أعد التقرير لـ”يمن ديلي نيوز” وليد الجبر:
واعتبر خبراءٌ عسكريون بأنّ هذه العملية الإسرائيلية تُعد اقتحامًا نوعيًّا غير مسبوقٍ للبنيةِ الدفاعيةِ الإيرانية، مشيرين إلى أنّ ما يلفت الانتباه في هذه العملية ليس حجم الهجوم، الذي وُصف بأنّه الأكبر على إيران منذ الحرب العراقية–الإيرانية (1980–1988)، أو في سرعته، بل النجاح اللافت الذي حقّقه هذا الهجوم في تجاوز كلّ الدفاعات الجوية الإيرانية.
وبالتالي فإن هذه العملية الجوية غير المسبوقة في منطقة الشرق الأوسط تُمثّل ذروةً تقنيةً وعسكريةً إسرائيلية، مدفوعةً بتخطيطٍ دقيقٍ وتغطيةٍ استخباريةٍ استباقية، موجّهةً إلى قلبِ القواتِ والدفاعاتِ الإيرانية، بينما أظهرت هشاشةَ الأجهزةِ الدفاعيةِ الإيرانية وجمودَها الشديد أمام ضربةٍ معقّدةٍ ومركّزة.
في هذا التقرير، يبحث “يمن ديلي نيوز” بالتحليل في أسبابَ وأسرار نجاحِ الهجومِ الإسرائيلي على إيران، بالإضافة إلى مدى كفاءةِ البنيةِ الدفاعيةِ الجويةِ لإيران، التي لطالما روّجت طهران تفوّقها الإقليمي، وامتلاكها منظوماتٍ دفاعيةً متطوّرة، فضلًا عن تقييم أسباب فشل شبكتها الدفاعية في اعتراض هذا الهجوم أو على الأقل التخفيف من آثاره المدمّرة.
تخطيطٌ استراتيجي
تحدثت العديد من المصادر الغربية، وكذلك التقاريرُ الاستخباراتيةُ المسرّبة، أنّ إسرائيل قد خطّطت لهذا الهجوم بدقّةٍ شديدة، وتغطيةٍ استخباريةٍ محكمة، واختراقٍ أمنيٍّ واسع، ما جعل الهجوم يتحوّل إلى ضربةٍ قاصمةٍ أصابت إيران في مَقتل، وأخلّت بنوعيةِ قيادتِها الدفاعية، وعمّقت بُعدًا كمّيًّا ونوعيًّا لتآكلِ قدراتِها العسكرية.
وتؤكد المصادر بأن هجوم الثالث عشر من يونيو وليدَ لحظةٍ عابرة أو ردَّ فعلٍ مفاجئ، بل كان نتيجةَ سنواتٍ من التخطيطِ المسبق، تداخلت فيها الاختراقاتُ الأمنيةُ العميقة، والتغلغلُ الاستخباراتيُّ المنظَّم، إلى جانب الحروبِ الإعلاميةِ والنفسيةِ الناعمة، والهجماتِ السيبرانيةِ المركّزة.
فكان هجومًا نوعيًّا شاملًا ومتكاملًا، طبّقت فيه إسرائيل ما يمكن تسميتُه بـ”عقيدةِ الجيل الخامس من الهجمات”، التي لا تبدأ بتوجيهِ الضرباتِ الصاروخيةِ من السماء، بل باختراقِ شبكاتِ الخصم والتغلغلِ فيها وتفكيكِ منظوماته الداخلية، قبل إطلاقِ الصاروخِ الأول.
تشير معلوماتٌ حصلت عليها جهاتٌ استخباراتيةٌ في المنطقة إلى أنّ الهجوم سبقه اختراقٌ أمنيٌّ واسع، نفّذه جهاز “الموساد” داخل الأراضي الإيرانية منذ عام 2018، فزرع خلاياه النائمة التي شملت جواسيسَ محليين وأجانب، وعملاءَ مزدوجين جُنِّدوا داخل مؤسساتٍ حيوية مثل وزارةِ الدفاع، ومنظمةِ الطاقةِ الذريةِ الإيرانية، ووحداتِ الحرسِ الثوري.
وقد تمكّنت خلايا الموساد، على مدى أسابيع، من تنفيذِ عملياتِ تخريبٍ محددة طالت أنظمةَ الرادار، ومحطاتِ التحكم، ووحداتِ القيادةِ والسيطرة، بالإضافة إلى استهدافِ منصّاتِ إطلاقِ الصواريخِ المضادةِ للطائرات، ممّا أدّى إلى تعطيلِ أجزاءٍ كبيرةٍ من الشبكةِ الدفاعيةِ الإيرانية قبيلَ بدء الهجوم.
الخلايا عملت على رصدِ المواقعِ الاستراتيجية، وتحديدِ نقاطِ الضعفِ في الدفاعاتِ الجوية، وتمريرِ معلوماتٍ دقيقة عن تحرّكاتِ كبارِ القادة، ومساراتِ النقلِ اللوجستيِّ للمعدّاتِ النوويةِ والصاروخية.
كما نفّذت عملياتٍ نوعيّة، واغتيالاتٍ دقيقة، لقادةٍ ميدانيين وعلماءَ نوويين قبل أيامٍ من توجيهِ الضربةِ الكبرى للنظامِ الإيراني، بهدفِ إرباكِ القيادةِ العسكريةِ والسياسية، وإحداثِ فراغٍ استراتيجيٍّ في غرفِ العملياتِ الإيرانية.
وبالتالي، نجحت تل أبيب عبر خلاياها النائمة، بالتنسيق مع شبكاتها المحلية المتغلغلة في الداخل الإيراني، في إضعافِ قدرةِ طهران على الردِّ على هجومها الكاسح، من خلال نجاحها في تفكيكِ الدفاعاتِ الجويةِ الإيرانية، واختراقِ أنظمةِ الرادارِ والتشويشِ المركزية، فضلًا عن تمكُّنِها، باغتيالاتها المحوريّة، من تصفيةِ قادةِ المرحلةِ الحرجة.
ما قبل الهجوم
قبل الهجوم الإسرائيلي على إيران بأيام، شنّت تل أبيب حربًا إعلامية ونفسية مدروسة، تخللتها تسريبات متعمّدة حول “قدرة إسرائيل على تدمير المنشآت النووية الإيرانية خلال 48 ساعة”، لتُربك حسابات طهران وتدفعها إلى تعزيز دفاعاتها حول أهداف غير واقعية، وبالتالي تشتيت منظومتها الدفاعية.
كما ركّزت هذه الحرب الناعمة على إشارات حول فشل إيران في تأمين علمائها ومراكزها الحيوية، في تلميح مباشر لقدرة الموساد على الوصول إلى العمق الإيراني في أي وقت.
ومع اقتراب موعد الهجوم، وقبل تنفيذه بساعات، شنت إسرائيل هجمات سيبرانية مركّزة استهدفت البنية الرقمية لمنظومات الدفاع الجوي الإيراني، خاصة شبكات الإنذار المبكر وأنظمة القيادة والسيطرة.
فلجأت إسرائيل إلى ما يُعرف بأسلوب “الاختراق الموازي” والذي مكّنها من تعطيل أنظمة Bavar-373 وصواريخ Sayyad-4B التي تُعد العمود الفقري للدفاع الجوي الإيراني.
أما ميدانيًا، فقد هاجمت إسرائيل باستخدام طائرات مسيّرة متخفّية محطات الرادار المركزية وأجهزة التشويش الإيرانية، ونفّذت ضدها ضربات استباقية دقيقة، مما جعل السماء الإيرانية مفتوحة أمام مقاتلاتها دون مقاومة فعّالة من الدفاعات الإيرانية.
لم يقتصر التخطيط الإسرائيلي لهذا الهجوم الكاسح على إيران على الاختراقات الأمنية في عمق المؤسسات الحيوية الإيرانية أو استهداف دفاعاتها الجوية أو تعطيل أنظمة راداراتها المركزية، بل تضمّن التنسيق الداخلي والإقليمي والدولي لتوفير شبكة دعم غير معلنة لهذه العملية، والتوصّل إلى تفاهمات ضمنية مع أطراف إقليمية لتسهيل تنفيذها.
فقد ذكرت مصادر دبلوماسية أن إسرائيل حصلت على ضوء أخضر استخباراتي من الولايات المتحدة، إلى جانب تنسيق لوجستي مع دول وصفتها بالصديقة أو شبه الصامتة، ورجّحت المصادر أن تكون الطائرات الإسرائيلية قد استخدمت أجواءها كممرات آمنة لتقليل زمن الوصول وتقليص فرص الرصد.
فضلًا عن الدعم الذي وفّرته الأقمار الصناعية الأمريكية لإسرائيل، مما مكّنها من بناء خرائط أهدافها على بيانات مسح ميداني رقمي عالي الدقة، وصور أقمار صناعية حرارية، وتسجيلات من طائرات استطلاع، وصور مسرّبة من داخل المنشآت الإيرانية نفسها.
بل منحتها هذه الأقمار الصناعية تغطية لحظية ومباشرة لأهداف ضربتها في الوقت الحقيقي، وهذا ما أعطاها أفضلية حسابات دقيقة فيما يخص زاوية الضربة، وزن الذخيرة، توقيت التفجير، ونسبة التدمير المطلوبة دون التسبّب بإشعاع كارثي.
ساعة الصفر
عند الساعة الثالثة من فجر أمس الجمعة، بدأت إسرائيل هجومها الكاسح على إيران، مستهدفة نحو 100 موقع استراتيجي في العمق الإيراني، ملحقة أضرارًا جسيمة بمنشآت نووية وعسكرية، ومنظومات الدفاع الجوي الإيرانية، وسط صدمة كبيرة داخل طهران وقلق دولي من اتساع رقعة التصعيد.
فقد شملت الأهداف الإسرائيلية في هذا الهجوم منشآت نووية استراتيجية، مثل منشأتَي نطنز وأصفهان، بالإضافة إلى منصات وقواعد صاروخية دفاعية ومراكز أبحاث لتطوير الصواريخ الباليستية، ولم يسلم منها قادة ومقرّات للحرس الثوري.
وافتتحت تل أبيب الموجة الأولى من هجومها بإطلاق عشرات المسيّرات التي انطلقت من أراضٍ مجاورة (منها شمال العراق وربما أذربيجان) لتنفيذ سلسلة من الضربات المركّزة في العمق الإيراني، مستهدفة الرادارات الاستراتيجية والمواقع الدفاعية في غرب إيران وحول العاصمة طهران.
واستهدفت المسيّرات الإسرائيلية في هجومها منظومات صواريخ من طراز Sayyad-4B وBavar-373 التي تعتبرها إيران نظيرًا لمنظومة S-300 الروسية.
وبفعل ضربات المسيّرات المركّزة، انهارت عدّة طبقات من منظومات الدفاع الجوي الإيراني، وتعطّلت أجزاء كبيرة من شبكتها الدفاعية، مما أتاح لـ 200 مقاتلة إسرائيلية التحليق في أجواء إيران بحرية نسبية، وتنفيذ خمس موجات أخرى من الهجوم مستخدمة أكثر من 330 قذيفة موجهة.
وبعد انتهاء الهجوم، أظهرت الصور الجوية وتحليلات الأقمار الصناعية أن إسرائيل أصابت معظم أهدافها بدقة شديدة، وبدأت تتكشّف حجم الخسائر الباهظة التي تكبّدها النظام الإيراني في هذا الهجوم.
ليتبيّن لاحقًا أن الخسائر الإيرانية في هذا الهجوم لم تقتصر على العتاد العسكري أو البنية التحتية النووية فحسب، بل فقدت طهران عددًا كبيرًا من كبار قادتها العسكريين، أبرزهم قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان العامة اللواء محمد باقري، والمستشار الأمني البارز لخامنئي علي شمخاني.
وإلى جانب القيادات العسكرية والأمنية قتل أيضا عدد من كبار العلماء النوويين، بينهم فريدون عباسي دافاني ومحمد مهدي طهرانجي، ما شكّل ضربة قاصمة للبرنامج النووي الإيراني من الناحية البشرية.
مرتبط
الوسوم
نطنز
أصفهان
إيران
إسرائيل
المفاعل النووي
الأسد الصاعد
تل أبيب
طهران
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news