محمد علي اللوزي.. الناقد الذي قال ما لا يقال ولم يتم انصافه!

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 91 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
محمد علي اللوزي.. الناقد الذي قال ما لا يقال ولم يتم انصافه!

صدقوني في زمن يُختطف فيه الوعي بين سطوة الشعارات وفراغ الخطابات، ينهض محمد علي اللوزي من صمت اليمن المثقل بالخذلان، ليقول ما لا يقال.

فيما ليس صوته مجرد صدى لنصوص الآخرين، بل هو جرس ثقافي متمرد، يرن في فراغ الأمة كي لا تصمت نهائياً.

والحق يقال إن هذا الرجل، الذي لو وُلد في مصر لأصبح علما في الجامعات، أو في العراق لأدرج اسمه في مناهج النقد المعاصر، يمضي بأدواته الفذة في فضاء عربي موصد أمام المفكرين المستقلين، مفتوح على مصراعيه أمام مهرجي المرحلة.

اللوزي، الناقد لا المجامل، هو من أولئك الذين يدركون بوعي جارح أن الحداثة ليست ثوبا نرتديه على عجل، بل منظومة كبرى تبدأ من الخبز وتنتهي عند القصيدة.

بل إنه يفهمها لا كمصطلح طنان مستورد، بل كمعركة فكرية وأخلاقية وسياسية. ولهذا حين يكتب عن مفارقات “نحن” و”هم”، لا يكتفي بتشريح الفرق بين الحداثة في منشئها الغربي، وبين محاولاتنا المتعثرة لتبنيها، بل يذهب أبعد: يُدين المحاولة ذاتها، ما دامت قائمة على انقطاع الوعي وفصل النص عن الحياة.

ففي مقالاته كما في رؤيته، الحداثة ليست جمالية لغوية، بل سؤالٌ وجودي سياسي أخلاقي، وكل من يتحدث عنها دون وعي بشروطها الحضارية، إنما يشارك في جريمة ثقافية موصوفة.

على إن هذا الوعي النادر هو ما يجعل من اللوزي ناقدا لا يهادن، مفكرا لا يختبئ خلف الترف اللغوي. بل إنه ينتمي إلى مدرسة لم تتشكل بعد، لكنه وحده يؤسسها – على مهل، من عمق الحبر، وعلى ركام الخيبات.

بمعنى أدق فإن محمد اللوزي ليس ناقدا “أكاديميا” بالمعنى الذي يرادف الجفاف والاقتباس والتقليد. بل هو مثقف عضوي، يشهر النص ليشتبك مع السياسة، ويقرأ الحداثة ليكشف زيف السلطة. فيما يسائل البنى المؤسسة ويعيد الاعتبار للمعنى في مجتمعات غيّبته لمصلحة الشكل.

ولذلك حين يتحدث عن اللامرئي، لا يفعل ذلك بوصفه شاعرا متغزلا بالضباب، بل كمن يقف على حافة الخراب ويشير إلى ما لا تراه المؤسسات، وما لا تجرؤ النخب على تسميته: الحضور الساحق للغياب.

كذلك فإنه ابن اليمن الجريحة، لكنه لا يكتب عنها كما يكتب أبناء العجز عن أوطانهم. هو لا ينوح، بل يواجه. يعرف أن السلطة الثقافية، مثلها مثل السلطة السياسية، لا تمنح، بل تُنتزع. ولذلك صوته، رغم الحصار، يصل، يضرب في جوهر الأشياء، ويترك أثره في النفس كضوء مفاجئ في كهف مغلق.

وفي رؤيته لمفارقات الحداثة وما بعدها، لا يُجامل اللوزي المقولات الكبرى، بل يُفككها بتؤدة، وبأناة المفكر الذي يعرف أن الزمن ليس في صفه، لكن عليه أن يكتب مع ذلك.فيما  يضع يده على جراح الأمة: من تغول المؤسسات، إلى فشل الوعي، إلى خيبة النص في زمن الصراخ، إلى الحداثة التي تحولت إلى قناع تخفي به الأنظمة تخلفها.

أي إن كتابته نوع من المقاومة، ومن التحدي الأخلاقي أيضا.

وفي نصه عن “اللامرئي”، يمارس ما يشبه الشعر الفلسفي – لغة تُشبه الحلم حين يغضب، والمعنى حين يقرر أن ينتحر في لحظة غياب.

ف “اللامرئي” عند اللوزي ليس فكرة مجردة، بل هو تجسيد لواقع عربي تائه، لا يعرف ما يريد، ولا إلى أين يمضي. وكأن اللامرئي هو نحن، شعوبا وأنظمة، نعيش في غياب الرؤية، وغياب الوطن، وغياب المعنى.

هذا الناقد الذي ظل يكتب بثبات طيلة عقود، دون ضجيج، دون منبر، دون مكافآت، يستحق أن يُقرأ كما يُقرأ الكبار. لا لأنه فقط ناقد مبدع، بل لأنه يقدم وعيا جديدا يُحرض على المراجعة، لا على التكرار. كما يضع النقد في موقع الفعل، لا في زاوية الوصف، ويُحيل الحداثة من “مطلب ثقافي” إلى “اشتباك وجودي” مع كل ما هو ثابت وميت وبائد.

ومن خلال محمد اللوزي، نفهم لماذا لم تنجح الحداثة في اختراق النسيج العربي: لأننا ببساطة أمة ترفض الحرية، وتخاف الفرد، وتبني نصوصها على ما قبلها لا على ما بعدها. ولذلك صار من السهل أن يُدان المبدع، ويُمنح الشعراء تهم الخيانة، وتُدفن الرؤى النقدية كما تُدفن الحقيقة.

لكن اللوزي، وهو يكتب، لا يبحث عن الإنصاف، بل عن الفهم. لا يلهث خلف اعتراف المركز، بل يؤسس على الهامش ما سيصير مركزاً ذات يوم. هذا هو فعله، وهذه هي ثورته الناعمة. هو، ببساطة، أحد أولئك الذين سيذكرهم الزمن حين ينسى الجميع. لأنه قال ما لم يُرد أحد أن يسمعه، وظل يقول.

طبعا أقرأ لمحمد علي اللوزي منذ ثلاثة عقود. كنت في السابعة عشرة حين صادفت كلماته للمرة الأولى، وكان ذلك أشبه باكتشاف برق داخلي يعيد تشكيل الوعي دون أن يستأذنك.

بل لم يكن مجرد ناقد، قدر ما كان كان مرآةً ساخطة لوطنٍ يعجز عن النظر إلى نفسه.

ولقد تسللت كلماته إلي كنبض نافر، صادقة، جارحة، ومُلهمة.

فيما علمني أن النص ليس شكلا فقط، بل موقف، وأن الفكرة إذا لم تُوجع فإنها لم تُولد بعد.

كبرتُ، وكبرت معي دهشتي به. فيما لم يتوقف عن الحفر في قشرة الوعي العربي الساكن، ولم يساوم في زمن امتهن كثيرون فيه الركوع. بل ظل شاهقا، حرا، يكتب كما لو أن الكتابة نجاة أخيرة من الانطفاء.

بمعنى آخر إنه من القلائل الذين أشعلوا في داخلي شرارة الأسئلة الكبرى.و لذلك، كلما قرأت له، شعرت أني أعود إلى تلك اللحظة الأولى… إلى صوت الهُدى وسط صخب التيه.!

و:

هنا إليك يا محمد اللوزي، مجرد تحية تليق بك، وتقدير يفيض من القلب لا من المجاملة. لمن قاوم النسيان بالحرف، وواجه العتمة بالمعنى، وأضاء لنا طرق السؤال حين تاهت الإجابات. أنت صوتنا حين خرس الجميع… وشرفُ الكلمة حين خانها الزمن.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

الأرصاد تحذر: أمطار رعدية غزيرة ورياح قوية تضرب عدة محافظات اليوم الإثنين

حشد نت | 673 قراءة 

الإطاحة بـ“أبوراس” وفرض “حسين حازب”.. ضغوط حوثية لهيكلة حزب المؤتمر وتعيين قيادة جديدة له

المشهد اليمني | 538 قراءة 

صاروخ غامض يهز إسرائيل.. سلاح غير مسبوق بيد الحوثيين يكشف عن مفاجأة خطيرة

مأرب برس | 482 قراءة 

إعلان سعودي رسمي يفرح ملايين اليمنيين داخل المملكة وخارجها

نيوز لاين | 460 قراءة 

أول فيديو واضح يوثق حجم الدمار الهائل في محطة شركة النفط بصنعاء عقب الغارات الإسرائيلية

المشهد اليمني | 433 قراءة 

قيادي في المجلس الانتقالي بحضرموت يقدم استقالته احتجاجًا على ممارسات عنصرية ( صوره)

شبكة اليمن الاخبارية | 373 قراءة 

القبض على 10 يمنيين في السعودية.. وإعلان رسمي بشأنهم

المشهد اليمني | 332 قراءة 

قرار جديد يحدد أسعار اللحوم في عدن.. وحماية المستهلك أولوية مكتب الصناعة

الأمناء نت | 321 قراءة 

الإطاحة بـ“أبوراس” وفرض “حسين حازب”.. ضغوط حوثية لهيكلة حزب المؤتمر وتعيين قيادة جديدة له

يني يمن | 300 قراءة 

إسرائيل والحوثيون.. صاروخ عنقودي يفتح جبهة جديدة في الصراع

عدن تايم | 298 قراءة