في تصعيد لافت داخل معسكر الشرعية اليمنية، وجّه المكتب السياسي للمقاومة الوطنية رسالة سياسية مشحونة، عبر بيان صادر عن أمانته العامة، ينتقد فيه بشدة الطريقة التي يُدير بها رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، شؤون الدولة. واعتبر البيان أن النهج الذي يتبعه العليمي يسهم في تقويض مؤسسات الدولة وتعميق الانقسام داخل الجبهة المناهضة للحوثيين.
البيان، الذي حمل مضامين لاذعة، يأتي بعد سلسلة من التحركات التي قام بها العليمي، أبرزها اجتماعه في 22 يونيو الجاري مع قيادات من هيئة التشاور وبعض الأحزاب السياسية، بعيدًا عن حضور الحكومة أو الأطراف الموقعة على اتفاق إعلان نقل السلطة.
تغييب الشركاء وتجاوز الحكومة
أبرز ما أشار إليه
بيان الأمانة العامة
هو القلق من مناقشة قضايا حساسة تمس حياة المواطنين دون مشاركة الحكومة أو الجهات الدستورية المختصة، وهو ما اعتبرته الأمانة تجاوزًا خطيرًا للصلاحيات، قد يؤدي إلى انهيار المنظومة المؤسسية التي لا تزال في طور التعافي بعد سنوات من الحرب والانقسام.
ووفق البيان، فإن الاجتماعات التي يُجريها العليمي بمعزل عن الحكومة والمكونات السياسية الرسمية لا تستند إلى مرجعيات واضحة، وتضع مستقبل الشراكة السياسية على المحك، لا سيما في ظل الظروف التي تستوجب تعزيز التماسك لا الدفع باتجاه المزيد من التصدعات.
صراع الصلاحيات وإنتاج مراكز قرار موازية
ترى الأمانة العامة، من خلال بيانها، أن العليمي يكرّس ما يشبه “الحكم الرئاسي المنفرد” داخل كيان مجلس القيادة الرئاسي، عبر تجاهل آليات العمل الجماعي التي تأسس عليها المجلس في أبريل 2022.
وبحسب مراقبين، فإن هذه الممارسات تُعيد إلى الأذهان نموذج الرئاسة المركزية، في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون المجلس هيئة جماعية ذات طابع تشاركي.
وتؤكد مصادر سياسية مطّلعة أن تكرار عقد اجتماعات حصرية مع أطراف بعينها، دون إشراك الحكومة أو باقي أعضاء المجلس، يُثير الشكوك بشأن نوايا العليمي في إعادة تشكيل مراكز النفوذ داخل السلطة الشرعية بما يخدم أجندة غير توافقية.
الأمانة العامة تحذر من إقصاء ممنهج
وشدد بيان المكتب السياسي على أن ما وصفه بـ”الدعوات الانتقائية للمكونات السياسية” خلال الاجتماعات الرئاسية لا تفتح الطريق لحلول وطنية، بقدر ما تعمّق الإشكاليات وتُفقد الدولة مظلتها الجامعة.
ودعا البيان رئيس المجلس إلى مراجعة هذه السياسات بروح من المسؤولية الوطنية، واحترام مبدأ التعدد والتوافق السياسي الذي وُلدت منه الشرعية الجديدة بعد مشاورات الرياض.
وأضاف أن الحفاظ على الشراكة السياسية وتعزيز التوافق الوطني لا يتحقق إلا عبر احترام الدستور والقانون، معتبرًا أن التعدي على صلاحيات الحكومة، خاصة في القضايا الاقتصادية، يُهدد وحدة القرار ويُربك المشهد العام في لحظة حرجة تعيشها البلاد.
بيان في توقيت حساس
يأتي هذا البيان في ظل تدهور اقتصادي متسارع، وانقطاعات للرواتب، وتراجع العملة المحلية، ما يجعل مسألة تغييب الحكومة عن قرارات مصيرية أمرًا فائق الخطورة، بحسب وصف البيان.
ويرى مراقبون أن البيان لم يكن مجرد نقد عابر، بل بمثابة إعلان عن أزمة ثقة متفاقمة داخل مجلس القيادة الرئاسي نفسه.
هل بدأ تفكك مجلس القيادة الرئاسي؟
يذهب محللون إلى أن استمرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي في إدارة الملفات المصيرية خارج الإطار الدستوري، وبالاعتماد على مشاورات “غير شاملة”، قد يدفع أطرافًا فاعلة إلى إعادة تقييم مشاركتها في المجلس، أو على الأقل الخروج بمواقف أكثر استقلالية.
ويحذر المراقبون من أن ذلك يهدد بتفكك الجبهة الوطنية في ظل غياب أي استراتيجية واضحة لحسم المعركة مع الحوثيين أو بناء مؤسسات فاعلة في المناطق المحررة.
ما المطلوب؟
تُجمِع التحليلات على أن العليمي بات مطالبًا بمراجعة عاجلة لأسلوب إدارته للمرحلة السابقة، من خلال:
تفعيل دور الحكومة وإشراكها في القرارات المصيرية.
احترام مبدأ التوافق الذي تأسس عليه مجلس القيادة.
وقف اللقاءات الانتقائية التي تهمش الشركاء السياسيين.
العودة إلى مرجعيات إعلان نقل السلطة والدستور المؤقت.
كما تؤكد مصادر سياسية أن إعادة ضبط العلاقة بين رئاسة المجلس وباقي مكوناته أصبحت ضرورة وطنية، حفاظًا على ما تبقى من وحدة الصف الجمهوري، لا سيما في ظل جمود مسارات السلام واحتقان الشارع اليمني في المناطق المحررة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news