في تطور لافت وغير مسبوق ضمن مسار الصراع الإيراني الإسرائيلي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء الاثنين، أن "إسرائيل تسيطر على أجواء طهران"، مشيرًا إلى أن الطريق باتت ممهدة نحو العمق الإيراني.
التصريح بحسب تقرير نشره موقع "الجزيرة نت" - والذي جاء وسط تصاعد الضربات الإسرائيلية داخل إيران - لم يكن مجرد استعراض للقوة، بل شكّل، بحسب مراقبين، تحوّلًا إستراتيجيًا في العقيدة العسكرية والسياسية الإسرائيلية.
تحول من الدفاع إلى الهجوم
لأكثر من عقدين، تبنّت إسرائيل إستراتيجية دفاعية قائمة على "الردع والضربات الاستباقية" تجاه المشروع النووي الإيراني، غير أن تصريحات نتنياهو الأخيرة تشير إلى تطور نوعي في نهج تل أبيب. إذ لم تعد المهمة منع إيران من امتلاك السلاح النووي فحسب، بل إعادة رسم توازن القوى في الشرق الأوسط، بما يضمن التفوق الإسرائيلي.
ويرى تقرير الجزيرة أن هذا التحول يعكس تبنّي ما يمكن وصفه بـ"عقيدة التشكيل الإستراتيجي"، حيث تهدف إسرائيل إلى فرض واقع جديد في الإقليم، لا يستند فقط إلى منع التهديد، بل إلى تغييره جذريًا، بدءًا من تحجيم نفوذ طهران، ووصولًا إلى إسقاط نظامها كما ألمح نتنياهو.
البُعد العسكري.. دقة أم دعاية؟
من الناحية العملياتية، لا يمكن الحديث عن "سيطرة فعلية" لإسرائيل على الأجواء الإيرانية، خاصة في ظل امتلاك طهران لمنظومات دفاع جوي متطورة.
ومع ذلك، تشير المعطيات إلى أن تل أبيب تمكنت من تنفيذ اختراقات سيبرانية وجوية عميقة، وربما وصلت بطائرات بدون طيار إلى أهداف حساسة في العمق الإيراني، وهو ما يفسر تصعيد الخطاب الإسرائيلي.
القصف الأخير الذي طال منشآت في جنوب طهران، منها مصفاة شاران ومبنى الإذاعة والتلفزيون الرسمي، لا يهدف فقط لتدمير أهداف عسكرية، بل لزعزعة الهيبة السيادية للنظام الإيراني، وفق محللين.
حرب نفسية.. واستهداف للمعنويات
يأتي خطاب نتنياهو ضمن حملة نفسية مكثفة، تهدف لإظهار إيران كدولة مخترقة، ولطمأنة الداخل الإسرائيلي بأن زمام المبادرة ما زال في يد تل أبيب. كما يحمل هذا الخطاب رسائل ردع لدول الجوار، مفادها أن إسرائيل قادرة على الوصول إلى أي عاصمة في المنطقة.
ضرب البنية الإعلامية لطهران يحمل أبعادًا رمزية كبيرة، فهو بمثابة ضربة في عمق المشهد السيادي الإيراني، ورسالة بأن المعركة لم تعد تقتصر على العتاد، بل على الهيبة.
رسائل متعددة.. و"تواطؤ اللحظة"
تصريحات نتنياهو لم تُوجّه فقط إلى طهران، بل جاءت كرسالة استراتيجية موجهة إلى واشنطن وحلفائها. إذ بدا واضحًا أن نتنياهو يتصرف ضمن هامش مناورة عسكري وسياسي واسع، بدعم ضمني من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وألمح نتنياهو بوضوح إلى "تغيرات كبرى قادمة" في الإقليم، مشيرًا إلى أن مشروع إيران النووي بات تحت نيران الاستهداف الدائم، وأن إسرائيل لن تنتظر اتفاقًا أو غطاءً دوليًا، بل تتحرك وفق ما تراه لحظة الحسم.
الغطاء الأميركي.. ودور ترامب
اللافت أن التصعيد الإسرائيلي تزامن مع سلسلة من التصريحات النارية الصادرة عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قال صراحة إن "البرنامج النووي الإيراني سيتم القضاء عليه بالكامل"، داعيًا سكان طهران إلى "إخلاء العاصمة فورًا".
ويرى مراقبون أن إدارة ترامب تبنت دور "الشريك الصامت" في العمليات الإسرائيلية، إذ تشير تقارير استخباراتية إلى أن البيت الأبيض كان على علم مسبق ببعض الضربات، وفضّل عدم التدخل المباشر، مع ترك هامش التحرك الكامل لنتنياهو.
هل بدأ نتنياهو تنفيذ "حرب الشريكين"؟
تُظهر التحركات الأخيرة تطابقًا شبه تام في الرؤية الإسرائيلية الأميركية تجاه إيران. فإسرائيل باتت تُنفّذ ما يمكن وصفه بـ"ضربات مفصلية" داخل إيران، بينما تُوفّر واشنطن غطاءً استخباراتيًا ودبلوماسيًا لهذه الهجمات. ويصف محللون هذا التفاهم بأنه "حرب الشريكين"، التي تهدف إلى تفكيك المشروع الإيراني تدريجيًا دون إعلان حرب شاملة.
ويبدو أن نتنياهو، من خلال تصريحاته النارية، يسعى لإظهار نفسه كقائد اللحظة التاريخية، الذي لا يتردد في استثمار الدعم الأميركي لإحداث تغيير جذري في خريطة الشرق الأوسط.
إشارات إسقاط النظام.. ما وراء الخطاب؟
من أخطر ما تضمّنه تصريح نتنياهو، تلميحه إلى احتمال سقوط النظام الإيراني. وهو تطور خطابي خطير يعكس رغبة في توسيع نطاق الاستهداف من منشآت إلى مراكز القرار.
وهذا الطرح يُنهي عمليًا الفصل بين سلوك إيران الإقليمي ونظامها السياسي، ويضعهما في سلة واحدة: العدو.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن التحذير الذي أطلقه ترامب، ثم انسحابه من قمة مجموعة السبع للعودة إلى واشنطن، ليسا تفصيلين بسيطين، بل يشيران إلى حالة طوارئ جيوسياسية تتفاعل خلف الكواليس، ويبدو أن إسرائيل تلعب فيها دور الرأس الحربي.
ما بعد التصريح.. إلى أين تتجه المنطقة؟
تصريح نتنياهو بقدر ما هو استفزازي، فإنه يعكس قناعة إسرائيلية بأن اللحظة مواتية لإعادة رسم المشهد الإقليمي. فالمعادلات القديمة التي بنيت بعد الحرب العالمية الثانية، باتت من وجهة نظر تل أبيب، غير صالحة.
ومع دخول العامل السيبراني، والطائرات بدون طيار، والتفوق الاستخباراتي، فإن إسرائيل تشعر اليوم بقدرتها على تغيير قواعد اللعبة.
لكن يبقى السؤال الأكبر: هل يملك نتنياهو القدرة فعلاً على "تغيير النظام"؟ وهل يقبل العالم - خصوصاً في ظل انقسامات مجلس الأمن - أن يتم تفكيك دولة إقليمية كبرى بهذه الطريقة؟
ويرى مراقبون أن خطاب نتنياهو الأخير لا يُقرأ فقط كلحظة سياسية، بل كلحظة إستراتيجية يحاول فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي فرض معادلة جديدة: "نحن من يقرر قواعد الحرب والسلم في الشرق الأوسط".
ولكن، كما أن القوة تصنع التغيير، فإن المبالغة فيها قد تؤدي إلى الانفجار. وما بين النشوة العسكرية والتفاهمات المستترة، تبقى طهران هي ساحة الاشتباك، ويبقى الشرق الأوسط على حافة الاحتمال الأخطر: الحرب الشاملة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news