بين عدن وصنعاء: شهادة على مدينتين!

     
صوت العاصمة             عدد المشاهدات : 179 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
بين عدن وصنعاء: شهادة على مدينتين!

بعد أن قضيت إجازة عيد الأضحى أحد عشر يومًا في ثغر اليمن الباسم عدن، تنفست رائحة البحر المالحة، وشاهدت زرقة مياهه تتراقص بلطف، وتتأملت تفاصيل حياة الناس هناك... عدن كانت نسمة في زمن الاختناق، استراحة محارب أنهكته الجبهات الخفية في صنعاء.

هناك، بدا كل شيء جميلًا، هادئًا، وإن لم يكن مثاليًا، لكنه بالمقارنة بدا جنة أرضية.

الكهرباء حكومية، تصل يوميًا أربع ساعات، وسعر الكيلو سبعة ريالات قعيطي، أي مجانًا تقريبًا، ومع ذلك الناس لا يسددون الفواتير.

الغاز أرخص بكثير من صنعاء، وسعر الأسطوانة لا يتجاوز 1500 ريال قديم.

الوقود أرخص، دبة البترول بسعر 7000 قديم فقط.

الاتصالات والإنترنت سريعة ورخيصة: كرت شبكة بــ1000 ريال قعيطي (200 ريال قديم فقط) يدوم عشرة أيام بسعة سبعة جيجا!

أما في صنعاء، فكرت الإنترنت بـ200 يتبخر في عشر دقائق!

كل السلع والخدمات بعدن أرخص، إلا القات، فهو أغلى هناك بكثير.

لكنّ المشهد الأبلغ دلالة، كان في الشوارع:

التسول نادر، ومقتصر على المهمشين فقط، وحتى هؤلاء، إذا أعطيت أحدهم مئة ريال قعيطي (عشرة ريال قديم)، تجمّل وفرح، كأنك منحته كنزًا.

رغم انهيار العملة، ما زالت السيولة موجودة في عدن، والناس يعملون، المال يجري في أيديهم. ثمة حياة تدبّ هناك.

أما في صنعاء...

فماذا أحدثكم عنها؟

يكفيها بيتُ البردوني:

"مليحة عاشقها السلّ والجربُ."

في صنعاء، صارت الشوارع أسواقًا مفتوحة للتسول:

نساء، فتيات جميلات، أطفال، رجال، شيوخ، يجوبون المدينة في كل مربع، يستجدون الناس.

تتوقف خمس دقائق في أي شارع، فيمر عليك عشرات المتسولين... مشهد مرعب، مؤلم، يجعلنا نكره الخروج من بيوتنا إلا للضرورة القصوى.

كل شيء هنا غالٍ، باهظ، متوحّش في كلفته:

الكهرباء، الماء، الغاز، الوقود، التعليم، الصحة، الاتصالات، الإنترنت.

والناس بلا دخل، بلا رواتب، بلا وظائف.

لا أمطار، لا خصب، لا محاصيل.

حتى الأرض شحت، والمواسم جفت، والزراعة ماتت من العطش.

الأسواق راكدة، الاقتصاد مشلول، الناس يتضورون جوعًا بصمتٍ وكرامةٍ مكسورة.

في صنعاء، لا نعيش كما يعيش البشر، بل نحيا كما تُحيا الحروب...

نركض فوق جراحنا، نحترق في صمت، ونبتلع مرارات الحياة اليومية كأنها وجبة مقررة.

كل شيء هنا ثقيل: الهواء، الصمت، الظلال، حتى الأمل إن وُجد، يأتي منكس الرأس، كأنه يعتذر عن تأخره.

نحنُ أبناء مدينة اختطفت من التاريخ والجغرافيا، ووُضعت في برزخ رمادي لا يشبه الحياة ولا الموت. مدينة عالقة بين أنفاس الموتى وصراخ الأحياء.

ينطبق علينا قول نيكوس كزنتزاكيس:

"حيث الإله القاسي للشعب يملي الوصايا الشديدة الصرامة: الحياة حرب، والعالم ساحة قتال. وواجبك الوحيد هو الانتصار. لا تنم. لا تضحك. لا تتزين. لا تتكلم. هدفك الوحيد في الحياة هو القتال. ولهذا... قاتل."

وهكذا قاتلنا...

لا لأجل قضية، ولا حبًا في البطولة، بل لنُبقي أرواحنا واقفة، كي لا تسقط كما سقطت جدراننا وأسقفنا وذكرياتنا.

تحولنا إلى كائنات مشوهة، نلهث خلف لقمة باردة، وكهرباء وغاز ووقود مسلع باهض الثمن، ودواء مفقود، وسلام داخلي يبدو في حكم المستحيل.

أصبحنا وحوشًا حضارية، نعيش بأطرافنا لا بقلوبنا،

نخجل من الضحك، ونتوجس من السكينة، كأن الفرح في صنعاء تهمة سياسية، والطمأنينة خيانة وطنية.

لقد صرنا نعيش كما تُعاش النكبات...

نكفّن أرواحنا صباحًا، ونحييها ليلًا، كي نكمل هذه الدوامة الأبدية.

صنعاء لم تعد مدينة، بل ساحة حرب مفتوحة على النفس، على الذاكرة، على الحلم، وعلى الحياة نفسها.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

اليمن: المجلس الانتقالي الجنوبي يعلن السيطرة على منطقة نفطية استراتيجية ويعرض شراكة مع واشنطن ضد الحوثيين

يمن فيوتشر | 579 قراءة 

القبض على امرأة تسرق مقتنيات النساء من قاعات الأعراس صنعاء.. والعثورعلى مفاجأة صادمة بحوزتها (صورة)

المشهد اليمني | 523 قراءة 

السلطات في دبي تحث السكان على البقاء في المنازل

العاصفة نيوز | 509 قراءة 

ميليشيا الحوثي ترسل تعزيزات غير مسبوقة نحو جنوب اليمن تحضيرًا لهجوم عسكري كبير - [تفاصيل]

بوابتي | 477 قراءة 

حشود سعودية واسعة على حدود اليمن وتحذيرات للانتقالي من ضربات جوية

موقع الجنوب اليمني | 451 قراءة 

اول تحرك عسكري لقوات درع الوطن بخط العبر وهذا ماحدث

كريتر سكاي | 450 قراءة 

عاجل | القوات المسلحة الجنوبية تُلقي القبض على عصابة مسلحة في صحراء حضرموت

الناقد برس | 408 قراءة 

«التسريح لا يُسقط الحق: ضابط يرفع علم دولته المؤجَّلة»

صوت العاصمة | 384 قراءة 

ضغوط سعودية ودولية على الانتقالي لمنع إعلان حكومة موازية في جنوب اليمن

موقع الجنوب اليمني | 378 قراءة 

العثور على جثة شاب في يافع تاركا رسالة كتب فيها: لا تصلوا عليَّ ولا تقبروني.. اتركوني

بوابتي | 376 قراءة