سعيد الجعفري
لم تكن الكلمة التي ألقاها مدير أمن العاصمة عدن الدكتور مُطهَّر الشعيبي، في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، مجرد خطاب عابر ألقاه مسؤول حكومي في مناسبة ما وغادر القاعة، كي يتحول الخطاب إلى مجرد خبر عادي مكرر وممل تنقله المواقع الإخبارية والقنوات اليمنية، ثم لا يهتم به أحد، كما في خطابات كثيرة يلقيها مسؤولون في مناسبات عدة يحضرونها للالتقاط الصور ثم يغادرون دون أن تجد كلماتهم أي تفاعل أو صدى يُذكر.
وفي العشر السنوات الأخيرة، لا تحتفظ الذاكرة بأي من الخطابات التي أوقدت الحماس وتعدت جدران القاعات وشاشات التلفاز، كما فعل خطاب مدير أمن عدن الذي خطف الأضواء ولمس قلوب الناس قبل عقولهم، وصار حديث الشارع اليمني عموماً الذي راح يتناقله بالمزيد من الإعجاب بشكل غير مسبوق على وسائل التواصل الاجتماعي، بل والأكثر من ذلك غدا حديث المجالس والمنتزهات والمقاهي، وعلى وسائل المواصلات العادية في الحافلات، ويردده البسطاء من الناس، والأمهات في المنازل، والعمال على أرصفة الشوارع وفي أماكن العمل والمحلات التجارية، ويقف على تفاصيله الموظفون في المؤسسات الحكومية. وفي كل مكان، لا حديث إلا كلمات الدكتور مُطهَّر الشعيبي مدير أمن عدن التي اخترقت حاجز السمع ولمست جدران القلوب، ودغدغت عواطف العامة.
وعلى الرغم من الصيت الذائع لمُطهَّر الشعيبي، الذي يجعله شخصاً معروفاً في الكثير من الأوساط، بما فيها الأوساط الشعبية، بدا وكأن الناس تتعرف عليه لأول مرة، وتعيد اكتشاف قائد حقيقي افتقد وجوده الشارع اليمني منذ سنوات عدة.
قال لي أحد الأصدقاء في محافظة تعز اليمنية: “لا حديث على ألسنة الناس غير الحديث عن الشعيبي مدير الأمن”، الذي شغل ذات المنصب في المحافظة قبل سنوات، ويمر الآن من شوارع المدينة التي لا تزال تتذكره جيداً، ويعيد الناس الاستماع لخطابه الأخير بالكثير من الحنين لفترته هناك مديراً للأمن. وها هو يلقي بالتحية للجميع، ويصل عبر خطابه الأخير إلى جميع زوايا المدينة، التي تنصت لكل كلمة قالها في خطاب عابر لكل محافظات اليمن، أعاد من خلاله الاعتبار لرجل الأمن، ولهيبة الدولة المفقودة. حيث لم يكن كل ذلك التفاعل والاهتمام بخطاب الشعيبي مقتصراً على محافظة عدن وحدها، بل تعداها ليصل إلى كل مكان في عموم اليمن، حتى في المناطق المحتلة تحت سيطرة الحوثيين. منهم من ارتفع صوته متسائلاً: أين كان كل هذا الوقت؟ الذي افتقدت فيه اليمن للصوت الحقيقي المعبر عن الجماهير في كل اليمن.
وبدا هناك أن الجماهير وجدت القائد الحقيقي الملهم الذي لطالما انتظرت ظهوره.
وفي صنعاء، همس أحد الأشخاص: “ماذا لو أنه لا يزال لدينا مسؤولون بنفس مستوى إحساس وشجاعة مدير أمن عدن في قول الحقيقة؟” تاركاً الإجابة على السؤال للجميع.
تخيلوا معي، كل ذلك جاء على وقع خطاب عابر ألقاه الشعيبي في زمن غابت فيه الزعامات الحقيقية التي تلهم حماس الجماهير، وفي عصر رحل فيه زمن الخطابات الثورية والحماسية، واختفت فيه الزعامات والقيادات السياسية والثورية والنخب، وتلاشت فيه الأحزاب ولم تعد تقدم شيئاً، ولا تحظى بثقة أحد.
وبات الشارع يقابل كل ما يصدر عن النخب والمسؤولين من تصريحات بالسخرية، وتتحول خطاباتهم إلى وسيلة للضحك والتندر وإدانة أخرى لكل حالات العجز والشلل التي تصيب كل شيء.
ليكون خطاب الشعيبي مدير أمن عدن مختلفاً، قال الحقيقة التي وصلت للناس وتفاعلوا معها، في واقع أصعب بكثير من قدرة فرد في هرم كله مريض.
ووجد الشارع اليمني من يضع يده على الجراح بكلمات بسيطة، جعلت منه الملهم الذي يوقد شعلة الضوء ويبقي جذوة الأمل متقدة.
تعليقات الفيس بوك
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news