من أول خيط يشدك إلى سرديته، لتتابع التحولات والاحداث منذ الطفولة، السنين الأولى، لطفلين بريئين (عصام ودنيا) بنزوع إلى الحب والاشتهاء البريء للآخر وتعلق يكبر مع الأيام والسنين، ويتحول إلى وجد وشوق وآهة وكثير من الحنين والالتياع.
إنه الحب البريء الطاهر الطفولي، وذكريات اللعب والمنادمة، وهدايا الحلوى وتبادل الابتسامات.
حتى يصير أكثر معنى، مع اشتداد العود وبلوغ سن الزواج.
للحبيب هنا معنى آخر، وهو يتوارى ويكاد يغيب عن الناظر، فيماهو محتل للقلب والذاكرة في أدق التفاصيل وأجمل الذكريات، وتسأل ماذا بعد؟! ولما كل هذا الشرود والتعب والسهر والقلق.؟! أي حب هذا الذي يتملك المشاعر كلها؟!.
هكذا الروائي (عبد الباري العرشي) بمداد قلبه يصيغ سرديته المدهشة، التي تأسرنا وتأخذنا الى فضاءات واسعة، لنعرف معنى الطفولة والشباب فالرجولة، ولكل مرحلة طعمها ومذاقها وأحداثها وتحولاتها، التي تارة تقبل على القلب فتنعشه، وأخرى تنأى عنه فلاتبقى سوى الحيرة والقلق من قادم لايجيء، من حب لايتوج بفرح.
(عبدالباري العرشي) في سرديته يبرع في فهم البعد الأخلاقي للصداقة، فيرسمه بجماليات روحه المترعة بالوفاء، يأخذنا إلى عوالم من الصداقات التي تداري الآخر، تؤازره، تقف معه، وتمنحه الثقة بالغد.
ل(لعرشي عبدالباري) أكثر من حضور يرقى الى مستوى عال من الترابط الدلالي والجمالي، فيسرد لنا بأناقة حرفه انتظام الحدث وتآزره وتناميه، عن الدراسة في الجامعة وما يكتنفها من محطات تلاقي بين ماض ولى، ومستقبل يفر من بين الأصابع، وبحث عن نقلة اخرى عن وجدانيات تردم السابق، وتعوضه عن تعب لازمه إن استطاع إلى ذلك سبيلًا.
بطل الكاتب (عصام) في روايته، بريء، وقلق، وجواب أمكنة يتنفس فيها الصعداء، ويداري الحلم المترحل من شجن الى شجن، إلى تبرم ووجع متلاحق، بشيء من السهر والانكباب على الفن ومنادمة الصحب لعل شيء ما يعيد له ترتيب زمن آخر.
البطل في الرواية يلتقي بكثير من الزملاء، وكل له عالمه وحكايته، وحتى أستاذه في الجامعة بذات الروح المحبة والحظ العاثر، الجميع هنا يتقاسمون الحلم ويغرقون في المشاعر، ويهزمون ثم يعودون للعيش كيفما أتفق، كما هو حال أستاذه في الجامعة. يرسم (عبدالباري العرشي) شخصيات روايته باحتراف عالٍ، بقدرة على سبر اغوار نفسياتها، ويضيف عليها الكثير من الأحداث، بما يجعل لسرديته قوة تأثير بالغه لاتستطيع معها إلا أن تتابع الحدث من أوله حتى النهاية، فالأحداث تتصاعد لتبلغ ذروتها مكللة بزواج الشخصية الأولى في الرواية (عصام) من فتاة الجامعة يلتقيها وتنجذب إليه ليصيغا معًا حياتهما من جديد لقد قرر (عصام) إحداث مايستحق أن يجعل للحياة معنى، ويخرجه من جراحاته وذكرياته وأمانيه وأحلامه، لذلك نراه هنا يختار الزيجة، ويجعل من القادم منعطفا لتكوين سيرة أخرى بزواجه الذي يستقر عليه، ويعيد له توازنه، وترتيب اولوياته في الحياة المقبل عليها.
بطل الرواية عصام عند الاستاذ (العرشي) مرهف الحس والمشاعر، يقع على كثير من الأحزان من موت والدته، إلى وفاة أبيه، إلى حب لايكتمل بتوويج لقاء.
(العرشي) في رسمه معالم شخصية (دنيا و عصام) وهما محور ومرتكز الرواية، وبطلاها اللذان يطلان على عالمهما ببراءة الاطفال، وهما ينتظران الغد حتى إذا ما وصلا إليه تفرقًا لسبب لايعد سببًا، وهو مقياس العمر فكلهما في سن متقاربة ولابد لتزويج (دنيا) من رجل يكبرها سنًا.
هكذا تتحطم أماني وتتعثر أحلام لسبب لامعنى له، لكنه تقاليد العائلة، في كل الأحوال الرواية كتجربة أولى تبقى في مصاف الروايات الجيدة، فهي كتجربة لاشك ناجحة تشي بروائي قادم سيحقق حضوره في عالم الابداع بجدارة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news