حتمية الصراع الإيراني- الإسرائيلي
قبل 3 دقيقة
اتذكرُ أني كتبت العديد من المقالات حول هذا الموضوع خلال الفترة الماضية ، وكنت أخلص في نهاية كل تلك المقالات وبعد دراسة كل المؤشرات على الواقع ، بأن المواجهة بين ايران واسرائيل حتمية ، وكان عنوان أحد تلك المقالات على ما اتذكر ( إيران في مرمى النيران ).
وكان الكثير يُعلّق على مقالاتي تلك بالقول بأن الطرفين متفقين، وأن ما يجري ليس أكثر من مسرحية وتبادل أدوار ، وكنت ارد عليهم بأن ايران واسرائيل قد تكون المصالح السياسية والعسكرية للطرفين تلاقت في فترات تاريخية سابقة، وخصوصًا خلال محاربتهم للمشروع القومي العربي والمتمثل في الاحزاب القومية العربية التي سيطرت على الحكم في العديد من الدول العربية سابقا ، والتي كانت ترفع شعار القومية العربية ، ولكن بعد التآمر على تلك الاحزاب وإسقاطها وتراجع المشروع القومي العربي وسيطرة قوى دينية وطائفية ومذهبية على المشهد السياسي العربي ، بدأت مصالح ايران واسرائيل تتصادم وتتقاطع وتتعارض خصوصًا بعد تمكن ايران من السيطرة على القرار السياسي في عدد من الدول العربية..
حيث أصبحت ايران تمثّل خطرًا حقيقيًا ووجوديًا على اسرائيل خصوصا وأن النظام الايراني قد جعل من القضية الفلسطينية المدخل الشرعي للتدخل في البلاد العربية بحسب وجهة النظر الاسرائيلية. في هذه المرحلة اصبح واضح للعيان بأن مصالح الطرفين قد أصبحت في حالة تصادم وتعارض ، وهذا أمر وارد في المجال السياسي. فمصالح الدول السياسية والاقتصادية قد تتلاقي في مراحل تاريخية وقد تتصادم وتتعارض في مراحل تاريخية أخرى ، وهذا ما كانت تدل عليه كل المؤشرات السياسية خلال الفترة السابقة ، والتي جعلتني أخلص في مقالاتي وكتاباتي إلى أن المواجهة بين ايران واسرائيل حتمية. فقوتان اقليميتان في منظقة واحدة لديهما مشاريع سياسية توسعية وايديولوجيات متعارضة حتماً وبدون شك سوف يحدث بينهما تصادم في أقرب وقت ممكن ، وما دفعني لتبني تلك النظرية هو تنامي قوة النظام الايراني في المجال العسكري وخصوصا في مجال تطوير الصواريخ البالستية وصناعة الطائرات المسيّرة والبرنامج النووي الايراني ، والتي جعلت النظام الايراني يمثل تهديدًا كبيرًا ليس على مصالح اسرائيل فقط بل على مصالح القوى الكبرى في منطقة الشرق الاوسط والخليج العربي وفي مقدمتها امريكا ودول اوربا..
واليوم، ونحن نشاهد اندلاع الصراع العسكري بين ايران واسرائيل وتبادل الطرفين القصف بالطائرات والصواريخ والمسيّرات ، وحجم الدمار الكبير في منشآت الطرفين سواء العسكرية او الاقتصادية او المدنية ، تكون نظرية التصادم الحتمي بين ايران واسرائيل قد تحققت على أرض الواقع. والجديد اليوم هو أن هذا الصراع سيكون مقدمة لنهاية وزوال النظام السياسي لأحد الطرفين المتصارعين ، فلا يمكن للطرف المنتصر في هذه الحرب القبول ببقاء النظام السياسي للطرف المهزوم ، لأن بقاء ذلك النظام يمثل تهديدًا مستمرًا للطرف المنتصر وهو ما لا يمكن أن يقبل به ، وأقل ما يمكن أن يقبل به هو الاطاحة بذلك النظام ودعم نظام سياسي جديد ذو ايديولوجية مختلفة عن النظام السابق. فالحرب بين النظام السياسي الايراني واسرائيل هي حرب وجودية ، فالنظام السياسي الايراني القائم اليوم يقاتل من أجل بقائه كنظام حاكم ، بينما اسرائيل تقاتل من أجل بقائها كدولة ، ففي حال هزيمة النظام الايراني فسوف يترتب على ذلك زوال نظام الولي الفقيه عن المشهد السياسي وظهور نظام سياسي جديد ، وفي حال هزيمة اسرائيل فلن يكون هناك وجود لدولة اسمها اسرائيل..
وبذلك فإن كل المؤشرات تذهب إلى أن هذه الحرب سيكون لها دور كبير في تغيير خارطة الشرق الاوسط ، وسيترتب عليها زوال وانهيار تحالفات وظهور تحالفات جديدة ، والايام القادمة تحمل في طياتها الكثير من الاحداث والمتغيرات التي سيكون لها تأثير كبير على الوضع السياسي والاقتصادي والعسكري في منطقة الشرق الاوسط والإقليم والعالم. وكل ما استطيع قوله هو أن خارطة القوى في الشرق الأوسط بعد هذه الحرب لن تكون كما كانت قبلها سياسيا وعسكريا واقتصاديا وحتى ايدولوجيا وطائفيا ومذهبيا. وكل ما استطيع قوله هو أن تأثير ونتائج هذه الحرب لن تتوقف على الحدود الايرانية والاسرائيلية بل سوف تشمل كل دول منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي ، لأن هزيمة وزوال قوة اقليمية بدون شك سوف يكون لها تأثير على دول الإقليم سلباً أو ايجاباً بحسب علاقاتها ومصالحها وارتباطاتها مع القوى الاقليمية المتصارعة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news