قبالة سواحل القرن الأفريقي، ظلت جزيرة سقطرى اليمنية بعيدة عن الأنظار لقرون، لا يزورها إلا القليل من التجار الباحثين عن اللبان العطري، ونبتة الصبّار العلاجية، والعصارة القرمزية لشجرة دم الأخوين، التي تُستخدم في صناعة الأصباغ.
وتُقارب مساحة سقطرى مساحة جزيرة «لونغ آيلاند» في نيويورك، وتقع على بُعد نحو 140 ميلاً من السواحل الصومالية. وقد ساهم موقعها النائي في نشوء نظام بيئي فريد، يزخر بأنواع نادرة من الطيور والحيوانات، فضلاً عن الشعاب المرجانية الغنية بالحياة البحرية الملوّنة. وتشير منظمة اليونسكو إلى أنّ ثلث النباتات البالغ عددها 825 نوعاً في الجزيرة لا توجد في أي مكان آخر على وجه الأرض.
ويصف بعض الخبراء —من بينهم عالم البيئة كاي فان دام، الذي عمل في سقطرى لأكثر من عشرين عاماً— الجزيرة بأنها غالاباغوس المحيط الهندي. لكنه، إلى جانب مختصين آخرين، يُحذّر من أن ملايين السنين من التطوّر البيولوجي في سقطرى باتت «مهددة بشكل خطير.
وكتب فان دامه في حينه: «ربما يمكن اعتبار الأنظمة البيئية في سقطرى الآن في حالة صحية مشابهة على الأقل لتلك التي كانت عليها غالاباغوس عندما أُدرجت في قائمة التراث العالمي قبل 30 عاماً، مضيفاً أن سقطرى قد تواجه المصير نفسه إذا لم تُتّخذ إجراءات حاسمة لحمايتها في الوقت المناسب.
هل تتحوّل سقطرى إلى “غالاباغوس” جديدة؟
وجاء في الورقة البحثية: إذا نظرنا إلى الحالة الراهنة في جزر غالاباغوس، فقد نلمح ملامح مستقبل سقطرى —أو بالأحرى، ما قد تؤول إليه الأمور إذا استمرّت التهديدات والاتجاهات الحالية على النحو ذاته.
ووصف كاي فان دامه هذا التقييم بأنه «كان دقيقاً إلى حد بعيد»، لا سيّما من حيث توقّعاته المرتبطة بتغيّر المناخ، وذلك في تصريح لقناة NBC.
وتستقبل جزر غالاباغوس اليوم أكثر من 250 ألف زائر سنوياً، ضمن ضوابط صارمة تشمل تحديد أعداد الزوّار، وفرض وجود مرافقين مرخّصين، واعتماد مسارات محدّدة، وفرض رسوم سياحية مرتفعة تُخصّص لتمويل جهود الحماية البيئية.
وشدّد فان دامه على ضرورة أن تعتمد سقطرى آليات حماية مماثلة قبل أن تصبح الأضرار غير قابلة للإصلاح.
الثقافة والتقاليد… على المحك أيضاً
ولا تقتصر التهديدات على البيئة فحسب، إذ يرى علي يحيى، الناشط البيئي المحلي، أن السياحة بدأت تؤثر كذلك على النسيج الاجتماعي والثقافي للجزيرة، التي يبلغ عدد سكانها نحو 60 ألف نسمة، لا يزال كثير منهم يتمسّكون بتقاليدهم العريقة ويتحدّثون باللغة السقطرية القديمة، وهي لغة شفوية غير مكتوبة تعود جذورها إلى ما قبل الإسلام.
وقال يحيى: السلوكيات الأجنبية بدأت تؤثر في السكان المحليين، ونخشى أن يؤدي ذلك إلى تآكل تقاليدنا». وأضاف أن السياح مرحّب بهم عموماً، لكن على بعضهم احترام الخصوصية الثقافية أكثر.
وأشار إلى صورة نُشرت على إنستغرام تظهر امرأة ترتدي لباس السباحة تحت شجرة دم الأخوين، قائلاً إنّها أثارت غضب سكان قرية جبلية اعتبروا ذلك تصرّفاً منافياً لقيمهم المحافظة.
أمل بالمستقبل… شرط الاستمرار
ورغم الضغوط المتزايدة، يرى فان دامه أن هناك مؤشرات إيجابية، إذ أبدت السلطات في سقطرى انفتاحاً على التعاون، وبدأت مشاريع حماية بيئية يقودها المجتمع المحلي تحقّق تقدّماً ملموساً.
وقال: المبادرات التي يقودها المجتمع المحلي، إلى جانب الجهود القائمة الأخرى، تُعدّ جوهرية. وطالما استمرّت هذه المبادرات، فهناك أمل حقيقي لمستقبل الجزيرة.
نقلا”عن ” يمن مونيتور/ سي إن بي سي عربية “
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news