محدودية الدور الأممي في اليمن... اعترافات ضمنية تكشف فشل المسار السياسي
رغم مرور أكثر من عقد على الحرب في اليمن، ورغم الجهود المتكررة التي قادتها الأمم المتحدة منذ بدء الأزمة، لا تزال العملية السياسية تراوح مكانها، وسط إخفاقات متكررة للمبعوثين الأمميين في تحقيق أي اختراق حقيقي. المبعوث الحالي، هانس غروندبرغ، لم يكن استثناءً، إذ كشفت تصريحاته الأخيرة حجم التعثر الذي يواجه مهمته، بل وأظهرت بوضوح محدودية الدور الأممي في بلد يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والسياسية في العالم.
إخفاقات متراكمة... واعترافات واضحة
في أكثر من إحاطة قدمها أمام مجلس الأمن، أقر غروندبرغ – الذي يتولى منصبه منذ سبتمبر 2021 – بأن التقدم على المسار السياسي لا يزال "بطيئًا وهشًا"، مشيرًا إلى استمرار الهوة الواسعة بين أطراف النزاع، وغياب الثقة، واستمرار التصعيد العسكري.
وفي تصريحات نشرتها
صحيفة الدستور المصرية
وأعاد مكتب المبعوث الأممي نشرها رسميًا، قال غروندبرغ صراحة: "إحراز أي تقدم في الأمد القريب يبدو صعبًا"، مرجعًا ذلك إلى تصاعد الخطاب العدائي، وتنامي التوترات الإقليمية، وانهيار الوضع الاقتصادي، إلى جانب عدم وجود قرار سياسي مستقل لدى الأطراف اليمنية، حيث لمح إلى ارتهان القرار لقوى خارجية بقوله: "عملية السلام يجب أن يقودها ويملكها اليمنيون أنفسهم".
بيانات بلا أثر... وجهود بلا نتائج
رغم الجولات المكوكية التي أجراها المبعوث الأممي بين العواصم الإقليمية والدولية، والاجتماعات المتكررة مع مختلف الأطراف، إلا أن الواقع في اليمن لم يشهد أي تحول ملموس. بيانات التنديد والدعوة لضبط النفس لم تنجح في وقف الانتهاكات أو دفع عجلة السلام، بينما بقيت القوى الفاعلة على الأرض – وخصوصًا جماعة الحوثي – في موقع السيطرة، دون تقديم أي تنازلات أو التزام فعلي بمسارات التفاوض.
الانتقادات تتصاعد من سياسيين وحقوقيين يمنيين، متهمين المبعوث بـ"التواطؤ بالصمت" حيال الانتهاكات المتواصلة بحق المدنيين، وبتحويل مكتبه إلى "شاهد غير فاعل" أمام ممارسات الحوثيين، دون تسمية الطرف المعطل للمسار السياسي بشكل صريح.
الدور الأممي بين التوصيف والتقاعس
إحاطات المبعوث الأممي تعكس فجوة واضحة بين توصيفاته للوضع في اليمن، وبين الإجراءات الأممية المطلوبة للتعامل مع الواقع على الأرض. ففي الوقت الذي يتحدث فيه غروندبرغ عن الحاجة إلى "عملية جامعة تعكس التنوع اليمني"، يتم تجاهل قوى يمنية مؤثرة في العملية السياسية، فيما تظل أدوات المحاسبة الأممية غائبة بحق من يعرقل التسوية أو يرتكب جرائم بحق المدنيين.
ويبرز سؤال جوهري: ما جدوى الاستمرار في مسار أممي عاجز عن حماية المدنيين أو ضمان تنفيذ الحد الأدنى من متطلبات السلام، في ظل غياب أدوات الضغط الفعلية، وعدم محاسبة المعطلين؟
خلاصة: سلام بلا أفق
تصريحات غروندبرغ – وإن حاولت التماسك الدبلوماسي – تحمل في مضمونها اعترافًا صريحًا بفشل الجهود الأممية حتى اللحظة، وبتعقيد المشهد إلى حد يصعب معه تحقيق اختراق قريب. في ظل غياب إرادة سياسية داخلية، واستمرار الصراع الإقليمي، وتراخي المجتمع الدولي، تبقى مهمة السلام في اليمن مؤجلة، بينما يدفع المدنيون الثمن الأكبر من أمنهم ومعيشتهم وكرامتهم.
إن استمرار الأمم المتحدة في إدارة الأزمة بالأدوات الحالية، دون مراجعة جذرية لآليات الوساطة والتعامل مع المتسببين في إطالة أمد الحرب، يعني أن المشهد مرشح لمزيد من الانهيار... في وقت لم يعد فيه الشعب اليمني يحتمل مزيدًا من الانتظار.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news