في مشهد إعلامي يمني تتنازعه الاستقطابات، برز اسم فتحي بن لزرق كواحد من أكثر الأصوات إثارة للجدل وتأثيرًا في آنٍ معًا، هو الصحفي الذي يظهر بين الناس في الشارع، لكنه لا يغيب عن صالونات القرار. يتحدث باسم الفقراء، ويُتهم بتلقي أموال من الأجهزة، يوثّق معاناة المواطنين، لكنه أيضًا يُتهم بابتزاز سياسي محسوب. فمن هو فتحي بن لزرق؟ وكيف شق طريقه؟ وهل هو كما يرى البعض "صوت الشعب"، أم مجرد "مقاول إعلامي" بأجندات مدفوعة؟
النشأة ومسار الصعود
ولد فتحي في محافظة تعز في اليمن، ونشأ في محافظة عدن، يقول المقربون منه إنه بدأ الكتابة في سن الثالثة عشرة، قبل أن يتحول لاحقًا إلى كاتب سياسي في صحف جنوبية عدة، ثم أطلق موقعه الإخباري الخاص "عدن الغد" مطلع الألفينات، الذي سرعان ما أصبح من المنصات الأكثر تداولًا في الجنوب، وكان صعود عدن الغد بدعم وتمويل من حزب المؤتمر الشعبي العام.
وفتحي ليس خريج إعلام، بل خريج كلية الحقوق عام 2006، إلا أن مساره العملي لم يعرف سوى الصحافة، وقد عُرف عنه أسلوبه القصصي والوجداني الذي جعله قريبًا من الجمهور، مستثمرًا في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تتخطى صفحته الشخصية على "تويتر" (X) حاجز 900 ألف متابع، في رقم يتجاوز حتى مؤسسات رسمية.
مناصرة الناس أم منصة ابتزاز ؟
وفي خطاباته، يقدّم فتحي نفسه كابن الشارع، رجل يحمل معاناة الفقراء، يقترب من النار ولا يهاب الاحتراق، يتحدث باسم المهمّشين، ويطرح قضايا الخدمات والأمن والتهميش بجرأة، لكن خلف هذا الخطاب، تدور الكثير من التساؤلات حول مصدر قوته، ومن يقف وراءه، ولماذا نجا من السحق بينما تكسرت أقلام زملاء له في ذات الطريق.
وفي مناسبات عدة، نظم حملات إنسانية وجمع تبرعات لدعم مرضى أو متضررين، واستعرض نتائج مذهلة أحيانًا في وقت قياسي، و هذه المبادرات أكسبته شرعية اجتماعية وجدار حماية شعبي، لكنها لم تمنع من توجيه اتهامات له بتوظيف هذه المبادرات لبناء علاقات خاصة وتمهيد الطريق لتمويلات غير معلنة.
وأذرع تمويلية أم دعم ذاتي؟
يقال أن "المال في عالم الإعلام هو مفترق الطرق الأخطر"، وتشير مصادر متقاطعة إلى أن بن لزرق تلقى دعمًا ماليًا في أوقات مختلفة من شخصيات بارزة، ومن رجال أعمال لهم ارتباطات بأجهزة نافذة.
ويتردد اسمه في ملفات "الصحافة الموجهة أو الصفراء"، إذ يقال إنه مدرج في كشوفات صرف خاصة بجهاز الأمن القومي، وتُرسل له مبالغ شهرية عبر بنوك وسيطة، رغم كونه لا يشغل أي منصب رسمي، كذلك، توجَّه له تهمة تلقي دعم مالي خارجي في إطار "عمل استخباراتي سري"، وهو ما لم يؤكده أو ينفيه رسميًا.
ورغم أن فتحي يرد على مثل هذه الاتهامات غالبًا بالصمت، إلا أن محققون يعتبرون هذا الصمت دليلاً على الإدانة، خصوصًا حين ترافقه تحولات مفاجئة في خطاباته تجاه بعض القوى، كالانتقالي الجنوبي، أو وزراء سابقين، أو حتى تحالف دعم الشرعية نفسه .
الاعتقالات والتهديدات.. حصانة أم استهداف؟
ولا يمر كذا عام على فتحي بن لزرق دون أن يظهر اسمه في واقعة اعتقال أو اختطاف، وفي أحد التقارير، تحدث عن تعرضه للضرب في سجن يتبع جهة أمنية بعدن، وفي مرة أخرى، أعلن انسحابه من المشهد الإعلامي مؤقتًا بعد تلقيه تهديدات مباشرة بالتصفية من قيادات في الانتقالي، وفق ما نشر على صفحته الشخصية، وتارة يغادر المدينة فجأة ثم سرعان ما يعود .
ورغم ذلك، نجا من المحاسبة في قضايا أخرى، واستمر في عمله، مما يدل بوضوح على أنه "محمي"، ومحاطًا بشبكة نفوذ داخل الأمن والحكومة والدولة .
مواقف متغيرة ومقاولة إعلامية باسم "الشعب"
وأحد أبرز مآخذ منتقديه هو ما يصفونه بـ"الازدواجية" في خطابه، فبينما يتحدث عن وحدة اليمن في تغريدة، ينشر في اليوم التالي إشادة بالمجلس الانتقالي، ثم ينتقده في منشور ثالث، وبينما يظهر داعمًا لملف الكهرباء ومعاناة المواطنين، يتجنب ذكر أسماء قيادات مسؤولة عنها.
ويقول مراقبون ومختصون بدراسة حالة فتحي بن لزرق إن مواقفه باتت تتغير وفق المزاج السياسي والتمويل "الموجه"، ما جعله يتحول من ادعاء أنه "صوت حر" إلى "متحدث موسمي" حسب اتجاه الريح، و في حين يرد على ذلك مؤيدوه بأن "الظرف السياسي يحكم"، وأن "فتحي يواجه سلطة الأمر الواقع بأسلوب لا يؤدي إلى كسره" ولكن هذه تعد رواية ضعيفة.
هل فتحي بن لزرق صحفي وطني؟
هذا السؤال لا يزال معلقًا، وربما، مثل كل الحالات المركّبة، لا توجد إجابة ... بل مزيج معقّد من الحقيقة والمصالح، بين ما يريد الناس تصديقه، وما يريد هو إظهاره، ورغم أن فتحي بن لزرق يصف نفسه بـ"الصحفي الوطني" المدافع عن الناس، إلا أن هذا التوصيف مظلل ويظل محل انتقاد واسع من المتابعين والوسط الإعلامي، فالوطنية ليست شعارًا يُرفع في تغريدة وليست موسمًا، بل سلوك ومواقف متسقة تُبنى على مبادئ، وكثيرًا ما يبدو أن مواقف فتحي مرهونة بالظرف السياسي والممول لا بالمبدأ، ففي حين يتحدث عن معاناة الناس في منشور، يتجاهل في منشورات أخرى مسؤولين بعينهم معروفين بالفساد والتقصير، ما يدفع للتساؤل: هل تمارس الوطنية بانتقائية؟ وهل "السكوت عن بعض الفاسدين" نوع من الوطنية أم تغطية مدفوعة؟
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news