مشاهدات
عاد ملف فتح الطرقات بين المحافظات اليمنية إلى الواجهة كخطوة إنسانية للتخفيف من معاناة المواطنين الذين أجبروا على طرق وعرة وطويلة نتيجة الحرب والحصار الذي فرضته ميلشيات الحوثي خلال السنوات الماضية وكبدت اليمنيين معاناة مضاعفة.
وبرزت مبادرات فتح الطرقات التي قادتها وساطات مجتمعية والتي تقوم التنسيق مع جهات رسمية من مختلف الأطراف، واستطاعت فتح عدد من الطرقات التي كانت مغلقة منذ سنوات، ومازالت تعمل على فتح طرق جديدة.
وفي أواخر مايو الماضي تم فتح الطريق الرابط بين صنعاء وعدن والذي يمر عبر الضالع، حيث كان مقطوعاً في الطريق الرابط بين "دمت"، "مريس"، وفي يونيو 2024 فتحت الطريق الرابط بين مأرب والبيضاء، وأيضا الطريق الأهم بين الحوبان ووسط مدينة تعز.
وكان فتح الطرق بارقة أمل لكثير من اليمنيين الذين تكبدوا معاناة السفر الطويل في الصحاري والجبال الوعرة والخطيرة والخسائر الكبيرة المترتبة على ذلك، ويأمل الكثير أن تستمر هذه الوساطات والمبادرات لكن حالة التوجس وترقب أي تصعيد يجعل النجاح محدود.
أين وصلت الوساطات المحلية؟
الاختراق الذي حققته الوساطة المحلية في فتح الطرق جعل نشاطها محل ترقب المواطنين، حيث تعمل حالياً مبادرة "الرايات البيضاء" على استكمال الوساطة لفتح طريق الفاخر الذي يربط الضالع بمحافظة إب، وأيضا طريق عقبة ثرة الرابط بين محافظتي أبين والبيضاء.
بالنسبة لطريق الفاخر أعلنت قوات الحزام الأمني في الضالع فتح الطريق من جهتها في منتصف يونيو الجاري، لكن العرقلة إلى حد الآن من جهة ميلشيات الحوثي لفتح الطريق الحيوي والمغلق منذ نحو سبع سنوات.
والسبت الماضي 28 يونيو/ حزيران، ألمح فريق مبادرة "الرايات البيضاء" إلى تعثر جهوده في فتح "طريق الفاخر" بين محافظتي الضالع وإب، التي تبدأ من مدينة قعطبة - الفاخر - سوق الليل - قرين الفهد - نجد الجماعي - ميتم - حتى مدينة إب.
ووصل فريق المبادرة إلى منطقة قرين الفهد الفاخر الفاصلة بين مناطق سيطرة الشرعية والحوثيين. وقال أعضاء المبادرة التي يقودها عمر الضيعة "هناك من أبناء المنطقة من عبّر عن رفضه لفتح الطريق قبل إيجاد حلول جذرية وشاملة لقضية النازحين وعودتهم إلى مناطقهم".
وأضاف البيان "توجهنا إلى مدينة دمت لمقابلة المحافظ (التابع للحوثيين) أو أحد وكلائه لمناقشة الموضوع إلا أننا لم نتمكن من مقابلتهم رغم انتظارنا ليومين، وعلى ضوء ذلك قررنا العودة على أمل اللقاء بهم لاحقًا حين تتاح الفرصة".
وبالنسبة للوساطة التي تجري لفتح طريق "عقبة ثرة" التي تربط محافظتي البيضاء وأبين. أورد بيان للمبادرة في 20 يونيو/ حزيران والذي جاء بعد لقاءات مع مسؤولي الشرعية في أبين وقال البيان "تم إبلاغنا من محافظ أبين أن الطريق بحاجة إلى الصيانة والترميم وسيتم استكمال أعمال الصيانة حتى تصبح الطريق آمنة وصالحة للعبور".
فتح الطرقات في اليمن
طريق "عقبة ثرة" الرابطة بين محافظتي البيضاء وأبين
أهمية فتح الطرقات
وتعد مبادرات فتح الطرقات الرئيسية، بادرة مهمة للتخفيف من معاناة المواطنين، حيث تحولت تلك الطرق خلال السنوات الماضية إلى خطوط تماس وحقول ألغام، مما زاد من معاناة المواطنين الذين اضطروا لاستخدام طرق بديلة وعرة وخطيرة، لكن مع توقف المواجهات منذ سنوات لم يعد اغلاقها ذو قيمة.
ورأى الصحفي صلاح السقلدي في حديث لـ"يمن شباب نت"، "أن إغلاق الطرقات، لم يعد مبرراً بعد توقف العمليات القتالية في الجبهات منذ أكثر قرابة ثلاث سنوات واستقرار الهدنة التي أعلنت في إبريل 2022".
من جانبه قال عضو مبادرة الرايات البيضاء عبد الله ناجي "الطرقات تعد شرايين حياة وإغلاقها تسبب في قطع الأواصر الاجتماعية والاقتصادية بين المحافظات والمناطق، بينما يُسهم فتحها في تخفيف معاناة المواطنين الذين عانوا من الطرق البديلة".
وأضاف في حديث له في برنامج حديث المساء الذي تبثه " يمن شباب " "أن المواطن مستفيد بشكل كبير من فتح الطرقات بغض النظر عن ماهي المستجدات، يظل الطريق في الأول والأخير حياة المئات الآلاف من المسافرين".
وتؤكد مبادرة "سفراء الراية البيضاء للسلام" مع كل وساطة متعثرة أو يواجهون معوقات فيها موقفهم بأن هدفهم مع فتح الطرق ويسعون بكل ما نملك من جهد لتحقيق ذلك لما فيه مصلحة الجميع وأنهم يعملون بكل شفافية ويواصلون طريقهم في خدمة قضايا السلام.
وقالوا في آخر بيان السبت الماضي "نؤكد للجميع أننا مجرد وسطاء سلام محليون، لا نمثل أي طرف سوى صوت العقل والإنسانية، فإن وجدنا تجاوبًا من جميع الأطراف، فإننا سنمضي قدمًا في تنفيذ ذلك على أرض الواقع، وإن لم نجد، فسنعمل على توضيح ذلك للرأي العام".
مخاوف من استغلال الحوثيين
رغم الأهمية الإنسانية لمبادرات فتح الطرقات أمام تنقل المواطنين، تبرز مخاوف من استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية، من قبل مليشيا الحوثي أو لتعزيز وجودها قرب خطوط التماس، وقد سبق وان استهدفت إحدى النقاط الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي في طريق مريس - دمت في الضالع.
كما يخشى من استغلال الطرقات من فرض جبايات مالية، كما فعلت مليشيا الحوثي المعروفة بعدم التزامها بالاتفاقيات منذ انقلابها عام 2014، التي قامت باستحداث نقاط جمركية في طريق "دمت - مريس" لفرض جبايات على الشاحنات والبضائع القادمة من عدن إلى مناطق سيطرتها.
وقال الصحافي صلاح السقلدي "إن الهاجس الامني ربما طغى لدى القوى المتصارعة لتستمر في إغلاق الطرقات خلال السنوات الماضية، لكن بعد ان أصبح العودة الى استئناف العمليات العسكرية غير وارد، على الجميع العمل على فتح الطرقات وتنظيمها ومراقبة اي عناصر تخريبية قد تستغل الوضع لغايات عدوانية، خصوصا من جانب الحوثيين".
وحذر من استغلال فتح الطرقات لفرض الجبايات من قبل الطرفين، وقال لـ"يمن شباب نت": "يجب ان لا تكون عملية فتح المنافذ فرصة للجبايات من كل الطرفين.. ونتمنى ان تستمر خطوات فتح المنافذ لتشملها جميعا بما فيها منفذ عقبة ثرة مكيراس البيضاء".
وتعمد مليشيا الحوثي الإرهابية، بممارسة الحصار على المواطنين ولا تكترث لأي معاناة أو مأساة إنسانية حيث تواصل فرض حصار خانق على مدينة تعز، باستثناء طريق الكمب - جولة القصر" الذي يربط المدينة بالحوبان، التي افتتحت في يونيو 2024 لتنقل المواطنين فقط دون شاحنات البضائع، خلال ساعات النهار فقط، بعد قرابة تسع سنوات من الإغلاق من قبل مليشيا الحوثي.
خطر الألغام والمتفجرات
تظل الألغام والمتفجرات والعبوات الناسفة التي زرعتها مليشيا الحوثي في الطرقات خلال السنوات الماضية مصدر قلق وتهديدا كبيرا للمسافرين، وقد انفجر لغم في طريق "دمت - مريس" بعد ساعات من فتحه مما يبرز المخاطر التي تواجه المواطنين.
تعليقا على ذلك، قال عضو مبادرة الرايات البيضاء عبد الله ناجي "من الطبيعي وجود مخلفات الحرب في أي منطقة جغرافية كانت مسرحاً للمعارك بالإضافة إلى أكوام ترابية وربما ألغام متفجرة أو مخلفات عربات وآليات مدرعة".
وأضاف ناجي "أن تلك المناطق مرت بأسوأ مراحل تاريخية عسكريا"، لافتا إلى "وجود لجان ترتب عملية إزالة المخلفات في الطرقات قبل فتحها الرسمي".
ووثقت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، مقتل 1219 شخصاً وإصابة 1624 بحوادث انفجار ألغام مضادة للأفراد والدروع خلال سبع سنوات (2018- 2024)، وتوزعت الأضرار التي خلفتها ألغام الحوثيين على 13 محافظة.
وصنّف بيان أصدره تحالف ميثاق العدالة، أن اليمن من بين أسوأ ثلاث دول على صعيد التلوّث بالمتفجرات، رغم أن اليمن من بين الدول التي وقّعت اتفاق أوتاوا لحظر استخدام الألغام الأرضية المضادة للأفراد.
حسابات سياسية
تبرز مخاوف من فتح الطرقات محاولات "فرض واقع" لا سيما تلك الواقعة على الحدود بين شطري اليمن قبل اعلان الوحدة في 22 مايو 1990، في المقابل اعتبر مراقبون أن فتح الطرقات ربما ضمن تفاهمات بين التحالف ومليشيا الحوثي، رغم أن المجلس الانتقالي رفض سابقا فتح الطرقات.
وعبر المجلس الانتقالي في مارس/ آذار 2024 عن رفضه فتح الطرق عبر الوساطات وقال "عملية فتح الطرقات مرتبطة بخارطة الطريق، ويجب أن تتم تحت إشراف الأمم المتحدة، ولجان أمنية ورقابة دولية ومحلية من الطرفين"، وتزامن ذلك مع توجيه لقوات الانتقالي بمنع فتح طريق عدن الضالع، والتعامل العسكري مع أي محاولات لذلك.
لكن هذا الموقف تغيير كليا وكان الانتقالي مؤخراً مبادراً لفتح الطرقات في الضالع، هذا التحول يطرح علامات استفهام بأن ما جرى خطوة لتكريس الانفصال وتطبيع الاوضاع كما هي عليه حاليا، من خلال اتفاق بين التحالف الذي تقوده السعودية ومليشيا الحوثي.
وقال الصحافي صلاح السقلدي "أن الطرقات ظلت مفتوحة حتى في ذروة الصراع بين الشمال والجنوب قبل الوحدة وكانت المنافذ تدار بشكل سلسل خالٍ من حسابات العنصرية او الأيديولوجيات" لافتا "أن عودة الطرقات إلى عهدها السابق لا يعني تقديم تنازلات سياسية".
وأضاف: "الطرقات يجب ان تظل بعيدة عن التوظيف السياسي تماما مثل الخدمات والمرتبات ولقمة الناس، ولا ينبغي أن تكون ورقة ابتزاز لانتزاع تنازلات سياسية" وقال: "اوضاع الناس لم تعد تحتمل مزيدا من المعاناة والحرمان فالطرقات والخدمات يجب ان تكون منزهة من هذا السلوك المشين".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news