بندر العنابي
باحث في العلاقات الدولية
لطالما قدّمت إيران نفسها قوة إقليمية كبرى، قادرة على مواجهة خصومها في الشرق الأوسط، مستخدمة خطاب “محور المقاومة” ورواية “الردع المتبادل”، غير أن هذه الصورة اهتزّت بعنف مع الضربات الإسرائيلية المباشرة على الأراضي الإيرانية في يونيو2025.
لقد مارست إيران عنفًا واسع النطاق في الإقليم من خلال أذرعها، فدعمت ميليشيات طائفية في سوريا ساهمت في سحق الثورة وقمع المدنيين، ورسّخت نفوذها في العراق عبر جماعات مسلّحة اختطفت مؤسسات الدولة، وفي اليمن دعمت انقلاب الحوثيين الذين أدخلوا البلاد في حرب كارثية، بينما في لبنان حافظت على هيمنة “حزب الله” بالسلاح والتخويف.
لقد أسهم النموذج الإيراني في فرض الهيمنة من خلال الوكلاء في صناعة صورة لإيران كقوة ذات نفوذ وهيبة واسعة في المنطقة.
لكن هذه الهيبة تلاشت حين واجهت ضربة إسرائيلية مباشرة داخل حدودها، إذ ظهرت إيران عاجزة، مترددة، وقد كشفت هذه المفارقة أن “قوة إيران” لم تكن ذاتية ولا سيادية، بل قائمة على استغلال هشاشة الدول الأخرى، لا على صلابة الداخل الإيراني.
بالإضافة إلى أن هذا الحدث يتجاوز الجانب العسكري؛ فقد عرّى حقيقة مركزية: أن القوة الإيرانية لم تكن كامنة في الداخل الإيراني، بل كانت قائمة على أذرعها المنتشرة في لبنان، وسوريا، واليمن، والعراق، وهذه الأذرع هي التي شكّلت أدوات النفوذ والتأثير، وحين تعرّض المركز نفسه للضرب تبيّن أن إيران عاجزة عن الدخول في حرب لا تحتملها داخليًا ولا اقتصاديًا.
وكان ردّ الفعل الإيراني محسوبًا ومحدودًا، لأن النظام يعلم أن الدخول في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل (وخلفها الولايات المتحدة) هو مغامرة قد تهزّ أركانه من الداخل، وهكذا كانت المفارقة: إيران التي تبدو جريئة من خلال أذرعها، بدت مترددة عند استهدافها مباشرة.
ما يعيد إلى الأذهان توصيفًا دقيقًا أطلقه وزير الخارجية السعودي الأسبق الأمير سعود الفيصل، حين قال إن “إيران نمر من ورق”، مشيرًا إلى أن تهديداتها تفوق قدراتها، وأن نفوذها يعتمد على الفوضى لا على مقومات الدولة الحقيقية.
تعليقات الفيس بوك
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news