من بين أشجار المانجو في قرية نائية جنوب محافظة الحديدة، كان راجح عبده (45 عامًا) يعيش على هامش الحياة، محاطًا بعزلة مضاعفة فرضها عليه الفقر ومرض حول العينين، في منطقة لا يصلها الطب ولا يُسمح لأهلها بالخروج إلا بتصاريح المليشيا الحوثية.
لكنه في يونيو، حمل أمله وغادر قريته في رحلة محفوفة بالمخاطر باتجاه مدينة المخا الساحلية، حيث سمع عن إقامة المخيم الطبي المجاني الثاني لعلاج حول العين، بتنظيم دائرة الخدمات الطبية التابعة للمقاومة الوطنية، وبرعاية نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، العميد طارق صالح.
“لم أصدق أن هناك من يهتم بنا، نحن الذين نُعامل وكأننا لا نُرى”، يقول راجح لـ”تهامة 24″، بينما ينتظر دوره لإجراء العملية الجراحية التي ستعيد له شكله الطبيعي بعد أكثر من 30 عامًا من الإهمال.
عين بلا علاج ولا كرامة
في قريته النائية، حيث لا توجد مستشفيات ولا أطباء مختصون، عاش راجح حياته وهو يتفادى نظرات الشفقة أو الاستهزاء. “كنت أتهرب من أعراس القرية والأسواق، أضع نظارة سوداء في الليل والنهار، لا لأحمي عيني، بل لأُخفيها عن الناس”، يروي راجح، وهو مزارع بسيط يعول 3 أطفال ويعيش في كوخ من القش والطين.
وتابع: “حاولت مرات كثيرة الوصول إلى الحديدة أو صنعاء للعلاج، لكن الحوثيين جعلوا السفر معاناة في حد ذاته، وفوق ذلك، تكلفة العلاج كانت أكبر من دخلي السنوي”.
منشور أعاد الأمل
تغيرت حياة راجح عندما سمع من أحد أبناء قريته عن منشور على وسائل التواصل الاجتماعي يتحدث عن مخيم طبي مجاني في المخا، لعلاج مرضى الحول. “ظننتها إشاعة، لكن عندما رأيت التسجيلات الحقيقية والمرضى يتحدثون عن عملياتهم، قلت: لا بد أن أذهب”.
باع أحد رؤوس الماعز التي يربيها، واستدان جزءًا من المال، وغادر في رحلة محفوفة بالقلق. “خشيت أن يتم اعتقالي على إحدى النقاط الحوثية، أو أن يمنعوني من مواصلة طريقي، لكني كنت متمسكًا بخيط الأمل”.
رعاية لم يعرفها من قبل
في المستشفى السعودي الميداني، حيث يُقام المخيم، فوجئ راجح بتنظيم دقيق وتعامل راقٍ من الطاقم الطبي والإداري. “منذ لحظة وصولي شعرت أنني في بلد آخر.. لا وساطة، لا إذلال، فقط إنسان بحاجة إلى علاج يُقابل برعاية واحترام”.
خضع راجح، إلى جانب عشرات المرضى، لفحوصات دقيقة أشرف عليها أطباء متخصصون، وتم إدراجه ضمن جدول العمليات بعد استكمال الإجراءات خلال ساعات قليلة فقط.
نقطة تحوّل
يقول راجح: “لم أتصور أن يأتي اليوم الذي أنظر فيه إلى المرآة ولا أرى تلك النظرة المائلة التي كانت تلاحقني منذ الطفولة”. ويضيف: “ابني عندما اتصلت به قال لي: أبي، هل سترجع بعينين مثلنا؟ فقلت له: سأرجع كما لم تروني من قبل”.
رسالة من المهمشين
يختم راجح حديثه بالدعاء للقائمين على هذا المخيم، ويقول: “نحن في المناطق الريفية المحاصَرة تحت سيطرة الحوثيين نعيش وكأننا غير موجودين، لا صوت لنا، ولا دواء، ولا حتى حق في العلاج.. لكن هذا المخيم أعاد لنا الشعور بأننا بشر”.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news