كتب/ بشرى العامري:
في الوقت الذي كانت فيه أبواق طهران تملأ السماء بتهديدات الصواريخ العابرة والوعيد بالدمار الشامل لكل من يجرؤ على المساس بها، جاءت الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي بدأت فجر امس الجمعة لتُسقط القناع ليس عن قوة إيران فحسب، بل وعن مشروعها الإقليمي بأكمله.
فقد شاهد العالم مشهداً فاضحاً لضعف الدولة التي لطالما سوّقت نفسها كقوة لا تُقهر، فإذا بها تنكفئ تصمت، وتلوّح برايات حمراء لا تُخيف سوى نفسها.
المعركة الكبرى التي لطالما لوحت بها إيران مهددة الجميع لسنوات اندلعت فجأة، ثم تبخّرت بلا أثر!
ضُربت إيران في قلبها، كأن زلزالاً صامتاً أطاح بهيبة الجنرالات، بعلماء البرنامج النووي، وبقيادات الحرس الثوري، وخبراء الطائرات المسيّرة، وضباط سلاح الجو.
لم تتأخر إسرائيل كثيراً دخلت، ضربت، انسحبت، وعاودت القصف مجدداً، فيما كانت إيران تُصدر بيانات “الانتصار النوعي” وتردد اسطوانتها المعتادة “سنردّ في الوقت والمكان المناسبين”، ذلك الموعد الذي لم يأتِ، ويبدو أنه لن يأتي، فقد مات معظم من كان يُعتمد عليهم في أي حرب قادمة بضربة واحدة.
كانت الضربة دقيقة، حادة، ومُذلّة، وكان رد إيران بيان باهت، وصور رايات حمراء تُرفع فوق الأبراج، رايات تشبه تلك التي كانت تُعلَّق في خيم البغايا في الجاهلية قديماً ماقبل الإسلام، “واللواتي كُنَّ بالمناسبة اغلبية فارسية” وذلك إعلاناً بأن السهرة مفتوحة لسادة العرب، كما يقول التاريخ بلا رتوش.
كنا نسمع عن طائرات كرّار وشاهد ١٣٦، وعن سلاح جو لا يُقهر، عن دفاعات أسطورية وقيادات لا تنام، ثم، في ليلة واحدة، سقطت كل هذه الأسلحة، ليس بأيدي الجيش الأمريكي ولا بتحالف دولي، بل بعملية استخبارية نفذها الموساد، من داخل الأراضي الإيرانية ذاتها!
فالمعسكر الذي أُطلقت منه الطائرات الهجومية كان داخل إيران، وفي نطاق لا يبعد كثيراً عن طهران.
في تلك اللحظة، فقط، تذكّرنا مقولة الأمير الراحل سعود الفيصل رحمة الله عليه حين وصف إيران أنها ” نمرٌ من ورق”، وكانت المقولة حينها محل جدل، أما اليوم، فهي عنوان المرحلة.
ومن المثير للسخرية أن حلفاء إيران من حركة حماس وهم في خنادق ضيقة، وتحت حصار مطبق، ودون دعم جوّي نجحوا في ما فشلت فيه الجمهورية الإسلامية كلها.
فحماس خطفت جنوداً من خطوط التماس، فجّرت دبابات، أوقعت قتلى وجرحى بين قوات النخبة الإسرائيلية، واستدرجت العالم كله للحديث عن صمودها في وجه آلة الحرب.
أما إيران، فقد اكتفت برفع شعارات، ورسمت خرائط، وبثّت أفلاماً قصيرة عن “جهنم الصهيونية” ثم عادت لتنام!
لتنكشف بعد هذه الضربة كذبتها، وتظهر حقيقتها العارية حيث لا جيش، ولا استخبارات، ولا حتى كرامة وطنية كافية للرد.
بل اكتفت بتكرار مصطلحات من نوع: ” الرد سيكون مزلزلاً ” وما حدث فعلياً أنه لا رد ولا زلزال، أو حتى هزة خفيفة.
وأن ما اهتز فقط هو كبرياء نظام كان يهدد بقطع البحر المتوسط وإغلاق مضيق هرمز، فإذا به يقف اليوم عاجزاً سوى عن قصف دون المستوى لمسيرات تائهة تقصف اهدافاً عشوائية في تل أبيب محدثة اضراراً سطحية وعدد من الضحايا لايذكر، دون أي خسائر عسكرية أو لوجستية تحقق ولو نقطة لصالح إيران.
لتنكشف حقيقة طهران الصادمة للعالم وخصوصاً العربي أنها ليست إلا صدى صوت، وضوضاء إلكترونية، ونفخ في بالونة مملوءة بالهواء.
فقد تهاوى مشروعها بين لحظة وأخرى، فيما العالم ينظر بدهشة ويضحك بصوتٍ عالٍ، بعد أن اكتشف الحقيقة البسيطة أن إيران لم تكن أكثر من نمرٍ صنع من ورق واحترق.
لقد نجحت إيران على مدى سنوات في تسويق نفسها كلاعب إقليمي لا يُقهر، أقنعت العالم، وخصوصاً العالم العربي، بأنها تملك ترسانة عسكرية نوعية ومنظومات دفاع جوية قادرة على التصدي لأعتى جيوش الأرض.
صُورت صواريخها على أنها رادعة، ومسيّراتها ذكية ودفاعاتها محصنة حتى كاد البعض يصدق أن في طهران ما يفوق ما في واشنطن وتل أبيب من قوة.
لكن الواقع الذي كشفت عنه الساعات القليلة الماضية، أكد أن كل تلك الهالة لم تكن سوى فقاعة دعائية ضخّمتها آلة إعلامية بارعة، وهرطقات مزايدة أرادت بها إيران أن تُخيف خصومها وتُغري أتباعها، دون أن تملك على الأرض ما يدعم تلك الأساطير.
لقد عاشت المنطقة سنوات على وقع فزّاعة اسمها “إيران”، فإذا بها عند أول اختبار جاد، تنهار أمام ضربة واحدة، وتتوارى خلف بيانات غامضة ورايات حمراء لا تُطلق حتى رصاصة حقيقية تصيب العدو بشكل مباشر.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news