تواجه مليشيا الحوثي في العاصمة المختطفة صنعاء تراجعاً مقلقاً في الزخم الشعبي الذي اعتادت عليه خلال فعالياتها الجماهيرية، إذ تشير معطيات ميدانية إلى فتور متصاعد في الاستجابة لدعوات التظاهر الأسبوعية، وهو ما يعكس تحولات في المزاج المجتمعي ويضع المليشيا أمام تحديات داخلية غير مسبوقة.
ورغم محاولات الحوثيين الحفاظ على مشهد جماهيري يعزز خطابهم الإعلامي، إلا أن الحضور الشعبي بات باهتاً مقارنة بالسنوات الماضية، ما اضطرهم إلى تكثيف الضغوط على وجهاء الأحياء والمشايخ المحليين لدفع الناس نحو المشاركة، غالباً من باب الالتزام الاجتماعي أو الخشية من تبعات الرفض.
تكتيكات الإكراه بدل القناعة
في ظل انحسار التأييد الشعبي، لجأت المليشيا إلى تكتيكات تعتمد على الترهيب المقنّع والتحفيز المشروط، مستغلة النفوذ الاجتماعي الذي يتمتع به العقال والمشايخ لتأمين الحد الأدنى من الحضور في الفعاليات.
مصادر مطلعة أفادت أن بعض المشايخ والعقال يتلقون تعليمات مباشرة بضرورة توفير أعداد محددة من المشاركين، وسط تهديدات مبطنة بسحب الامتيازات أو التعرض للمساءلة، في حال لم يتم الالتزام.
ويُنظر إلى هذه الإجراءات على أنها محاولة لصناعة صورة دعائية أكثر من كونها دليلاً على قناعة جماهيرية حقيقية، خصوصاً أن الكثير من المشاركين يتم تجنيدهم بناءً على وعود وامتيازات لم تُنفذ في كثير من الأحيان.
غربة الخطاب الحوثي عن هموم المواطنين
يربط عدد من سكان العاصمة حالة العزوف الشعبي بما يعتبرونه “انفصالاً” بين الخطاب الرسمي للحوثيين وواقع الناس اليومي، حيث تتصدر الشعارات الإقليمية أولويات المليشيا، على حساب القضايا المعيشية الملحة.
وفي هذا السياق، يُنظر إلى التركيز الحوثي على القضايا الخارجية – لا سيما ملف غزة وفلسطين – كمحاولة لتبرير تحركات ذات طابع إقليمي لا تخدم اليمنيين، بل تورط البلاد أكثر في صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
يقول أحد سكان صنعاء: “نشعر أن هذه المسيرات تخدم أطرافاً خارجية أكثر مما تعبر عن صوتنا نحن، فحين يتحدثون عن فلسطين، نتساءل: من يتحدث عن معاناتنا اليومية؟ عن انقطاع الرواتب؟ عن الجوع؟”.
انكشاف خطاب الحوثي وتآكل أدوات التعبئة
في السابق، كانت الشعارات الدينية والسياسية كافية لتحريك الشارع، إلا أن تكرارها دون نتائج ملموسة أفقدها بريقها، لتتحول اليوم إلى مواد استهلاك سياسي لا تلقى آذاناً صاغية، خاصة مع تزايد الوعي العام بدوافع الجماعة.
ويرى مراقبون أن فقدان القدرة على التحشيد الطوعي يعكس أزمة شرعية اجتماعية، وأن الرهان على “القوة الناعمة” عبر المشايخ والعقال لم يعد كافياً لضمان قاعدة صلبة من المؤيدين، بل باتت هذه الأدوات تُستخدم لإخفاء الانكشاف الجماهيري أكثر من تعبئته.
مأزق حقيقي أمام الجماعة في الداخل
في ظل هذه المعطيات، تبدو مليشيا الحوثي أمام مأزق داخلي متنامٍ، حيث لم يعد بمقدورها استثمار الخطاب الثوري لتعبئة الشارع كما في السابق، في وقت تتراجع فيه الثقة العامة، وتتسع الفجوة بينها وبين الشارع.
وبينما تسعى المليشيا إلى فرض حضورها عبر أدوات النفوذ التقليدية، فإن المشهد يكشف عن يقظة مجتمعية آخذة في التصاعد، ترفض تحويل البلاد إلى ساحة لتصفية حسابات خارجية، أو استخدامها كورقة ضغط تخدم أطرافاً إقليمية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news