في حادثةٍ وُصفت بأنّها «طعنةٌ في ظهر العدالة» داخل مناطق سيطرة جماعة الحوثي، فجّر ناشطٌ موالٍ للجماعة موجةَ سخطٍ واسعةً بنشره تفاصيل اعتداءٍ وحشيٍّ تعرّضت له طبيبةٌ شابّة في مديرية الشَّعْر بمحافظة إب، وما تلاه من مساعٍ قضائيّةٍ ونافذين لطيّ الملفّ عبر وساطاتٍ قهريّةٍ لإجبار الضحيّة على التنازل.
مناشدةٌ تكشف المستور
الناشط
طه الرَّزامي
بثّ عبر صفحته في «فيسبوك» وثائق رسميّة، بينها أمرُ قبضٍ قهريٍّ بحقّ مجموعة متّهمين يتقدّمهم موظّفُ محكمة الشَّعْر
فهمي البرح
. الرزامي أكّد أنّ «عشرات القضاة وأعضاء النيابة وموظّفين في وزارة العدل إضافةً إلى وجاهاتٍ اجتماعيّةٍ دخلوا طرفاً في وساطةٍ لصالح عصابةٍ هتكت عرض امرأةٍ مُحصنة أمام منزلها، ثمّ لاحقوا مَن أسعفها بسلاحٍ آليٍّ بنيّة القتل».
ووصف الناشط ما جرى بأنّه «فاجعةٌ أكبر من قدرة المجتمع اليمني على استيعابها»، مطالباً بإيقاف كلّ القضاة والموظّفين المتدخّلين عن العمل والتحقيق معهم قبل ملاحقة الجناة الفارّين الذين «يتستّر عليهم مديرُ أمن إب»، على حدّ تعبيره.
تفاصيل الاعتداء
وفقاً لمحضر الضبط، اقتحمت المجموعةُ بقيادة البرح منزلَ الطبيبة مساءً، وانهال أفرادها عليها ضرباً مبرّحاً «قصدوا به إزهاق روحها». تدخّل أهالٍ مجاورون لإنقاذ الضحيّة، لكنّ أحد المعتدين هرع لإحضار سلاحٍ آليٍّ ولاحقَ الطبيبة ومُسعفها لإتمام الجريمة، غير أنّ «ألطافاً إلهيّة» حالت دون ذلك.
وقد حرّر قسم شرطة الشَّعْر أمرَ القبض القهري بتاريخ 6 يونيو، غير أنّ التنفيذ تعثّر وسط ضغوطِ وسطاءٍ نافذين.
وساطاتٌ تهزّ الثقة بالسلطة القضائية
مصدرٌ في نيابة استئناف إب – فضّل عدم الكشف عن اسمه – صرّح لـ«الوادي العربي» بأنّ «تدخّل هذا العدد من القضاة يُعَدّ سابقةً خطيرة، ويكرّس فكرة الإفلات من العقاب في قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي». وأكّد المصدر أنّ النيابة «لن تغلق الملفّ» ما لم تُنفَّذ أوامرُ القبض وتُحال القضيّة إلى المحكمة الجزائية المختصّة.
غضبٌ على منصّات التواصل
خلّفت المنشورات موجةَ تنديدٍ واسعةٍ بين الناشطين اليمنيين، الذين اعتبروا الوساطة «تمييعاً ممنهجاً» لقضايا النساء في مناطق الحوثيين. ودوّنت الصحفيّة
ذكرى العلوي
تغريدةً قالت فيها: «حين يصبح القاضي وسيطاً للجاني، عن أيّ عدالةٍ نتحدّث؟».
في المقابل، لم يصدر حتّى الآن تعليقٌ رسميٌّ من وزارة العدل في حكومة صنعاء حول المزاعم، بينما اكتفى مسؤولٌ أمنيٌّ في إدارة أمن إب بالقول إنّ «التحقيقات مستمرّة».
مطالب حقوقيّة
منظماتٌ محلّيّة معنيّة بحقوق الإنسان، بينها «تحالف نساء من أجل السلام»، طالبت بإرسال لجنةٍ مستقلّةٍ إلى إب «للتحقّق من سلامة الإجراءات وكفّ أيّ ضغوطٍ على الضحيّة». وأكّدت في بيانٍ أنّ توفير الحماية للطبيبة «مسؤولية الدولة أولاً وأخيراً».
الخلفيّة والسياق
تعدّ محافظة إب – أكبر المحافظات كثافةً سكّانيةً في وسط اليمن – نقطةَ تماسٍ بين نفوذ الحوثيين وشبكات المصالح المحلّيّة. وتوثّق تقاريرُ حقوقيّةٌ دوريّاً حالاتِ عنفٍ ضدّ النساء، غالباً ما تُغلَق بالتحكيم القبلي أو الوساطات النافذة بعيداً عن القضاء.
ويرى مراقبون أنّ القضيّة الأخيرة تمثّل اختباراً جديداً لقدرة سلطات صنعاء على «تغليب سلطة القانون على اعتبارات الولاء»، خصوصاً مع تورّط كوادرَ قضائيّةٍ يفترض بها حماية منظومة العدالة.
الآفاق المقبلة
بحسب إفادة محامٍ يتابع القضيّة لـ«الوادي العربي»، فإنّ الإصرار الشعبي والإعلامي على كشف مجريات التحقيق «قد يُحرج السلطات ويعجّل بتوقيف الجناة»، لكنّه حذّر من أنّ «تسويةً خلف الأبواب قد تُعيد الملفّ إلى المربّع الأوّل».
ولحين حسم المسار القانوني، تبقى الطبيبة الضحيّة تحت حمايةٍ أهليّةٍ غير رسميّة، بينما يواصل ناشطون حملةً وسميةً بعنوان
#عدالة_لطبيبة_إب
للضغط باتجاه تحريك الملفّ قضائيّاً، وإيقاف كلّ مسؤولٍ حاول طمس الجريمة أو تخفيف وطأتها.
الرزامي
ختم منشوره بقوله: «إن سكتنا اليوم عن هكذا فاجعة، فغداً ستطال بناتنا جميعاً؛ والسكوتُ أوّلُ أوجاع الهوان».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news