُسطر بحقه حتى عبارة ‘قضى عمره في خدمة الوطن’ التي طالما وُزِّعت مجاملةً لكل من لا يستحق، بينما حُجبت عن من أفنوا حياتهم حقاً في سبيله.”

من عزلة “هجرة بني العباس” في محافظة عمران، انطلق العفيفي شاباً طموحاً، درس الهندسة في الكويت، وتخصص في هندسة الاستوديوهات في بريطانيا، ثم تلقى تدريبات متقدمة في ألمانيا وسويسرا، لكنه رغم كل تلك الفرص، قرر العودة إلى الوطن ليبني فيها ما يستطيع من الحلم.

وبالفعل، كان من أوائل المؤسسين للتلفزيون الرسمي حينها، وأسهم بابتكارات تقنية سبقت عصرها، أبرزها اختراعه الشهير لجهاز “الأوتوكيو”، المستخدم عالمياً اليوم لعرض النصوص أمام المذيعين.

هذا الجهاز الذي طوّره العفيفي بإمكانات شخصية، بات ركيزة في كل غرفة أخبار عربية، دون أن يذكر أحد اسم مخترعه.

سجّل العفيفي أكثر من 31 اختراعاً حسب كثيرون يعرفون ومادون عنه، لكن لم يُوثّق منها رسمياً سوى أربعة، بسبب غياب مؤسسات تحمي العقول، وتحفظ الملكية الفكرية، وتمنح الأمل للمبدعين.

أما هو، فاختار أن يبقى، رفض أن يغادر البلاد، مؤمنا أن الوطن بحاجة له، حتى لو لم يبادله الوفاء.

ولعل السؤال المؤلم الذي يتكرر اليوم

ماذا لو لم يكن العفيفي يمنياً؟

ماذا لو عاش في دولة تعترف بالمخترعين وتستثمر العقول؟

لربما كانت اختراعاته تُدرس اليوم في الجامعات، واسمه يتردد في المؤتمرات الدولية، ويُستقبل بتكريم يليق بمكانته، ولكان كل من في الوطن يتغنى بأسمه وانجازاته

لكن لأنه أختار البقاء في اليمن، رحل بصمت، تماما كما عُزل حيّاً في زمن الجحود والنفاق والرياء.

لم يكن محمد العفيفي بحاجة لتمثال، ولا لقصيدة رثاء، كان فقط بحاجة لوطن يعترف بأنه أنجب مخترعاً حقيقياً، فشل في احتضانه، لكنه يستطيع على الأقل أن يعتذر له بعد الرحيل.

العفيفي لم يكن موته اليوم فقط، بل مات يوم أُهملت أفكاره، وسُدّت الأبواب في وجهه، وتحوّلت اختراعاته إلى مجرّد ملفات منسية في أدراج المؤسسات.

مات يوم لم يجد أحداً يقرأ سيرته، أو يدافع عن إنجازاته، أوحتى يحظى بكلمة افتخار وتقدير.

في المقابل ما كان لرحيل العفيفي أن يمر دون أن تركب ميليشيات الحوثي الموجة، فتُرسل برقية تعزية باسمه، في سلوك لم يُدهش من يعرف كيف تسيء هذه الجماعة لكل صاحب عقل وفكر، فهي التي أهانت العلماء، وأقصت الكفاءات، وضيّقت على المبدعين حتى رحلوا صامتين أو غادروا منفيين من وطن لا يتسع لهم.

وجاءت برقيتها – الخاوية من الصدق – وكأنها صفعة جديدة لذكرى العفيفي، أكثر من كونها اعترافاً بفضله.

كيف يمكن لمن يهين العقول أن يواسيها بعد موتها؟ وكيف لمن يُجرّم التميز أن يذرف دموع التقدير الزائفة؟.

 برقيات النفاق هذه لا تكرم الراحلين، بل تفضح الواقع المرير الذي كان سبباً في دفنهم أحياء قبل أن يُواروا الثرى.

رحيل العفيفي اليوم يُشكل فرصة لإعادة التفكير في الكيفية التي يجب أن نتعامل بها مع مبدعينا، في بيئة لا تزال تُجهض الأحلام، وتغتال الكفاءات بصمتٍ مقصودٍ ولا مبالاة مريعة، بينما لا تُكرِّم إلا القتلة، والمزايدين، والجهلة، وضجيج الغثّ من مشاهير مواقع التواصل الإجتماعي.

فهل نتعلم من الدرس؟

أم ننتظر أن يموت العفيفي التالي… بلا رثاء، ولا كلمة، أو ذاكرة تحفظه؟


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

شركة وطنية تفاجئ الأسواق بأسعار دقيق مذهلة وتربك كبار التجار.. 50 كيلو بسعر زهيد

نافذة اليمن | 704 قراءة 

عاجل : جماعة الحو ثي ستقوم بهذا الأمر عقب ساعة

كريتر سكاي | 522 قراءة 

محافظ البنك يحسم الأمر: الريال سيتعافى ويصل إلى هذا المستوى والأيام القادمة تحمل تباشير للمواطن

نيوز لاين | 516 قراءة 

ضربة قاصمة.. البنك المركزي يستعد لحرمان صنعاء من العملة الصعبة ويغلق آخر منافذ التحويلات الأجنبية

نيوز لاين | 481 قراءة 

شركة النفط تدهش المواطنين: دبة الغاز تنخفض 41% دفعة واحدة.. السعر الجديد

نيوز لاين | 379 قراءة 

القات مقابل النفط.. معادلة الهمداني أربكت الشرعية وكشفت ضعفها

نافذة اليمن | 353 قراءة 

الكشف عملية نهب منظمة في تحويل الأموال بين عدن وصنعاء

وطن نيوز | 326 قراءة 

خبير اقتصادي يكشف عن اول تحرك لصنعاء بشان تحسن الصرف في عدن

نيوز لاين | 318 قراءة 

الاطاحة بمحافظ محافظة محررة !

العربي نيوز | 300 قراءة 

القطيبي يمتثل ويغلق أبوابه الآن وسط قرارات نارية من المركزي بسحب تراخيص 7 شركات صرافة

نيوز لاين | 298 قراءة